ولاية الشعبة الاستئنافية لا تتجزأ
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
لولاية القاضي أهمية بالغة حيث يترتب على
عدمها انعدام الحكم الصادر عن غير ذي ولاية ، ولذلك ينبغي التوعية القانونية
بأحكام الولاية القضائية وبيان بدايتها ونهايتها واثارها وكيف تنعقد للقاضي الفرد
والهيئة القضائية، إضافة إلى ان عدم الاهتمام بالولاية القضائية يعد من ضمن أسباب
إطالة إجراءات التقاضي حيث يتم اعدام كل الإجراءات التي قد تمت في السابق بسبب
انعدام ولاية القاضي وبعدها يقوم الخصوم بالبدء من جديد في إجراءات التقاضي ، ولما
لهذا الموضوع من أهمية وجدوى فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة 26/5/2011م في الطعن المدني رقم
(43264) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الشعبة
المدنية قررت في احدى جلساتها حجز القضية للاطلاع وبعد هذه الجلسة حدثت الحركة
القضائية فتم نقل رئيس الشعبة الى شعبة اخرى في محكمة اخرى وبعد ذلك صدر الحكم
الاستئنافي بتوقيع رئيس الشعبة السابق المنقول فقام احد الخصوم بالطعن بالنقض في
الحكم الاستئنافي ؛ وذكر الطاعن في طعنه(بان القاضي المنقول بموجب الحركة القضائية
قد قام بالتوقيع على الحكم المطعون فيه بعد انتهاء ولايته بشهرين لان القضية لم
يتم حجزها للحكم حينما كان رئيس الشعبة السابق على راس عمله فكانت القضية ما تزال منظورة امام الشعبة بعد انتقال القاضي
فلم يتم حجزها للحكم وما يؤكد ذلك ان الهيئة الجديدة بعد نقل رئيس الشعبة السابق
قررت تأجيل نظر القضية لعدم تمكن الشعبة من الاطلاع بسبب الحركة القضائية ولذلك
فان الحكم المطعون فيه يكون منعدماً لصدوره من رئيس الشعبة السابق الذي تم نقله
حيث قام بالتوقيع على الحكم بعد انتهاء ولايته عملاً باحكام المادتين (15 ، 217)
مرافعات) وعندما نظرت الدائرة المدنية في المحكمة العليا في الطعن بالنقض وأوراق
القضية قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا
(وحيث انه برجوع الدائرة الى حكمي محكمتي الموضوع والى الطعن بالنقض والرد
عليه فقد تبين للدائرة صحة ما ذكره الطاعن
بشأن انعدام الحكم المطعون فيه بصدوره من غير ذي ولاية قضائية لان ذلك الحكم قد
صدر بتوقيع رئيس الشعبة السابق الذي تم نقله منها قبل حجز القضية للحكم ؛ حيث انه
من الثابت ان الشعبة الجديدة واصلت اجراءتها بعد نقل القاضي السلف وذكرت الشعبة في
محضر جلستها بعد نقل رئيس الشعبة السابق انها لم تتمكن من تنفيذ قرارها السابق
بالاطلاع نظراً للحركة القضائية ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر من الشعبة المشكلة
من رئيس الشعبة السابق المنقول فانه قد صدر من غير ذي ولاية قضائية لان الثابت ان
رئيس الشعبة السابق المنقول كانت ولايته قد انتهت بتعينه رئيساً لشعبة اخرى في
محكمة اخرى فلا يجوز له توقيع الحكم بعد ذلك ، لانه بانتهاء ولايته تنتهي ولاية
الشعبة لان الولاية لا تتجزأ كما هو معلوم ومن ثم فان الحكم المطعون فيه قد اضحى
في حكم العدم مما اقتضى معه النقض) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين
في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : التكييف القانوني لولاية الشعبة القضائية:
القضاء اما ان يكون فرداً او هيئة (شعبة ،
