لا يجوز التحكيم في مال الوقف

 

لا يجوز التحكيم في مال الوقف

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الوقف مال الله تعالى ، ومن هذا المنطلق ، للوقف  خصوصيته التي تميزه عن غيره من الأموال الأخرى ، ومن مظاهر خصوصية الوقف عدم جواز التصالح عليه أو التحكيم فيه، ولاريب ان التحكيم في الوقف من الحيل والوسائل التي ابتكرتها ثقافة المغالطة والاحتيال الدخيلة على مجتمعنا اليمني ، وقاعدة عدم جواز التحكيم في أموال الوقف قاعدة عامة محردة مجملة تحتاج إلى شرح وبيان وتأصيل ، ومن هذا المنطلق  فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/12/2010م في القضية المدنية رقم (41612) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مزارعين اختلفا على أشجار نابتة في رهق  ملتصق وتابع لأراضي زراعية مملوكة للوقف ، فقام المزارعان بتحكيم شخص لتحديد ملكية الأشجار والأراضي النابتة فيها الأشجار ؛ وفي أثناء إجراءات التحكيم لم يفصح الطرفان عن ملكية الوقف حيث كان يبدو انهما يسعيان إلى ثبوت حيازتهما للرهق بمعزل عن ارض الوقف حتى يكون حكم التحكيم وثيقة تثبت  ملكيتهما للرهق ؛ وحسبما ورد بحكم التحكيم فقد خاض الطرفان في دعوى الملكية فكل طرف ادعى ملكية الأرض النابتة فيها الشجرات ، وقد توصل المحكم إلى الحكم (بقنوع الطرفين عن محل الخلاف لعجز كل منهما عن  أثبات حيازته وثبوته وتملكه اوتبعية الرهق  لما هو تحت يده فلا يجوز لأي من الطرفين الاستئثار بالرهق  لنفسه وعليهما القنوع منه ويبقى محل الخلاف مراهق لجريان الماء حسب عادته حالياً بطبيعته يصب إلى العبر ويتفرع منه إلى جميع المواضع ويتحمل كل طرف أغرامه ومصاريفه في النزاع) وعندما وجد الطرفان ان حكم المحكم لم يتناول ملكية الرهق حيث  ابقى الرهق  على حاله قام احد الطرفين المتنازعين برفع دعوى بطلان حكم المحكم أمام محكمة الاستئناف المختصة ذكر فيها ان حكم المحكم لم يأخذ بادلته والبراهين التي تثبت ملكيته لمحل النزاع فرد عليه خصمه بان دعوى البطلان لم تتضمن أية حالة من حالات بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها في المادة (53) تحكيم ؛ وقد خلصت محكمة الاستئناف إلى الحكم برفض دعوى البطلان وتأييد حكم التحكيم ، فقام المحكوم عليه مدعي البطلان ، بالطعن في الحكم ألاستئنافي أمام المحكمة العليا التي رفضت الطعن وأقرت الحكم ألاستئنافي ، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا ( انه قد ورد في أوراق القضية أن محل النزاع أرض وقف ولا يجوز التحكيم في الوقف كما هو معلوم ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : مفهوم  التحكيم في أموال الوقف :

هو أن يقوم متولي الوقف أو من في حكمه  باختيار محكم أو محكمين للفصل في النزاع مع الغير على مال الوقف ، وقد يكون هذا الاختيار عن طريق تحرير وثيقة تحكيم مستقلة يتم التوقيع عليها من قبل متولي الوقف وحده أو يقوم بالتوقيع عليها متولي الوقف مع غريم الوقف ، كما قد يكون اختيار المحكم ضمن شرط يتم أدراجه اثناء تحرير عقد فيما بين الاوقاف والغير ؛ كما قد يكون هذا الاختيار بموجب لائحة توجب النص على ان يتم حسم الخلافات التي تحدث بشان أموال الوقفعن طريق التحكبم.

الوجه الثاني : مخاطر التحكيم على مال الوقف :

معرفة هذه المخاطر لها أهميتها في معرفة خلفيات قاعدة عدم (جواز التحكيم في أموال الوقف) فمخاطر التحكيم على مال الوقف  كثيرة يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو الاتي :

1-   يخشى من التحكيم ان يتم التواطؤ بين أجير الوقف او متولي الوقف وغريم الوقف حتى يكون حكم التحكيم  لصالح غريم الوقف.

2-   التحكيم طريق غير رسمي للفصل في النزاعات : ولذلك فهو طريق استثنائي للتقاضي وطريق غير نظامي للتقاضي.

