غموض جريمة الاضرار بالمصلحة العامة في القانون اليمني

 

غموض جريمة الاضرار بالمصلحة العامة في القانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 القاعدة القانونية عامة ومجردة تنطبق على ملايين الأشخاص وملايين الوقائع ومع ذلك فان العمومية والتجريد منضبطً لايسمح  بتداخل النصوص حين التطبيق ،اضافة الى ان المصطلحات القانونية الواردة في النصوص القانونية يجب ان تكون  منضبطة  لاتتداخل مع غيرها من المصطلحات ، الا اننا نجد أن مصطلح الاضرار بمصلحة الدولة الوارد في المادة (163)عقوبات  غير منضبط بل أنه غامض يتداخل مع غيره، وهذا يفسر افلات كثير من المتهمين من العقاب بسبب غموض هذا المصطلح وتداخله مع غيره على الرغم من ان مصطلح الاضرار  بمصلحة الدولة يوحي بجسامة الجريمة وشدة العقوبة، ولأهمية هذا الموضوع اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/2/2011م في الطعن الجزائي (40222) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن نيابة الأموال العامة قدمت مدير مؤسسة حكومية ونائبه بصفتيهما موظفين عموميين للمحاكمة الجزائية بتهمة الاضرار بمصلحة المؤسسة التابعة للدولة التي عهد اليهما بالمحافظة عليها فأضرا بهذه المصلحة ليحصلا على ربح للغير ،وذلك بأن اضرا بمصلحة المؤسسة في مناقصة استيراد قطع غيار للمصنع حيث اصر مدير المؤسسة على ارساء العطاء في تلك المناقصة على شركة ... بالرغم من وجود عرض سعر مقدم من شركة ... بسعر أقل بمبلغ مائة وخمسة واربعين الف دولار وهو مقدار الضرر الذي لحق بمصلحة المؤسسة بالإضافة إلى خسائر إضافية متعلقة بزيادة الضرائب والجمارك ناتجة عن فارق سعر عرض الشركتين وقد حدثت هذه الاضرار المالية بسبب تعمد المتهم ارساء المناقصة على الشركة المشار اليها ،أما نائب مدير المؤسسة فقد أتهمته النيابة بأنه قام بتوريد اطارات للمصنع من محلات ..... بثمن أكثر من القيمة الحقيقية لتلك الاطارات في السوق، وقد دفع المتهمان أمام المحكمة بعدم صحة التهم المنسوبة لهما إلا أن محكمة الأموال العامة حكمت برفض الدفع، فقام المتهمان باستئناف الحكم الابتدائي إلا أن الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف شكلاً وموضوعاً وقضت بإعادة ملف القضية إلى المحكمة الابتدائية،لأن قرار المحكمة الابتدائية غير منه للخصومة لا يجوز استئنافه ،فلم يقنع المتهمان بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية في المحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (بمطالعة الدائرة لسائر أوراق الطعن بما في ذلك الحكم الابتدائي ثم الاستئنافي محل الطعن وعريضة الطعن والردود وملخص رأي نيابة النقض وتقرير القاضي عضو الدائرة ، وبرجوع الدائرة إلى أوراق القضية المشار اليها فقد تبين لها عدم جواز الطعنين إضافة إلى أن المتهمين الطاعنين أوضحا في أسباب طعنهما أن الافعال المنسوبة اليهما في قرار الاتهام ليست جرائم بل مخالفات ادارية بالاضافة الى انتفاء الدليل قبلهما وهذا مانع يحول دون محاكمتهما، وقولهما يخالف الثابت في الأوراق، كما أن القرار محل الطعن مما لا يجيز القانون الطعن فيه كونه غير منه للخصومة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : مفهوم جريمة الاضرار بمصلحة الدولة في القانون اليمني وتوصيتنا :