دائرة) فالولاية حينما تنعقد للشعبة أو للهيئة القضائية انما تنعقد لها كهيئة
مكتملة غير قابلة للتجزئة والتبعيض مثلما قرر الحكم محل تعليقنا فاذا انعدمت
الولاية لاحد اعضاء الشعبة أو الهيئة القضائية فقد انعدمت ولاية الهيئة كلها
مجتمعة ، فليس هناك اعتبار لأغلبية اعضاء
الشعبة بالقول : انه لم تنعدم الا ولاية القاضي المنقول وهو واحد من ثلاثة قضاة
فأغلبية الشعبة لم تنعدم ولايتهم القضائية فمازالوا معينين في الشعبة ، فهذا القول
غير معتبر في ميزان القانون لان الولاية القضائية متلازمة مع الهيئة القضائية أو
الشعبة كلها فهي غير قابلة للتجزئة ، وقد وصف حكم المحكمة العليا هذا الأمر (ولاية
الشعبة لا تقبل التجزئة) كما وصف حكم الشعبة بانه معدوم ، وتتفرع من مبدأ عدم
تجزئة ولاية الشعبة القضائية تطبيقات عدة منها انه لا يجوز ان يشترك في المداولة من لم يسمع
المرافعة ولا يجوز ان يشترك في الحكم من
لم يستمع المرافعة ولا يكون انعقاد جلسة الهيئة أو الشعبة صحيحاً الا بحضور اعضاء
الهيئة جميعاً وغيرها من التطبيقات التي لا يتسع المجال للاشارة اليها في التعليق
الموجز ، وفي هذا الشان نصت المادة (11) مرافعات على انه (اذا كانت هيئة الحكم
مشكلة من أكثر من قاض وجب اجتماعهم لنظر الدعوى والحكم فيها فان اختلف القضاة
فيكون الحكم بالاغلبية).
الوجه الثاني : انتهاء ولاية القاضي في المحكمة المنقول اليها وبداية ولايته في المحكمة المنقول اليها :
تنتهي ولاية القاضي بصدور واعلان القرار من
الجهة المختصة قانوناً بنقله من المحكمة التي كان يعمل فيها ، لان ولايته في هذه
المحكمة كانت بموجب قرار تعيينه في هذه المحكمة من قبل الجهة المختصة بالتعيين أو
النقل، فقرار نقل القاضي بمثابة افصاح من تلك الجهة بانتهاء ولايته وانه لم يعد
مأذوناً له بمباشرة وظيفته في تلك المحكمة التي صدر قرار نقله منها ؛ واذا تم نقله
الى محكمة أخرى فان هذا القرار يكون بمثابة إيذاناً ببدء ولايته القضائية في المحكمة التي تم نقله
اليها ، ولذا فان الغرض من نشر واعلان
الحركة القضائية على الملا المتضمنة نقل القضاة من محكمة الى اخرى حتى يكون
معلوماً للكافة انتهاء ولايات القضاة في محاكم وبدايتها في محاكم اخرى.
الوجه الثالث : تحديد وقت انتهاء ولاية القاضي في المحكمة المنقول منها :
لما لهذه المسألة من أهمية بالغة حيث تترتب
عليها اثار خطرة فقد حدد القانون وقت انتهاء الولاية بالضبط عند نقل القاضي كما
حدد القانون مصير القضايا التي تكون بعهدة القاضي عند صدور قرار نقله ، وفي هذا
الشان نصت المادة (13) مرافعات على انه (لا يجوز للقاضي ان يحكم بعد انتهاء ولايته
عدا ما سبق حجزه من قضايا للحكم قبل صدور نقله أو ندبه أو احالته للتقاعد وعليه
انجاز تلك القضايا والتوقيع على احكامها وتسليمها الى خلفه للنطق بها خلال ثلاثة
اشهر من تاريخ صدور القرار والا يتعرض للمحاسبة وفقاً لقانون السلطة القضائية)
وعند تطبيق هذا النص على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان القضية
التي قامت الشعبة الاستئنافية بالحكم فيها بهيئتها السابقة لم تكن محجوزة للحكم
فيها من قبل الهيئة السابقة ومع ذلك قامت الهيئة السابقة باصدار الحكم فيهاولذلك
قامت المحكمة العليا بنقض هذا الحكم، والله اعلم.