مهر الزوجة عند فسخ الزواج قبل الدخول
لا يثير الطلاق قبل الدخول الإشكاليات التي يثيرها فسخ الزواج قبل الدخول من حيث إستحقاق المهر، فعند الطلاق
قبل الدخول يجب على الزوج دفع نصف المهر لأن النص الشرعي والقانوني صريح في
هذا الشان، لكن الامر يختلف في حالة فسخ الزواج قبل الدخول ،حيث اشار إلى جانب
من هذه الإشكاليات الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 15/9/2018م في الطعن رقم (61516) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الزوجة تقدمت بدعوى
مفادها ان زوجها المدعى عليه قد قام بعقد زواجها منها قبل خمس سنوات إلا أنه عجز عن توفير متطلبات الزفاف وإنتقالها من بيت
اهلها إلى منزل الزوجية الذي عجز المدعى عليه عن توفيره وإنها واهلها قد طلبوا من
المدعى عليه طلاقها إلا أنه رفض ذلك مما جعلها تلجاء إلى القضاء، وطلبت المدعية
الحكم بفسخ عقد زواجها من المدعى عليه، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بفسخ
الزواج دون ان تقضي بالزام المرأة بإعادة بقية المهر ، وقد ورد ضمن أسباب
الحكم الابتدائي (بان القانون نص على أنه لزوجة المعسر عن الانفاق المتمرد عن
الكسب وهو قادر عليه أو العاجز عنه الفسخ اذا امتنع عن الطلاق وقد امرت المحكمة
المدعى عليه بالطلاق فامتنع لذلك فقد تيقن الحكم بفسخ عقد زاوج المدعية من عصمته
بعد ان تلفظت المدعية بالفسخ وليس عليها عدة لعدم الدخول بها) فقام الزوج باستئناف
الحكم لانه قضى بالفسخ ولم يحكم عليها برد بقية المهر الذي قبضته، لأن والدها كان قد أعاد
الذهب ونصف المهر المدفوع قبل أن تقوم الزوجة برفع دعواها وقد أستند الزوج في استئنافه
إلى المادة (36) أحوال شخصية، وقد قضت الشعبة
الشخصية بتعديل الحكم الابتدائي إلى (فسخ عقد زواج المدعية من عصمة المدعى عليه
والزامها بإعادة بقية المهر وهو مبلغ اربعمائة وستين الف ريالاً، وقد ورد ضمن
أسباب الحكم الاستئنافي (بان الثابت من الأوراق ان طرفي النزاع قد اسهما معاً في
عدم إتمام مراسيم الزفاف حيث سبق لوالد الزوجة
ان قام بإعادة الدبلة والمحبس والساعة ومبلغ مائتين واربعين الف ريالاً إلى الزوج)
فطعنت الزوجة بالنقض، غير أن الدائرة الشخصية أقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن
أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما ورد في تفاصيل
الطعن والرد عليه المشار اليهما فيما تقدم وبعد الإطلاع على أوراق القضية فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي هو الموافق من حيث النتيجة لأحكام
الشرع والقانون لما أوضحه وعلل به واستند اليه فلا جدوى في الطعن لعدم استناده إلى
اية حالة من حالات قبوله أمام المحكمة العليا مما
يتعين رفضه موضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا بإلزام الزوجة برد ما قبضته:
استند الحكم الاستئنافي الذي اقرته المحكمة العليا استند في قضائه إلى
المادة (36) أحوال شخصية التي نصت على أنه (يستحق نصف المهر بالطلاق أو الفسخ اذا
كان من جهة الزوج قبل الدخول فإذا كان الفسخ من جهة الزوجين معاً أو من جهة الزوجة
فقط فلا يستحق من المهر شيء ويكون على الزوجة رد ما قبضته مما لا يستحق لها، ولا
يلزمها رد مثل ما وهبته لزوجها) فقد قضى الحكم الاستئنافي بان سبب الفسخ يرجع إلى الجانبين الزوج والزوجة.