يقرر قانون الجرائم والعقوبات في المادة (163) جريمة الاضرار بمصلحة الدولة حيث تنص هذه المادة على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام عهد اليه بالمحافظة على مصلحة الدولة أو احدى الهيئات او المؤسسات العامة أو الوحدات التابعة لها في صفقة  أو عملية أو قضية وأضر بهذه المصلحة ليحصل على ربح أو منفعة مادية لنفسه أو لغيره) ومن خلال استقراء هذا النص نلاحظ الاتي  : -1- الحد الاعلى للعقوبة هو عشر سنوات وهو من أعلى الحدود لعقوبة الحبس في القانون اليمني وذلك يدل  على أن هذه الجريمة على درجة عالية من الخطورة -2- لا تقع هذه الجريمة إلا اذا كان الغرض من ارتكابها هو الحصول على ربح أو منفعة،وبناء على ذلك لاتقع الجريمة اذا اضر المسئول بالمصلحة العامة دون ان بحصل على منفعة!!!!. -3- لا تقع هذه الجريمة الا اذا كان الجاني معهود اليه بالمحافظة على مصلحة الدولة أو احدى هيئاتها بمعنى أنه تم تعيينه أو تكليفه بالمحافظة على المصلحة التي اضر بها ولذلك لا تقع هذه الجريمة الا من الموظف العام المعهود اليه المحافظة على المصلحة العامة -4- لا تقع هذه الجريمة الا اذا كان محلها الصفقات والقضايا والعمليات، والمقصود بالصفقات البيع والشراء والمزايدات والمناقصات وعقود التوريد والتعهدات وغيرها، اما القضايا فالمقصود بها الخلافات والنزاعات التي تنشاء فيما بين الجهة الحكومية وغيرها والتي يتم حسمها عن طريق القضاء أو التحكيم أو الصلح ،اما العمليات فهو لفظ عام مشتق من العمل ولذلك تندرج ضمن العمليات كافة الانشطة والاعمال التي تباشرها الجهة وكان الأولى أن يستعيض النص القانوني بلفظ العمليات لفظ العقود والتصرفات لأنه أكثر دقة ووضوحاً وهو ما نوصي به المقنن اليمني -5- غموض مفهوم الضرر المذكور في النص القانوني السابق ذكره، لان كافة الجرائم  التي تقع على المال والصالح العام كلها مجتمعة ومنفردة مضرة بمصلحة الدولة أو احدى هيئاتها، فالرشوة والسرقة والاختلاس والاستغلال والتزوير ...الخ كلها مضرة بمصلحة الدولة أو احدى هيئاتها، وهذا الغموض قد أوجد حالة من التداخل والاشتباك فيما بين جريمة الاضرار بمصلحة الدولة وغيرها من الجرائم المضرة بالمال العام والصالح العام فمثلاً جريمة الاضرار لا تقع إلا اذا  قصد الفاعل من ذلك الحصول على ربح أو منفعة وهنا تشتبك هذه الجريمة مع جريمة الرشوة وقس على ذلك بقية جرائم المال العام والمصلحة العامة.

ولذلك فإننا نوصي المقنن اليمني بان  بتعديل المادة (163) عقوبات السابق ذكرها لتلافي الملاحظات السابق ذكرها  وان يتم تطبيق العقوبة سواء أكان غرض الفاعل  الحصول على ربح أم لم يقصد.

الوجه الثاني : كيفية التعاطي مع الدفوع الكيدية :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن الدفع المقدم من المتهمين أمام محكمة أول درجة نجد أنه دفع كيدي قصدا به صرف المحكمة عن نظر القضية إلا أن المتهمين لم يحسنا التدبير حيث قدما دفعاً موضوعياً وهو دفع بانتفاء التهمة أو عدم صحة التهمة لان الافعال المذكورة في قرار الاتهام عبارة عن مخالفات مالية وليست جرائم مالية فهذا الدفع في حقيقته هو دفع موضوعي يقتضي التحقيق في الافعال المرتكبة، وبدلاً من أن تقوم المحكمة بالفصل في الدفع مع الدعوى الجزائية بحكم واحد منه للخصومة لان الدفع موضوعي متعلق بموضوع الدعوى الجزائية ذاتها بدلا   من ذلك فقد قامت محكمة اول درجة بالفصل في دفع المتهمين استقلالا  بالرفض فاستغل المتهمان ذلك في الاستئناف ثم الطعن بالنقض فتحقق لهما المقصود وهو عدم النظر في الدعوى الجزائية المرفوعة ضدهما وتمكنا من الهروب من المسائلة الجزائية وتعطيل نظر الدعوى الجزائية .

الوجه الثالث : الطعن في القرارات التي لا يجوز الطعن فيها :

يقرر قانون الاجراءات الجزائية وكذا قانون المرافعات عدم جواز الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة ومع ذلك يتم الطعن في القرارات المشار اليها بهدف اطالة إجراءات التقاضي حتى لو حكمت محكمة الطعن بعدم قبول الطعن فقد تحقق مقصود الطاعن المكايد في إطالة إجراءات التقاضي، ولذلك فاننا نوصي الجهة المختصة بالبحث عن بديل لصدور حكم  بعدم جواز الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة حتى لايكون هذا الحكم وليجة للطعن فيه ومن ثم اطالة اجراءات التقاضي، والله اعلم.