مسئولية مكاتب استقدام العمال الاجانب

 

مسئولية مكاتب استقدام العمال الاجانب

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إشكالية استقدام العمال الأجانب تظهر في العمالة المنزلية كالمربيات والشغالات حيث يتم استقدام هذا النوع من العمالة عن طريق مكاتب محلية متخصصة لها علاقات واتصالات بمكاتب مماثلة في الدول المصدرة لهذا النوع من العمالة، ويدفع المواطنون المستقدمون للعاملات أو المربيات مبالغ متعارف عليهاوذلك الى المكاتب المحلية التي تستقدم العاملات، وفي بعض الأحيان تهرب العاملات من المنازل التي يعملن فيها كما قد يقوم بعضهن بالسرقة وغير ذلك، وهذا الامر يثير البحث عن مسئولية المكاتب التي تولت استقدام العاملات، وقد اشار الحكم محل تعليقنا الى جانب مهم من هذه المسئولية، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/12/2009م في الطعن المدني رقم (36315) لسنة 1430هـ وتتلخص القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد الأشخاص رفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية ضد مكتب استقدام العمال الاجانب ذكر فيها المدعي أنه اتفق مع المكتب المدعى عليه على استقدام عاملتين أفريقيتين للعمل كمربيات في منزله حيث التزم المكتب استمرار العاملتين في عملهما وعدم هروبهما وبعد استلام المدعي للعاملتين وبعد ستة اشهر هربت العاملتان من المنزل فقام المدعي بإخطار المكتب المدعى عليه للبحث عن العاملتين إلا أن المكتب عجز عن ذلك، وقد طلب المدعي في دعواه الزام المكتب بإحضار العاملتين أو دفع المبالغ التي دفعها لاستقدام العاملتين وذلك مبلغ الف ومائتا دولار وفقاً لما ينص عليه الاتفاق المبرم فيما بينه وبين المكتب، وقد سارت محكمة أول درجة في إجراءات نظر القضية حتى خلصت الى الحكم (بالزام المكتب بتسليم الف ومائتين دولار للمدعي وخمسين ألف ريال مصاريف تقاضي، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (أن الطرفين مقرا ببنود العقد كما أن مزاعم المدعى عليه بأن المدعي لم يف بالتزاماته مزاعم لا دليل عليها، ولذلك وحيث تبين أن السندات المقدمة من المدعي المؤيدة لدعواه لا تكفي للحكم في القضية فقد وجهت له المحكمة اليمين المتممة على أنه خسر تلك المبالغ وفعلاً مضى باليمين بأنه خسر الفا ومائتي دولار في استقدام العاملتين) فلم يقبل المكتب بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة المدنية رفضت الاستئناف وأيدت الحكم الابتدائي، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (فقد اتضح للشعبة أن المكتب هو الضامن على المربيتين بموجب العقد المبرم فيما بين المستأنف والمستأنف ضده ولذلك فان الحكم الابتدائي قد وافق القانون) فلم يقنع المكتب بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن ما اثاره الطاعن في طعنه لا يؤثر في صحة وسلامة الحكم المطعون فيه لأنه عبارة عن جدل في الموضوع وفي تقدير الأدلة تستقل به محكمة الموضوع التي لها أن تأخذ من الأدلة ما تطمئن اليه في تكوين عقيدتها وتطرح ما دون ذلك دون أن تخضع لرقابة المحكمة العليا طالما أنها عولت على أدلة جائزة قانوناً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : طبيعة عمل مكاتب استقدام العمالة الاجنبية :