3-   حكم التحكيم يختصر درجات التقاضي حيث تصبح درجة موضوعة واحزة فقط حيث تكون محكمة الاستئناف بمثابة محكمة قانون ويترتب على ذلك حرمان الوقف من درجة موضوع من درجات التقاضي.

4- التحكيم في اليمن غالباً ما يسند إلى أشخاص أو جهات غير متخصصة مثل مشائخ وكبار مسؤولين، ولذلك لا يؤمن ان تكون أحكام هؤلاء مضرة بالوقف.

5- التحكيم في اليمن يعتمد في الغالب على الأعراف القبلية ، ولا يراعي بعض المحكمين القواعد والأحكام القانونية ولذلك قد يكون التحكيم في مال الوقف  مضر من هذه الناحية.

6- المحكمون عبارة عن أشخاص غير محترفون أو مهنيون في القضاء خاصة في اليمن ولذلك فإن أخطاء هولاء ليست نادرة.

7- المحكمون يتعرضون لاغراءات وضغوط لاسيما في اليمن ، ولذلك يخشى ان تكون أحكامهم مضرة بالوقف.

8- التحكيم الاختياري فكرته تقوم على ان مالك المال نفسه هو الذي يقوم باختيار المحكم للفصل في النزاع اما في الوقف فإن المال مال الله تبارك وتعالى فمتولي الوقف مجرد مدير يدير أموال الوقف  فلا يملك التصرف في اموال الوقف بما في ذلك التحكيم الذي قد يكون في غير صالح الوقف خاصة ان التحكيم في مال الوقف دائر بين النفع والضرر ومتولي الوقف ممنوع من مباشرة هذا التصرف.

الوجه الثاني : موقف قانون التحكيم اليمني من التحكيم في مال الوقف :

اشار قانون التحكيم الى منع التحكيم في مال الوقف حيث بينت المادة (5) تحكيم المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها ؛ حيث قررت هذه المادة انه لا يجوز التحكيم في الحدود واللعان وفسخ الزواج ورد القضاة ومخاصمتهم ومنازعات التنفيذ  والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح وكل ما يتعلق بالنظام العام، ومن خلال استقراء هذا النص القانوني نجد انه قد قرر عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ، والفقه الإسلامي يجمع على عدم جواز الصلح على مال الوقف لان الصلح يتضمن إسقاط اوتنازل فلا يحق لمتولي الوقف إسقاط الوقف اوبعضه أو التنازل عنه لان صلاحية  متولي الوقف قاصرة على أدارة الوقف ورعايته وحمايته وليس إسقاطه أو التنازل عنه .

الوجه الثالث : موقف قانون الوقف اليمني وتوصيتنا  للمشرع اليمني :

من خلال استعراض نصوص قانون الوقف لم نجد نصاً يصرح بعدم جواز الصلح أو التحكيم في مال الوقف وهذا ما يؤخذ على القانون ، ولذلك نوصي المشرع اليمني بتضمين قانون الوقف نصاً يصرح بعدم جواز الصلح أو التحكيم من أعيان الوقف حتى لا يكون الصلح اوالتحكيم ذريعة لضياع الوقف والعبث به.

الوجه الرابع : لماذا لم ينقض حكم المحكمة العليا حكم التحكيم في الوقف :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد  أن الطرفين المتنازعين كانا يهدفا إلى تملك الرهق الخاص بمال الوقف عن طريق الادعاء بملكية الشجرات النابتة في الرهق ، ونجد ان الطرفين المتنازعين  كانا حريصان على عدم ذكر ان الأرض التي يتبعها الرهق وقف فلم يبرز احد الطرفين الوقفية الا عند الطعن في الحكم ألاستئنافي امام المحكمة العليا ، ولذلك لم يدرك المحكم أو محكمة الاستئناف ان التحكيم قد وقع على مال وقف ، إضافة الى ان حكم المحكم والحكم ألاستئنافي لم يمسا حق الوقف بل ان حكم المحكم كانه  لم يصدر اصلاا  ؛ لان حكم المحكم قضى  ببقاء الحال على ماهي عليه أي انه لم يحكم بملكية أحد الطرفين المتنازعين على الوقف ؛ وربما أن المحكم كان يدرك ان الأرض وقف وانه كان يدرك مرامي وأهداف الطرفين المتنازعين في الاستيلاء على رهق الوقف ، وربما أيضاً أن المحكمة العليا وجدت حكم المحكم المؤيد بالحكم ألاستئنافي قد حكم اصلا لصالح الوقف حيث انه قضى بعدم أحقية الطرفين في ملكية رهق الوقف لذلك لم تنقض المحكمة العليا ذلك الحكم، والله اعلم.