الوجه الثاني: وجوب بحث القاضي عن سبب الفسخ وتحديد المتسبب فيه:
صرحت المادة (36) أحوال شخصية السابق ذكرها بان الزوج يدفع نصف المهر اذا
كان الفسخ من جهته وان الزوج لا يدفع من المهر شيئاً اذا كان سبب الفسخ يرجع إلى
الزوجة أو الزوجين معا، وهذا ما استند اليه الحكم الاستئنافي المقر من المحكمة العليا، وهذا الأمر يستوجب على محكمة
الموضوع البحث عن اسباب الفسخ قبل الدخول بغرض تحديد المتسبب في الفسخ ونسبة السببية لما
لذلك من اهمية في تحديد مهر الزوجة عند الفسخ قبل الدخول، واسباب الفسخ قبل الدخول
هي الاسباب ذاتها التي تكون بعد الدخول كالعيب والعجز عن الأنفاق والتمرد عنه فاذا كان سبب الفسخ يرجع إلى الزوج مثل أن يكون الزوج معيباً
بأي من العيوب المقررة في القانون للفسخ اوعجز عن
الأنفاق وتجهيز الزفاف فيلزم الزوج ان يدفع نصف المهر وكذلك الحال في الكفاءة وإدمان الخمر وغيرها من أسباب الفسخ إذا تحققت قبل الدخول ، أما اذا ثبت عدم وجود اي سبب من اسباب الفسخ المقررة قانوناً فان طالب
الفسخ او المدعي الذي تقدم إلى المحكمة هو المتسبب بالفسخ لان الفسخ قد وقع بناءً
على طلبه او دعواه.
الوجه الثالث: موقف الفقه الإسلامي من رد المهر عند الفسخ قبل الدخول:
يتفق الفقه الإسلامي على ان الفسخ في هذه الحالة اذا وقع بسبب يرجع إلى
الزوج فيلزمه ان يدفع نصف المهر وان كان السبب يرجع إلى جهة
الزوجة فلا تستحق شيئاً من المهر وهذا ما اخذ به قانون الأحوال الشخصية في المادة
(36) السابق، اما إذا كانت الزوجة قد طلبت الفسخ من القضاء فقد
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأول: لا تستحق الزوجة من المهر شيئاً
لانها قد تسببت بدعواها في فسخ الزوج فوقع الفسخ من جهتها، وهو قول جماعة من
العلماء منهم الشافعية والحنابلة، اما القول الثاني: فقد ذهب إلى التفصيل في هذا
المسألة حيث ينظر إلى موضوع دعوى الزوجة فإذا كان موضوعها سبب شرعي للفسخ فلا يكون
راجعاً لها لانها قد طلبت في دعواها بحق شرعي اما اذا كان موضوع دعوى الفسخ لا
يستند إلى سبب شرعي من أسباب الفسخ فان الفسخ قد وقع من جهتها فلا يلزم الزوج ان
يدفع لها من المهر شيئاً، وهذا قول جماعة من العلماء منهم الزيدية والحنفية (فسخ
عقد الزواج، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ179).
الوجه الرابع: عجز الزوج عن إستكمال تجهيزات الزواج وموقعه ضمن اسباب الفسخ:
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الابتدائي قضى
بفسخ زواج المدعية وعدم الزامها بإعادة المهر استناداً إلى ان الزوج قد عجز عن
تدبير منزل الزوجية ومتطلبات وتجهيزات العرس وان ذلك يندرج ضمن الفسخ لعجز الزوج
عن الانفاق، فهذا التسبيب صحيح إلا أن الحكم أغفل ما ورد في
المادة (36) أحوال شخصية التي تناولت خاصة مصير مهر المرأة المفسوخ زواجها قبل
الدخول، ولذلك فقد استدرك الحكم الاستئنافي ذلك حينما الزم الزوجة بإعادة ما قبضته من مهر.
الوجه الخامس: توصية بتعديل المادة 36 أحوال شخصية:
حسبما سبق بيانه فقد نصت المادة 36 على أنه إذا كان سبب الفسخ قبل الدخول يرجع إلى الزوجين معا فان
الزوجة لاتستحق شيئا من المهر وهذا ماقضى به الحكم الاستئنافي، ومن وجهة نظرنا فان
هذا النص معيب يصادر حق المراة في بعض المهر بالقدر الذي يرجع إلى الزوج إذا كان
سبب الفسخ يرجع إلى الزوجين معا، والله اعلم.
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء