كيفية إذن النائب العام بتحريك الدعوى
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من القيود التي ترد
على تحريك الدعوى الجزائية في مواجهة الموظفين العمومين ومأموري الضبط القضائي
صدور إذن من النائب العام أو من يفوضه بذلك من المحامين العامين أو رؤساء النيابات
حسبما ورد في المادة (26) إجراءات، ولان هذا النص عام ومجمل فالخلاف يحدث كثيرا
بشأن تفسير هذا النص وتطبيقه، وقد اجتهدت
المحكمة العليا في هذا الشأن اجتهاداً حسناً ازال الاجمال في هذا النص، وقد ورد
هذا الاجتهاد في الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 18/12/2012م في الطعن الجزائي رقم (46215) وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة احالت 2 موظفين إلى المحكمة
الابتدائية بتهمة اختلاس مبالغ مالية من صندوق الدواء ، فتوصلت المحكمة إلى الحكم
ببراءة احدهم وإدانة الاخر وحبسه ستة اشهر
مع وقف التنفيذ وإلزامه بإعادة المبالغ المختلسة، فلم يقبل الموظف المحكوم عليه
بالحكم الابتدائي فقامً باستئنافه فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بإلغاء
الحكم الابتدائي، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (وحيث أن الثابت أن
المتهم موظف عام وتم رفع الدعوى الجزائية
عليه بصورة مخالفة للقانون، إذ أن الموظف العام اثناء تأدية عمله يتمتع بحماية
قانونية ومنها عدم تحريك الدعوى الجزائية في مواجهته الا بعد صدور اذن من النائب
العام او من المحامي العام او رئيس النيابة العامة ،وبما ان النيابة العامة
قامت برفع الدعوى عليه بصورة مخالفة
للقانون، لان الموظف العام في اثناء تأديته لعمله له حماية قررها القانون في
المادة (26) إجراءات التي نصت على أنه (لا يجوز رفع الدعوى الجزائية على احد رجال
الضبط القضائي أو موظف عام لجريمة وقعت منه
اثناء تأدية وظيفته أو بسببها إلا بإذن من النائب العام أو من يفوض بذلك من
المحامين العامين أو رؤساء النيابة) وحيث أن الثابت لدى الشعبة عدم قيام رئيس
النيابة بإصدار اذن برفع الدعوى الجزائية على المتهم ومع ذلك قامت النيابة برفع
الدعوى الجزائية عليه بصفته موظفاً عاماً اثناء تأديته وظيفته ووجهت له تهمة
الاختلاس، وكان الواجب عليها قبل اصدار قرار الاتهام الحصول على إذن خطي من رئيس
النيابة العامة برفع الدعوى الجزائية وبعد ذلك يتم رفع الدعوى الجزائية، وحيث أن
النص القانوني السابق ذكره قد جاء على سبيل المنع والجزم ولكن النيابة خالفت ذلك
النص وهو من النظام العام تقضي به المحكمة من تلقاء ذاتها ولو لم يطلبه الخصوم فان
رفع الدعوى الجزائية دون صدور إذن يؤدي إلى بطلان الدعوى ومن ثم بطلان الحكم) إلا
أن مكتب الصحة قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فقبلت الدائرة الجزائية
الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (حيث أن
الشعبة الاستئنافية أوّلت وفسرت المادة (26) إجراءات تفسيراً غير صحيح لان تلك
المادة تقرر عدم جواز رفع الدعوى الجزائية على موظف عام لجريمة وقعت منه اثناء
تأدية وظيفته أو بسببها إلا بإذن، وحيث أن الإذن هو عمل إجرائي يصدر ممن خوله
القانون للسماح بتحريك الدعوى الجزائية قبل المتهم فان الإذن بحسب طبيعته يفترض أن
تتجه رغبة الجهة المختصة في تحريك الدعوى الجزائية، ولما كان الحال كذلك فان توقيع
رئيس النيابة المخول قانوناً وفقاً للقانون وبتفويض من النائب العام لرؤساء
