نهائية حكم التحكيم بالصلح والتحكيم العرفي

 

نهائية حكم التحكيم بالصلح والتحكيم العرفي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يحدث الخلط بين التحكيم بالصلح وبين انتهاء التحكيم بالصلح وكذا يوجد جدل بشان التحكيم العرفي في اليمن الذي يعد نوعا من أنواع التحكيم بالصلح لأن وثيقة التحكيم العرفي تتضمن التفويض المطلق للمحكم الذي يكون بموجب الوثيقة طليقا فلايلتزم بالنصوص القانونية والاجراءات الا تلك المتعلقة بالنظام العام،وعلى ذلك تثور الاشكاليات عند تطبيق المادة48تحكيم التي تنص على أن حكم التحكيم بالصلح يكون نهائيا ً حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/8/2017م في الطعن رقم (58999) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: ان المحكم اصدر حكمه في ورقة واحدة لم تتضمن البيانات اللازم توفرها في حكم التحكيم المبينة في المادة 48تحكيم فقام احد الخصوم بتقديم دعوى بطلان الحكم على أساس أنه باطل لعدم اشتماله على البيانات التي اوجبت المادة 48تحكيم إشتمال حكم التحكيم عليها،فتقدم الطرف الاخر بدفع بعدم قبول دعوى البطلان لان ما صدر من المحكم هو حكم تحكيم بالصلح حيث صرح الطرفان المحتكمان في وثيقة التحكيم أن المحكم مفوض تفويضا مطلقا بالفصل بالنزاع وفقا لما يراه مناسبا  وانه لا يجوز للطرفين الطعن في الحكم واستند الدافع في دفعه إلى المادة (48) تحكيم، وقد توصلت محكمة الاستئناف إلى الحكم برفض الدفع وقبول دعوى البطلان وبطلان حكم التحكيم لفقدان الحكم البيانات اللازم توفرها في حكم التحكيم بموجب المادة48تحكيم، غير ان الدائرة المدنية بالمحكمة العليا قضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ان (الدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق وجدت ان ما نعاه الطاعن على الحكم الاستئنافي بشأن مخالفته للقانون، حيث وجدت الدائرة ان ذلك النعي في محله فالمطعون ضده قد اقر بتوقيعه  ووضع ابهامه على نسخة حكم التحكيم الذي انتهى بالصلح مما يؤكد  حصول الرضاء بذلك الصلح من قبل الطرفين والتشريف له والقبول به ومن ثم لايجوز الطعن فيه لمخالفته نصوص القانون وفقاً لأحكام المادة (48) تحكيم فبذلك يصير حكم التحكيم نهائياً وباتاً حيث نصت المادة (48) تحكيم على انه : يكون حكم التحكيم نهائياً وباتاً في حالة إتفاق اطراف التحكيم عليه وكذا في حالة إنتهاء التحكيم بالصلح الأمر الذي يتعين معه قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : سند الحكم محل تعليقنا في قضائه بنهائية حكم التحكيم بالصلح :

استند الحكم محل تعليقنا في ذلك إلى المادة (48) تحكيم التي نصت على أن (يكون حكم التحكيم نهائياً وباتاً إذا اتفق اطراف التحكيم على ذلك وفي حالات التحكيم بالصلح وفي الحالات التي ينص عليها هذا القانون) حيث قام  الحكم محل تعليقنا بتطبيق هذا النص على أساس أن حكم المحكم في هذه الحالة هو  حكم تحكيم بالصلح  لا يجوز الطعن فيه أو  تقديم دعوى بطلانه حسبما ورد في نص المادة48تحكيم.

الوجه الثاني : الفرق بين التحكيم بالصلح والتصالح بنظر المحكم :

التحكيم بالصلح هو التحكيم الطليق حيث تتضمن وثيقة التحكيم في هذا النوع من التحكيم تفويض المحكم بالفصل في النزاع تفويضا مطلقا بما يراه مناسبا غير متقيد بنصوص القانون، وتبعا لذلكً فان التحكيم بالصلح يكون عبارة عن تفويض سابق للمحكم بحسم النزاع وفقاً لمبادئ العدالة او الاعراف السائدة، اما التصالح فهو عبارة عن تراضي بين الخصوم بعد انعقاد الخصومة التحكيمية لدى المحكم حيث يتم التصالح بين الخصوم في أثناء نظر الخصومة التحكيمية  ،فعند تصالح الخصوم في أثناء نظر المحكم للخصومة يقوم المحكم بإثبات التصالح بين الخصوم والتأكد من قبولهم ورضاهم ببنود الصلح حيث يقوم الخصوم بالتوقيع على محضر الجلسة التي تم فيها الصلح ،وبموجب ذلك واستناداً إليه يقوم المحكم بإصدار حكمه بانتهاء الخصومة التحكيمية صلحاً، وفي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قام المحكم بأخذ توقيعات الخصوم على الحكم بما يفيد تشريفهم للحكم،وعلى هذا الاساس فقد تعاملت محكمة الاستئناف مع حكم التحكيم على أنه حكم وليس عقد صلح وتبعاً لذلك فقد تخلفت في الحكم البيانات اللازم توفرها في الحكم التي اشترطها القانون على سبيل الوجوب وفقا للمادة (48) تحكيم حيث كان المحكم قد حرر حكم التحكيم في صفحة واحدة فلم يذكر في الحكم وثيقة التحكيم او الدعوى والإجابة ومكان ووقت صدور الحكم وإجراءات التحكيم والجلسة التي تم فيها التصالح...الخ، في حين ذهبت المحكمة العليا إلى تكييف القضية على ان التحكيم الذي تم الاتفاق عليه في وثيقة التحكيم هو تحكيم قبلي (بالصلح) وهو تفويض المحكم في الفصل بالخلاف بما يراه مناسباً فهذا هو التحكيم بالصلح حيث يكون المحكم طليقاً غير ملزماً بان يذكر في حكمه البيانات الواردة في المادة (48) تحكيم ،ولان ما صدر من المحكم هو حكم بالصلح فانه يكون نهائياً وفقاً للمادة (48) تحكيم حسبما ورد في حكم المحكمة العليا.

الوجه الثالث : الطعن في حكم التحكيم بالصلح وتوصيتنا للجهة المختصة :

قضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بان الحكم بالصلح يكون نهائياً لا يجوز الطعن فيه حسبما نصت المادة (48) تحكيم أي ان المادة 48تحكيم قد تمت صياغتها على أساس أن  حكم التحكيم بالقضاء قابل للطعن فيه وحكم التحكيم بالصلح غير قابل للطعن فيه لأنه نهائي في حين أن قانون التحكيم اليمني لاياخذ بطريقة الطعن في حكم التحكيم وانما يأخذ بطريقة تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم إذا توفرت فيه اية حالة من حالات البطلأن المنصوص عليها في المادة 53  تحكيم، ولذلك فإننا نوصي الجهة المعنية  بتعديل المادة 48 وإعادة صياغتها حتى تنسجم مع بقية نصوص القانون،  وفي هذه المسألة الدقيقة يقول استاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور احمد ابو الوفاء في كتابه القيم (التحكيم بالصلح صـ75 : والتفرقة بين التحكيم بالقضاء والتحكيم بالصلح لم تعد ذات جدوى إلا في القوانين التي تتعامل مع حكم التحكيم كحكم  من حيث قابليته للطعن مثل غيره من الاحكام اما بالنسبة للقوانين التي  تعتمد فيما يتعلق بحكم التحكيم على تقديم دعوى مبتدأة ببطلان حكم التحكيم، فان هذه التفرقة لا ثمرة لها من هذه الناحية ولكن ثمرتها تظهر في ان حكم التحكيم بالصلح لا يتقيد بالبيانات والإجراءات التي أوجب القانون توفرها في حكم التحكيم بالقضاء، غير انه من المقرر في الفقه والقضاء انه لا يجوز لحكم التحكيم بالصلح ان يخالف القواعد المتعلقة بالنظام العام، ويندرج حكم التحكيم القبلي او العرفي في اليمن ضمن حكم التحكيم بالصلح ،ولذلك فان غالبية احكام المحكمين العرفية في اليمن لا تلتزم بالبيانات القانونية التي اوجب القانون وجودها في حكم التحكيم بالقضاء، وقد كان حكم التحكيم في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا من نمط الأحكام القبلية الشائعة في اليمن بكثرة التي لاتشتمل على البيانات المحددة في المادة 48، والله اعلم.