لا يجوز للمشكو به الطعن بالقرار بان لا وجه لإقامة الدعوى

 

لا يجوز للمشكو به الطعن بالقرار بان لا وجه لإقامة الدعوى

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من اهم اسباب ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي قلة التوعية القانونية حيث ان بعض الخصوم لا يعرفون بعض الأحكام القانونية مثل عدم جواز قيام المشكو به بالطعن بالقرار بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية حيث اجاز له القانون ان كان له حق ان يتقدم بدعواه أمام القاضي  المدني، إلا أن عدم التوعية القانونية يجعل غالبية المشكوا بهم يطيلون إجراءات التقاضي عندما يقوموا باستئناف القرار بان لا وجه لإقامة الدعوى أمام محكمة الاستئناف ثم الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا وهكذا تطول إجراءات التقاضي مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/7/2017م في الطعن رقم (59082) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الشاكي تقدم أمام النيابة المختصة بشكواه التي ذكر فيها ان المشكو به  قام بالاعتداء على أرضه بالبناء في جزء منها وانه شكل عصابة للاعتداء على الأراضي، ومن خلال التحقيق ثبت للنيابة ان الموضوع نزاع مدني على تلك الأرض بين الشاكي والمشكو به فقررت النيابة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة المتهم المشكوبه، فقام المشكو به نفسه باستئناف القرار على أساس انه كان ينبغي على النيابة مواصلة التحقيق ومعرفة المعتدي الحقيقي والمالك الحقيقي لتلك الارض إلا أن محكمة الاستئناف قضت برفض  الاستئناف موضوعا، فلم يقبل المشكو به بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض فيه غير ان الدائرة الجزائية أقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان الطاعن بالاستئناف والنقض هو المشكو به المتهم في قرار النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى قبله، والمعلوم قانوناً أن القانون قد منح حق الطعن  في هذا القرار بصورة استثنائية للمجني عليه المدعي بالحق المدني والشخصي فقط حسبما ورد صراحة في المادة (224) إجراءات ،ومن ثم لا يجوز التوسع في ذلك ومخالفة النص بمنح المشكو به (المتهم) حق الطعن بالاستئناف في ذلك القرار كما هو الحال في هذه القضية، فقد كان من الواجب على محكمة الاستئناف ان تقضي بعدم جواز الاستئناف لعدم احقية المتهم المشكو به في رفع الاستئناف باعتبار ان القرار صادر لمصلحته فلا يجوز له الطعن، ومما يدل على ذلك ان ما اثاره الطاعن في عريضة طعنه وقائع لم تكن  محلاً للقرار الصادر عن النيابة حيث يحاول الطاعن اثارة منازعة جديدة أمام محكمتي الاستئناف والعليا، وحيث ان جواز الطعن من عدمه مسألة سابقة على النظر في موضوع الطعن، وحيث ان الثابت في هذه القضية عدم جواز استئناف الطاعن لقرار النيابة العامة ومن ثم عدم جواز طعنه بالنقض من باب أولى فلا يؤثر في ذلك قبول محكمة الاستئناف للطعن شكلاً وعدم تقريرها عدم جواز الاستئناف لان اجتهاد محكمة الاستئناف في هذا الموضوع مخالف للنص لان عدم جواز الطعن هنا متعلق بالنظام العام ويجب على المحكمة ان تقضي به من تلقاء ذاتها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه بعدم جواز قيام المتهم المشكو به بالطعن في القرار بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية قبله استند الحكم إلى المادة (224) إجراءات التي تنص على ان (للمدعي بالحقوق الشخصية أو المدنية الطعن في الأوامر الصادرة من النيابة العامة بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية أمام محكمة الاستئناف) فالمدعي بالحق المدني أو الشخصي هو الشاكي الذي تقدم بشكواه طالباً تحريك الدعوى الجزائية وإقامتها ضد المتهم فعند ما تقرر النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى الجزائية فان ذلك يعني ان النيابة رفضت شكواه فحق له ان يقوم بالطعن في ذلك القرار الذي يعد بمثابة رفضاً لشكواه، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان حق الشاكي في الطعن بالقرار بان لا وجه مقرر على سبيل الاستثناء لمصلحة الشاكي فقط فلا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه، وليس في ذلك حرمان للمشكو به من حقه في التقاضي لان القانون قرر له الحق في اللجوء إلى القضاء المدني لمقاضاة الشاكي اذا كان قد لحقه ضرر مادي أو مصاريف أو خسارات أو ضرر معنوي بسبب الشكوى اذا كانت كيدية كما ان المشكو به يستطيع ان يطلب من النيابة التحقيق مع الشاكي اذا كانت شكواه كاذبة باعتبار ذلك جريمة بلاغ كاذب او اشغال السلطات العامة او العدالة.

الوجه الثاني : عدم جواز طعن المتهم المشكو به بالقرار بان لا وجه لإقامة الدعوى من النظام العام :

قضى الحكم محل تعليقنا بان ذلك من النظام العام لان الحقوق القضائية ومنها حق الطعن يحددها ويقررها القانون لغايات واعتبارات قانونية صرفة حيث يحدد القانون صاحب الحق في الطعن وكيفية استعماله وإجراءات ذلك ووقته فلا يحق للخصوم او المحاكم مخالفة هذا التنظيم القانوني الآمر، فلا يقبل الاجتهاد في هذا الموضع لمخالفته  النص القانوني المنظم للحق حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ولان عدم جواز الطعن من المتهم المشكو به من النظام العام فيجب على المحكمة التصدي له من تلقاء ذاتها  ولو كانت المحكمة العليا مثلما قضى الحكم محل تعليقنا حتى ولو لم يثره الخصوم، كما ينبغي على المحكمة ان تنظر هذه المسألة بداية قبل الخوض في موضوع الطعن ذاته، فيجب على المحكمة ان تتحقق أولاً وفي البداية من احقية الطاعن في تقديم الطعن في هذه الحالة عملاً بمبدأ الاقتصاد في اجراءات التقاضي وعدم الهدر الاجرائي ،ولذلك فقد ناقش حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي ونقده مع انه قد قضى برفض الاستئناف موضوعاً حيث اشار حكم المحكمة العليا انه كان يتوجب على محكم الاستئناف عدم قبول الاستئناف قبل الخوض في موضوعه  والحكم برفضه موضوعاً.

الوجه الثالث : توصية لمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل :

من خلال مطالعتنا لكثير من الأحكام نجد ان إطالة إجراءات التقاضي فيجانب منها ترجع إلى جهل الخصوم ببعض النصوص القانونية العامة والمجردة الغامضة الانظمة لمواعيد الطعون واجراءات تقديمها،فهذه النصوص  التي تحتاج إلى توعية بشأنها وبطريقة غير مكلفة مثل اعداد جدول يتضمن مواعيد الطعون وكيفية احتسابها وشروط تقديمها والأحكام والقرارات التي لا يجوز الطعن فيها والخصوم الذين يحق لهم الطعن وان يتم وضع هذ الجدول في المحاكم في مكان يطالعه جمهور الخصوم ويكون بخط واضح وتتم صياغته بأسلوب سهل ومبسط مناسب لأفهام الخصوم، والله اعلم.