علم المجني عليه بالاعتداء على أرضه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
اخطر الإشكاليات الواقعية والعملية الاعتداءات المنظمة وغير المنظمة على أراضي
الغير التي تشجعها الأفكار المغلوطة عن الحيازة وحمايتها وتقادم الشكاوى الجنائية
بشانها، حيث تسلك عصابات الاعتداء على الأراضي اساليب ووسائل كثيرة للاعتداء على
الأراضي وكذا إيجاد المبررات لتلك الاعتداءات، وتستغل تلك العصابات الثغرات
القانونية أو عدم فهم المعنيين للتقادم والحيازة وحمايتها حيث تستغل العصابات تلك
الثغرات للوصول إلى مأربها وتبرير اعتداءاتها المتكررة على أراضي الغير، وقد اشار
إلى جانب من هذه الإشكاليات الحكم
الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/3/2017م
في الطعن رقم (59079) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً قام ببناء
جدار وعمودان وبلكونة في أرض جاره بعد ان تاكد ان مالك الأرض لا يقيم في المنطقة
التي توجد بها الأرض المعتدى عليها، وبعد مدة قام صاحب الأرض بزيارة المنطقة فوجد
الجدار والبناء قد اقيم على جزء من أرضه فأقتطع جزءاً منها، فبادر إلى تقديم شكوى
إلى النيابة العامة بالمعتدي على أرضه فقامت النيابة بإحالة المتهم بالاعتداء إلى
المحكمة فقام المتهم بالدفع بانه اقام البناء واقتطع الأرض بعلم ورضاء وكيل المدعي
وأنه قد مضت سنوات طويلة على اقامة الجدار وتبعاً لذلك فان الشكوى قد تقادمت وفقاً
لقانون الإجراءات وانه متمسك بالحيازة التي يحميها القانون، إلا أن القاضي
الابتدائي قضى برفض الدفع وقبول الدعوى المدنية التبعية المرفوعة من المدعي
المدني، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (ان المتهم قد اعترف في دفعه بانه قد
اعتدى على أرض الغير إلا أنه يدعي سقوط حق المجني عليه في تقديم الشكوى لمضي المدة
القانونية المحددة لتقديمها حيث ان البناء في الارض قد تم قبل اكثر من ثمان سنوات،
إلا أن المتهم عجز عن إثبات دعواه بعلم المجني عليه شخصياً بواقعة الاعتداء وافاد
بان وكيل المدعي كان يعلم بذلك، وحيث ثبت عجز المتهم عن اثبات سقوط حق المجني عليه
في تقديم الشكوى وحيث اجاز القانون لصاحب الحق في الشكوى ان يقدمها وقت علمه
بإرتكاب الجريمة اذا لم يكن عالماً بها وقت ارتكابها مما يتعين على المحكمة رفض
الدفع المقدم من المتهم وادانته ومعاقبته بالحبس والزامه بدفع التعويض ومصاريف
التقاضي) فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا ان الشعبة الجزائية
قضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقنع المتهم فقام بالطعن بالنقض في الحكم
الاستئنافي غير ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة من خلال رجوعها إلى أوراق القضية
ان محكمة أول درجة قد فصلت في دفع الطاعن بسقوط الحق في تقديم الشكوى حينما ذكرت
في أسباب حكمها ان المتهم لا ينكر انه فعله اعتداء على أرض الغير وانه لا حق له في
الأرض إلا أنه ادعى علم المجني عليه بالاعتداء وان وكيل المدعي كان يعلم بذلك حيث
عجز الطاعن عن إثبات علم المدعي إضافة إلى ان رضاء الوكيل يعد تنازلاً والوكيل ليس
لديه توكيلاً خاصاً بذلك من المجني عليه كما تبين للدائرة قيام الشعبة مصدرة الحكم
بمناقشة هذه المسألة بأسباب سائغة وحيث ان تقدير الدليل وقيمته في الإثبات من
صلاحيات محكمتي الموضوع مما يقتضي رفض الطعن واقرار الحكم المطعون فيه) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : احتماء المعتدين على أراضي الغير بتقادم الشكاوى الجنائية والحماية القانونية للحيازة العارضة وتوصيتنا للجهات المعنية:
من المتفق عليه ان
جرائم الاعتداء على أراضي الغير تهدد السلم والامن الاجتماعي في الدولة بل انها