تتلخص اعمال هذه المكاتب في تلقي طلبات المواطنين والشركات المتضمنة شروط والتزامات واجور ومهارات العمال المطلوب استقدامهم والضمانات اللازمة عليهم حيث يقوم المكتب المحلي بإبلاغ المكاتب أو الشركات المماثلة في الدولة المطلوب الاستقدام منها التي سبق أن تقدم اليها طالبوا العمل واستوفت منهم شركات العمل والتوظيف الخارجية استوفت منهم البيانات والشروط والضمانات اللازمة فتقوم المكاتب والشركات الاجنبية بإبلاغ المكتب المحلي وتبعث إلى المكتب المحلي البيانات اللازمة واحياناً صور من الجوازات والشهادات والخبرات وغيرها ،فيقوم المكتب المحلي بتقديم بيانات ومواصفات وشروط المطلوب استقدامهم إلى المواطنين والشركات الراغبة في الاستقدام فاذا تمت الموافقة فان طالب الاستقدام يتكفل بتكاليف الاستقدام وهي تذكرة سفر العامل من دولته إلى اليمن ورسوم لمكتبي الاستقدام والتوظيف حيث يستقبل  مكتب الاستقدام يستقبل العامل الاجنبي  ويقوم بتسليمه إلى المستفيد طالب الاستقدام، ومن خلال ما تقدم نجد أن هناك ثلاث علاقات تنشاء عند الاستقدام عن طريق المكاتب المحلية، العلاقة الأولى: التي تنشاء بين طالب الاستقدام ومكتب الاستقدام المحلي وتبدأ هذه العلاقة بتقديم الطالب لطلبه إلى المكتب وتستمر هذه العلاقة حتى انتهاء عمل العامل المستقدم، والعلاقة التي تنشاء فيما بين طالب الاستقدام ومكتب الاستقدام علاقة مستقلة تماماً عن العلاقات الاخرى فلا يستطيع طالب الاستقدام الرجوع على العامل الاجنبي أو شركة العمل الاجنبية التي ارسلت العامل كما أن طالب الاستقدام لا يستطيع الرجوع على العامل نفسه لأنه ليس هناك عقد عمل فيما بينهما يخضع لقانون العمل، أما العلاقة الثانية: فتنشاء فيما بين مكتب الاستقدام المحلي وشركة العمالة الأجنبية حيث يحدد العقد الذي يتم أبرامه فيما بينهما يحدد حقوق والتزامات وضمانات كل طرف، في حين تنشأ العلاقة الثالثة: فيما بين العامل الأجنبي وشركة العمالة في موطنهما خارج اليمن حيث يحدد الاتفاق المبرم فيما بينهما حقوق والتزامات وضمانات كل طرف ويخضع هذا الاتفاق للقانون الأجنبي، ومن خلال ما تقدم ظهر لنا ان العقود هي التي تنظم استقدام العمال والعاملات لا سيما خدم المنازل والشغالات والمربيات، ولذلك ظلت هذه المسألة عصية على التنظيم القانوني.


الوجه الثاني : مسئولية مكتب الاستقدام المحلي حيال المواطن طالب الاستقدام :

ذكرنا فيما سبق أن العلاقة التي تنشاء فيما بين المواطن طالب الاستقدام ومكتب الاستقدام المحلي علاقة مستقلة، فالمواطن اليمني لا يعرف العامل الأجنبي أو يتعاقد معه، فالتعاقد والتعامل يتم فيما بين طالب الاستقدام والمكتب استقلالا،ً وتبعاً لذلك فأن اخلال العامل الاجنبي بالتزاماته أو تركه للعمل تقع مسئولية ذلك على عاتق مكتب الاستقدام المحلي، لان المكتب قد اخل  بالتزامه قبل المواطن طالب الاستقدام، ولثبوت مسئولية مكتب الاستقدام فانه يجب عليه عندئذ تنفيذ التزامه عيناً باستقدام عاملتين بدلاً عن العاملتين الهاربتين فان تعذر ذلك فينبغي عليه أن يقوم بتعويض المواطن المستقدم عما لحقه من ضرر وما فاته من كسب، وقد اقتصر الحكم محل تعليقنا على تعويض المواطن عن المبالغ التي دفعها لاستقدام العاملين بواسطة مكتب الاستقدام، وإضافة إلى ذلك فان مكتب الاستقدام يكون مسئولاً عن إحضار العامل أو العاملة الاجنبية اذا ارتكبت أي جريمة مثل السرقة من منزل مخدومها لان البيانات والمعاملات اللازمة عن العامل أو العاملة الأجنبية متوفرة لدى المكتب المحلي كما أن هناك ضمانات لدى المكتب المحلي والمكتب الخارجي تضمن حضور العامل أو العاملة اذا ارتكب أي فعل يخالف القانون الوطني.

الوجه الثالث : توصية إلى الجهات المعنية بتوفير الحد الأدنى من الضمانات والحقوق لخدم المنازل الشغالات والمربيات وتنظيم هذه العلاقة:

يقرر قانون العمل صراحة عدم خضوع خدم المنازل لقانون العمل على أساس أن هناك جهات تقتضي حقوق هؤلاء، ولكن الواقع يثبت أن الجهات المعنية وهي مكاتب الاستقدام تركز أصلاً على حقوقها، وتركز على العمولات التي تتحصلها، ولذلك فان الواجب الديني والأخلاقي يقتضي أن تتدخل الدولة لتنظيم حقوق وواجبات هذه الفئة المستضعفةوتنظيم هذه العلاقة التي يقرر قانون العمل صراحة بان هذه العلاقة خارج نطاقه، والله اعلم.