لا تسري احكام الانعدام على الاحكام الجزائية

 

لا تسري احكام الانعدام على الاحكام الجزائية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

قضى الحكم محل تعليقنا بان أحكام وقواعد الانعدام المنصوص عليها في قانون المرافعات لا تسري على الأحكام الجزائية التي تصدر بموجب قانون الإجراءات الجزائية،لان قانون الاجراءات قد علاج هذه المسالة بطريقة مختلفة عن الانعدام المقرر في قانون المرافعات، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/11/2017م في الطعن رقم (59636) ،وتتلخص وقائع القضية ان القاضي الجزائي الابتدائي حكم بعدم قبول الدعوى الجزائية في جريمة اعتداء على ملك الغير فقامت النيابة العامة باستئناف ذلك الحكم ومن جهته قام المدعي بالحق المدني باستئناف الحكم ذاته وتضمن استئنافه الادعاء بانعدام الحكم الابتدائي لأن القاضي الذي اصدر الحكم لاولاية له لأنه قد اسنفذ ولايته حسبما ذكر المستانف، حيث قبلت الشعبة الدفع  بانعدام الحكم الابتدائي ، فقام المتمسك بالحكم الابتدائي بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي ،فقبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبالتأمل لما ورد في اوراق القضية فقد تبين للدائرة ان الحكم المطعون فيه قد استند إلى المادة (57) مرافعات وبني منطوق الحكم عليها ،مع ان هذه القضية جزائية يسري عليها قانون الإجراءات الجزائية ابتداءً من تقديم الشكوى ومرحلتي التحقيق ثم رفع الدعوى الجزائية وسير المحاكمة ابتدائياً  واستئنافيا وامام المحكمة العليا فكل هذه الاجراءات تتم بمقتضى قانون الاجراءات وليس قانون المرافعات، فالمعلوم قانوناً ان قانون المرافعات قانون عام بالنسبة لقانون الإجراءات الجزائية يتعين الرجوع إلى قانون المرافعات في حال وجود نقص في قانون الإجراءات الجزائية، وبالرجوع إلى نصوص قانون الإجراءات الجزائية نجد انه لم يتضمن أيضا نصاً صريحاً بشأن الانعدام الجزائي ولكنه وضع ما يكفي من قواعد وضمانات لمواجهة أية حالة من حالات الانعدام وذلك في المادة (397) إجراءات التي تنص على انه (اذا كان البطلان راجعاً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بكيفية رفع الدعوى الجزائية أو تشكيل المحكمة أو ولايتها بالحكم في الدعوى أو بعلانية الجلسات أو تسبيب الأحكام أو حرية الدفاع أو علانية النطق بالأحكام أو إجراءات الطعن أو العيب الاجرائي الجوهري المهدر لأي حق من حقوق المتقاضين فيها او غير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام جاز التمسك به من جميع الاطراف في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ...الخ) وبالتأمل لنص المادة المذكورة نجد ان جميع حالات الانعدام الواردة في المادة (57) مرافعات تندرج ضمن هذا النص الذي لم يرد على سبيل الحصر وإنما على سبيل التمثيل بدليل نص المادة (أو غير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام)، ولذلك يتضح جلياً ان قانون الإجراءات الجزائية قد اشتمل على قواعد وأحكام لمعالجة حالات الإنعدام وذلك ما يغني عن إعمال نصوص قانون المرافعات، وحيث انه استقر قضاء هذه المحكمة على تقديم القانون الخاص في التطبيق على القانون العام فلا يجوز اهدار ما ورد في القانون الخاص لإعمال القانون العام، ومن ثم عدم جواز تطبيق الانعدام في القضايا الجزائية، وعليه فيكون الحكم المطعون فيه قد بني على مخالفة صريحة للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : البطلان المطلق أو المتعلق بالنظام العام في قانون الإجراءات وحالات الانعدام في قانون المرافعات :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان المادة (397) إجراءات التي تناولت حالات البطلان المطلق أو الجوهري في الاحكام الجزائية قد استوجبت تقريباً حالات الانعدام المقررة في نظيرتها المادة (57) مرافعات، أي ان حالات البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام المقررة في قانون الإجراءات تقابل حالات الانعدام المقررة في قانون المرافعات.

الوجه الثاني : المعالجة التشريعية لحالات البطلان المطلق في قانون الإجراءات :

ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا ذكر انه لا مجال لتطبيق قواعد وأحكام الانعدام المقررة في قانون المرافعات فيما يتعلق بالأحكام الجزائية لان قانون الإجراءات الجزائية قد قرر المعالجة التشريعية  في مواجهة حالات البطلان المطلق المناظرة لحالات الانعدام في قانون المرافعات، حيث قرر قانون الإجراءات الجزائية ان الأحكام الجزائية التي  تعتريها حالات البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام يجوز  لجميع الاطراف التمسك ببطلانها في اية مرحلة من مراحل التقاضي ويجب على المحاكم بمختلف درجاتها ان تتصدى لحالات البطلان تلك من تلقاء ذاتها ولو لم يثيرها الخصوم، وبناءً على ذلك لا ينبغي مواجهة تلك الحالات بالدفع بالانعدام أو دعوى الانعدام أو الحكم بانعدامها حسبما هو مقرر في قانون المرافعات لاختلاف المعالجة لتلك الحالات بين قانون المرافعات وقانون الإجراءات.

الوجه الثالث : تقديم قانون الإجراءات على قانون المرافعات في التطبيق فيما يتعلق بالبطلان المتعلق بالنظام العام المقرر في قانون الإجراءات :

ذكر الحكم محل تعليقنا ان قضاء المحكمة العليا قد استقر على ان القانون الخاص مقدم على القانون العام عند التطبيق وهي قاعدة اصلها قاعدة أصولية شرعية تقضي بان الخاص مقيد للعام، ومفهوم هذه القاعدة ان قانون الإجراءات الجزائية قانون  خاص حيث تضمن الإجراءات القانونية الواجب اتباعها بدءا من ضبط الجرائم والمخالفات وانتهاء بتنفيذ الأحكام الجزائية ،فهذا التنظيم تنظيم خاص قرره قانون الاجراءات لاعتبارات خاصة حتى تكون تلك الاجراءات مناسبة وملائمة لإجراءات التقاضي في المسائل الجزائية، ومن هذا المنطلق فان الواجب العمل بالتنظيم الخاص الوارد في قانون الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بمواجهة حالات البطلان المطلق في المسائل الجزائية، فلا يتم تطبيق قواعد الانعدام المنصوص عليها في القانون العام وهو قانون المرافعات، فلا يتم اللجوء إلى تطبيق نصوص قانون المرافعات الا اذا لم يرد نص في القانون الخاص وهو قانون الإجراءات حسبما هو منصوص عليه في قانون الإجراءات بان يتم العمل بأحكام قانون المرافعات في حالة عدم وجود نص في قانون الإجراءات ينظم المسألة، وبما ان قانون الإجراءات قد نص على طريقة مواجهة الأحكام التي تعتريها حالات البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام فيتم تطبيق ما ورد في قانون الإجراءات حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.