تهدد وجود الدولة ذاتها، لان جرائم الاعتداء على الأراضي تكون مقدمات لجرائم اخرى
كالقتل والحرق والتخريب بين اصحاب ملاك الأراضي والمعتدين عليها وتتكرر هذه
الجرائم وتتوارثها الاجيال وتؤرث في المجتمع فتن ومفاسد عظيمة، ولذلك شمرت الدولة
عن ساعديها لمكافحة جرائم الاعتداء على الأراضي حيث ثبت ان هناك عصابات منظمة
تمتهن هذه المهنة تتكون من مسلحين مقعشين وغير مقعشين ومن امناء و..و..و..و
...الخ، كما ثبت بالدليل القاطع ان هدف المعتدين على الأراضي هو التمسك بحيازة
الأرض وفرض الأمر الواقع على الدولة وعلى المالك للأرض، وقبل ذلك فانهم يخططون قبل
ارتكابهم لجرائمهم يخططون لكيفية الافلات
من المسأئلة الجزائية عن طريق التمسك بتقادم شكوى مالك الأرض بواقعة الاعتداء على
ارضه، فقبل ان يباشروا الاعتداء فانهم يدرسون جيدا كيفية الافلات من الشكوى
الجنائية بأفعالهم الاجرامية، ولذلك فإننا نوصي الجهات المعنية بدراسة هذه المسألة
للحيلولة دون تمتع عصابات الاعتداء بالأراضي بهذه الميزة القانونية (تقادم الشكوى)
لان حبال القضاء المدني طويلة إضافة إلى ان قانون المرافعات قد اوجد الحماية
الكافية والمناسبة لعصابات الاعتداء على اراضي الغير عن طريق الدعاوى المستعجلة
التي تهدف أصلاً إلى حماية الاوضاع الظاهرة أي بصراحة حماية عصابات الاعتداء على
الأراضي،علاوة على أن قانون الجرائم والعقوبات أيضا يحمي الحيازة العارضة أي الاعتداءات
على اراضي الغير مع أن مالك الأرض والحائز لها الحيازة الدائمة اولى بحماية
القانون، ولذلك فإننا نوصي الجهات المعنية بتشكيل لجنة لدراسة هذه المسألة لتحديد
المعالجات المناسبة.
الوجه الثاني : علم المجني عليه بالاعتداء على أرضه وإثبات هذا العلم :
يتحقق علم المجني
عليه بالاعتداء على ارضه بمشاهدته الاعتداء إذا كان مقيما على مقربة من الأرض التي
وقع عليها الاعتداء أو كان بوسعه مشاهدة الاعتداء بالعين المجردة أو كان من عادته
تفقد ارضه وثبت بالفعل زيارته للأرض ومشاهدته الاعتداء وفي غير المشاهدة للاعتداء
يتحقق العلم عن طريق السماع اذا ثبت على
سبيل الجزم اخطار أو اعلام المجني عليه بالاعتداء على ارضه، وتظهر القيمة العلمية للحكم محل تعليقنا في انه
افترض عدم علم المجني عليه بالاعتداء على أرضه طالما انه غير مقيم بجوار الأرض
الذي وقع عليها الاعتداء ولم يشاهد الاعتداء، وهذا الافتراض صحيح بموجب القاعدة
الشرعية والقانونية التي تنص على أن (الأصل العدم) أي ان الأصل عدم علم المجني
عليه بالاعتداء وعلى المدعي بوجود العلم ان يثبت ذلك، ومن هذا المنطلق يجب على
المتهم بالاعتداء على أرض الغير ان يثبت علم مالك الأرض بالاعتداء وان يثبت وقت
هذا العلم بالضبط وان يثبت عدم اعتراض مالك الأرض على الاعتداء أو سكوته، ولذلك
فقد قضى الحكم محل تعليقنا برفض دفع المتهم بتقادم الشكوى لان المتهم عجز عن إثبات
علم مالك الأرض ووقت هذا العلم.
الوجه الثالث : لا يعوّل على علم وكيل مالك الأرض بالاعتداء :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد أن المتهم كان متمسكاً بعلم وكيل المالك بالاعتداء وسكوته ورضاه
وعدم اعتراضه على الاعتداء لأن الوكيل موجود في المنطقة التي تقع فيها الارض التي
وقع عليها الاعتداء، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان علم وكيل مالك الأرض بالاعتداء
لا يعد علماً بالنسبة للمالك فلايتم الاعتماد عليه في الدفع بسقوط ميعاد تقديم
الشكوى لان الوكيل ليس المجني عليه كما ان سكوت ورضاء الوكيل يعني انه قد تنازل عن
حق المالك وذلك غير مقبول شرعاً وقانوناً، لان التنازل يحتاج إلى تفويض خاص من
مالك الأرض حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.