محكمة الاستئناف لا تكون محكمة قانون لحكم اللجنة العمالية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
المقرر أن محكمة الاستئناف تكون محكمة قانون بالنسبة لحكم التحكيم لكن الأمر يتغير
بالنسبة للحكم الصادر من اللجنة التحكيمية العمالية مع انها لجنة تحكيمية، فلا ريب
ان هناك خصوصية معينة استدعت ان يتم التعامل مع الحكم الصادر عن اللجنة التحكيمية
العمالية على هذا النحو، وهذا ما سوف نشير
إليه في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ 32/4/2013م في الطعن المدني رقم (47204) وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان اللجنة العمالية قررت استحقاق العامل المدعي لمرتبات
الاشهر السابقة على الدعوى مع تعويضه، فقام صاحب العمل باستئناف قرار اللجنة
العمالية إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد قرار اللجنة العمالية، فلم يقبل صاحب
العمل بالحكم الاستئنافي ،فقام بالطعن بالنقض في الحكم حيث قبلت الدائرة المدنية
الطعن وقررت نقض الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (وبمناقشة
الدائرة لما ذكره الطاعن من عيب في الحكم الاستئنافي لأنه قضى بتأييد قرار لجنة
التحكيم العمالية رغم ما يشوبه من قصور في الإجراءات، وحيث أن شعبة الاستئناف لم
تصلح تلك الإجراءات المعيبة، وحيث ان حكم اللجنة التحكيمية العمالية بمثابة الحكم
الابتدائي يتم الطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف وتنظر فيه الشعبة
الاستئنافية بإعتبارها محكمة موضوع أي وفقاً لما ورد في المادة (288) مرافعات
،وتحكم في القضية أما بتأييد الحكم أو تعديله أو الغائه) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : وظيفة محكمة الاستئناف بالنسبة لحكم التحكيم :
صرح
الحكم محل تعليقنا بأن محكمة الاستئناف تكون محكمة قانون بالنسبة لحكم التحكيم حيث
يقتصر دورها عند نظرها في دعوى بطلان حكم التحكيم يقتصر دورها على التحقيق من مدى توفر حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (53) تحكيم مثل
محكمة الاستئناف في ذلك مثل المحكمة العليا التي تكون محكمة قانون بالنسبة للطعن
بالنقض فيقتصر دورها على التأكد والتحقق من مدى توفر حالة من حالات الطعن بالنقض
المقررة في المادة (292) مرافعات، وعلى هذا الأساس لا يجوز لمحكمة الاستئناف عند
نظرها في دعوى البطلان ان تتناول أو تدرس أو تناقش وقائع وأدلة القضية التي فصل
فيها حكم التحكيم لان ذلك من المسائل الموضوعية وليس من المسائل القانونية، إلا
أنه يحق لمحكمة الاستئناف بمناسبة نظرها في دعوى بطلان حكم التحكيم ان تجري
تحقيقاً موضوعياً للتأكد من توفر حالة البطلان المدعى بها في دعوى بطلان حكم
التحكيم.
الوجه الثاني : وظيفة محكمة الاستئناف بالنسبة لقرار اللجنة التحكيمية العمالية :
قضى الحكم محل
تعليقنا بأن وظيفة محكمة الاستئناف بالنسبة لقرار لجنة التحكيم العمالية يكون مثل
دورها بالنسبة للحكم الابتدائي الذي يتم استئنافه أمام محكمة الاستئناف حيث يجب
عليها أن تنظر في استئناف قرار اللجنة التحكيمية العمالية كما لو أن قرار اللجنة
التحكيمية حكم ابتدائي حيث يجب عليها في هذه الحالة أن تعيد التحقيق والدراسة والمناقشة
للوقائع والادلة التي تناولها قرار اللجنة التحكيمية العمالية عملاً بمبدأ
(الاستئناف يعيد طرح النزاع الموضوعي أمام محكمة الاستئناف) الوارد في المادة
(288) مرافعات التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، فمحكمة الاستئناف تكون محكمة
موضوع بالنسبة للقرار الصادر من اللجنة التحكيمية العمالية، على خلاف الحال
بالنسبة لحكم التحكيم الصادر من المحكم أو المحكمين، ولذلك فان محكمة الاستئناف
تتصل بالقضية عن طريق عريضة استئناف قرار اللجنة التحكيمية العمالية وليس دعوى
بطلان حكم التحكيم كما هو الحال بالنسبة لحكم التحكيم الذي يصدر من غير اللجنة
التحكيمية العمالية.
الوجه الثالث : طبيعة التحكيم أمام اللجنة التحكيمية العمالية :
يرجع اختلاف قرار
اللجنة التحكيمية العمالية عن أحكام المحكمين الصادرة من غيرها يرجع إلى اختلاف
طبيعة التحكيم أمام اللجنة التحكيمية العمالية عن طبيعة التحكيم امام المحكمين أو
هيئات التحكيم الاخرى، فالتحكيم أمام اللجنة التحكيمية العمالية هو تحكيم اجباري
بمقتضى نص قانوني وارد في قانون العمل يجبر صاحب العمل والعامل على اللجوء إليه
للفصل في النزاع الذي قد يحدث بينهما، ولذلك
فهو تحكيم اجباري يقع بقوة القانون (التحكيم الاجباري والتحكيم الاختياري، استاذنا
المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد ابو الوفاء ص27) في حين ان التحكيم أمام المحكمين أو
هيئات التحكيم الاخرى يتم عن طريق وثيقة التحكيم الذي يتراضى عليها الخصوم ويفوضون
بموجبها المحكم أو هيئة التحكيم بالفصل في النزاع الناشب بينهما، والله اعلم.