النيابة باصدار الإذن بتحريك الدعوى الجزائية، وبما ان رئيس النيابة قد قام بالتوقيع على قرار الاتهام فان إرادته في تحريك
الدعوى الجزائية قد تحققت، فهو قد افصح عن الإذن بتوقيعه على قرار الاتهام، فذلك
كاف وابلغ من تحريك مذكرة بالإذن، فطالما ورئيس النيابة قد قام بالتوقيع على قرار
الاتهام وطالما انه مخول من النائب العام بإصدار الإذن فأنه بتوقيعه على قرار
الاتهام قد استعمل حقه القانوني في الإذن مما يجعل الطعن مقبولاً) وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية الإذن بتحريك الدعوى الجزائية على الموظفين العامين ومأموري الضبط :
الإذن بتحريك الدعوى
الجزائية على الموظفين العامين ومأموري الضبط القضائي هو عبارة عن افصاح النائب
العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة عن موافقته وسماحه بتحريك الدعوى الجزائية
في مواجهة الموظف العام أو مأمور الضبط القضائي وتقديمه للمحاكمة، واشتراط القانون
للاذن بتحريك الدعوى الجزائية يعد من اهم الضمانات التي قررها قانون الإجراءات
الجزائية للموظف العام في اثناء تأديته لوظيفته أو بسببهاحتى لايكون الموظف عرضة للمسائلة
الجزائية من غير موجب لذلك، فالموظف العام في هذه الحالة قد يتعرض للبلاغات
والشكاوى الكيدية للتاثير على سير عمله وتأديته لوظيفته أو بمناسبتها، وحتى يستطيع
الموظف العام القيام بأعباء وظيفته على الوجه المطلوب فقد اشترط القانون صدور
الاذن المشار اليه لتحريك الدعوى الجزائية في مواجهته من أعلى درجات النيابة
العامة على النحو السابق بيانه، لان هذه الدرجات بما تملك من خبرة ودراية ونزاهة
لا تأذن بتحريك الدعوى الجزائية في هذه الحالة إلا اذا ثبت لديها بما لا يدع
مجالاً للشك وجود أدلة قطعية تدل على صحة الدعوى لان الإذن لا يصدر إلا بعد
الدراسة والتدقيق من قبل النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة.
الوجه الثاني : صيغة الاذن بتحريك الدعوى الجزائية في مواجهة الموظفين العامين أو مأموري الضبط القضائي :
من خلال استقراء
المادة (26) من قانون الإجراءات السابق ذكرها التي نصت على أنه (لا يجوز رفع
الدعوى الجزائية على أحد رجال الضبط القضائي أو موظف عام بجريمة وقعت منه اثناء
تأدية وظيفته أو بسببها إلا بأذن من النائب العام أو من يفوض بذلك من المحامين
العامين أو رؤساء النيابة) ومن خلال استقراء هذا النص نجد أنه قد اشترط صدور الاذن
ولكنه لم يحدد صيغته وكيفيته وإجراءات وطريقة صدوره، ولذلك يجوز صدور الأذن بأي
طريقة وبأية كيفية وبأية إجراءات طالما ان الاذن صحيح النسبة والثبوت لمصدره فقد
يصدر الاذن بمذكرة مستقلة كما قد يصدر الاذن على هيئة موافقة على مذكرة الرأي
المرفوعة من وكيل النيابة وعضو النيابة كما قد يكون الاذن على هيئة توقيع رئيس
النيابة أو المحامي العام على قرار الاتهام بما يفيد مطالعته لقرار وقائمة الوصف
والادلة وموافقته على ذلك واذنه بمباشرة الدعوى الجزائية حسبما ورد في الحكم محل
تعليقنا.
الوجه الثالث : وقت صدور الاذن :
لم تحدد المادة (26) وقت صدور الاذن إلا أنه يفهم من سياق النص ان هذا الوقت يمتد منذ وصول البلاغ أو الشكوى حتى تاريخ تسليم المحكمة قرار الاحالة أو قرار الاتهام حيث يجوز صدور الاذن خلال هذه الفترة شريطة ان يكون تاريخ الاذن معاصرا لقرار الاتهام او سابقا عليه، والله اعلم.