معاش المتوفى ليس ارثاً

 

معاش المتوفى ليس ارثاً

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نظام التأمينات في اليمن حديث نسبياً قياسًا بالدول الاخرى ولذلك نجد بعض الأخطاء في فهم بعض نصوص القانون وتطبيقها ومن ذلك التعامل مع معاش المتوفى على انه تركة يتم تقسيمه بين ورثته بحسب الفرائض والانصبة الشرعية، كما أن هناك اشكاليات فيما يتعلق بمفهوم المستحقين لمعاش المتوفى الذي يحدد هؤلاء وطريقة التحديد وطريقة توزيع المعاش بين المستحقين بعد وفاة صاحب المعاش، ولذلك فان هذا الموضوع يحتاج إلى التوعية بشأنه ولفت الانظار إليه وتقديم بعض التوصيات المناسبة، وعلى هذا الاساس فقد وقع اختيارنا على التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/1/2010م في الطعن الشخصي رقم (36581) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ارملة العسكري المتوفى تقدمت بدعوى أمام المحكمة الابتدائية ضد ام المتوفى واخوانه واخواته ويمثلهم شقيق زوجها المتوفي حيث ذكرت المدعية في الدعوى ان المدعى عليه يستلم معاش زوجها المتوفي ولا يعطيها منه شيئا وقد استمر في ذلك مدة تصل إلى عشر سنوات، وطلبت من المحكمة الزام المدعى عليه بتسليم ما تستحقه من معاش زوجها المتوفى، وقد سارت المحكمة في إجراءات نظر الدعوى حتى خلصت إلى الحكم بقبول الدعوى وإلزام المدعى عليه بتسليم حصة المدعية وهو الربع من معاش زوجها المتوفى  وذلك من تاريخ وفاة والده وهو تاريخ توقف دفع ما يخص المدعية وعلى البريد تسليم الربع المحكوم به للمدعية من واقع المبلغ المثبت في سجلات البريد بالنسبة للمعاشات القادمة، فلم يقبل بالحكم الابتدائي الطرفان المدعية والمدعى عليه حيث قاما باستئناف الحكم، وقد تضمن استئناف ارملة المتوفى ان الحكم الابتدائي قضى على اساس ان المعاش التعاقدي أو معاش المتوفى من جملة التركة وهذا خطأ في تطبيق القانون، وقد خلصت الشعبة الشخصية إلى الحكم بقبول استئناف الارملة ورفض استئناف المدعى عليهم وهم شقيق المتوفي وامه واخواته الثلاث وقضت الشعبة بإلغاء الحكم الابتدائي بكل فقراته لبطلانه وتقسيم معاش المتوفى للمستحقين حسب الاستمارة المؤرخة ... بالتساوي فلم يقبل الطرفان بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض وقد ورد في طعن الأرملة ان الحكم الاستئنافي قد اعتمد في تحديد الانصبة على الاستمارة التي قام المدعى عليهم باستخراجها بعد وفاة زوجها بمدة طويلة حيث تلاعبوا في بياناتها، وقد قبلت الدائرة طعن الارملة. وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (انه بعد اطلاع الدائرة على الحكم المطعون فيه فقد وجدت انه غير موافق من حيث النتيجة للقانون فيما استند اليه، إذ كان ينبغي على الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه ان تحكم في المعاش وفقاً لقانون التأمينات والمعاشات دون تعليق حكمها على الاستمارة كما كان ينبغي على الشعبة أيضاً الحكم بشأن المبلغ المستحق لأرملة المتوفى من المعاش وتحديد مدة انقطاع تسليم ما تستحقه بحكم منه للخصومة فهي محكمة موضوع، لذلك فان الدائرة تحكم بإعادة ملف القضية إلى الشعبة المختصة للعمل بما اشرنا اليه والحكم في القضية مجدداً بحكم منه للخصومة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الأتية :

الوجه الأول : المستحقون لمعاش المتوفي وفقاً لقانون المعاشات للقوات المسلحةوتوصيتنا للمختصين:

المتوفى صاحب المعاش حسبما هو ظاهر في الحكم محل تعليقنا كان من منتسبي القوات المسلحة، وقد حدد القانون رقم (33) لسنة 1992م بشان المعاشات والمكافات للقوات المسلحة حدد المستحقون لمعاش العسكري المتوفى وذلك في المادة (2) التي نصت على ان (المستحقون هم خلف المنتفع أو المتقاعد المتوفى المستحقون لحقوقه التقاعدية بعد وفاته وفق احكام هذا القانون) ومن خلال هذا التعريف نلاحظ القصور فيه حيث انه قصر المستحقين على الخلف والخلف مصطلح قد يقتصر على الأولاد أو قد يقتصر على الورثة في حين أنه من المتعارف عليه أن المستحقين فعلاً هم الاشخاص الذين كان المتوفي يعولهم في اثناء حياته، وفي هذا الصدد نصت المادة (38) من قانون معاشات ومكافات القوات المسلحة على ان (المستحقون لمعاش أو مكافأة العسكري هم الذين كان يعولهم من الاشخاص التالية : -1- الأرملة أو الارامل -2- الابناء الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر أو تجاوزوها وكانوا ملتحقين في مرحلة دراسية إلى ان يكملوا المرحلة الدراسية أو يبلغوا سن الواحد والعشرين ايهما اسبق واذا التحقوا بدراسة جامعية أو عليا الى ان يكملوا المرحلة الدراسية أو يبلغوا سن السادسة والعشرين ايهما اسبق أو المصابين بعجز يمنعهم من الكسب حسب ما يقرره المجلس الطبي -3- البنات غير المتزوجات -4- الوالدان في حالة ثبوت اعالته لهما ويوقف المعاش عن الأم اذا تزوجت باخر ويعاد المعاش اذا طلقت -5- الاخوة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر أو تجاوزها وكانوا ملتحقين في مرحلة دراسية الى ان يكملوا المرحلة الدراسية أو يبلغوا سن الواحدة والعشرين ايهما اسبق واذا التحقوا بدراسة جامعية أو عليا إلى ان يكملوا المرحلة الدراسية أو يبلغوا سن السادسة والعشرين وتنتهي دراستهم ايهما اسبق أو المصابين بعجز يمنعهم من الكسب حسب ما يقرره المجلس الطبي -6- الاخوات غير المتزوجات) وعند مقارنة ما ورد في هذه المادة مع تعريف المستحقين في المادة (2) من القانون ذاته نجد عدم التطابق بينهما، ولذلك نوصي بتعديل تعريف المستحقين للمعاش التقاعدي الوارد في المادة (2).

الوجه الثاني : كيفية توزيع معاش العسكري الشهيد على المستحقين :

قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب على محكمة الاستئناف ان تحكم بتوزيع معاش الشهيد او المتوفى على اساس ما ورد في القانون وليس على اساس الاستمارات التي تصدرها الهيئة المختصة التي تتضمن اسماء المستحقين لان احوال المستحقين تتغير بمرور الوقت فهي تحتاج الى بحث وتحقيق للتاكد من صحتها. ولذلك ينبغي علينا ان نشير الى نص القانون الذي يحدد طريقة توزيع معاش العسكري الشهيد، وفي هذا الشأن نصت المادة (40) من قانون المعاشات والمكافات العسكري على ان (أ- يوزع المعاش بعد استشهاد او وفاة العسكري اثناء الخدمة أو وفاته بعد احالته إلى التقاعد الى المستحقين له بالتساوي فاذا أوقف نصيب أحد المستحقين تم توزيع نصيبه على باقي المستحقين بالتساوي شريطة احضار شهادة استحقاق من المحاكم المختصة –ب- اذا توفى العسكري عن زوجة او زوجات حوامل أعيد توزيع المعاش عند الولادة –ج- لا تجوز المنازعة في قيمة المستحقات التي نشأت طبقاً لاحكام هذا القانون بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ تحديدها بصفة نهائية أو من تاريخ صرفها عدا حالات اعادة تسوية المستحقات نتيجة للسهو اوالخطأ الذي يقع عند حساب المستحقات –د- يجوز للمستحق ان يجمع بين اكثر من حصة من المعاش كما يجوز الجمع بين المعاش وأي دخل آخر) وفي سياق بيان ضوابط توزيع معاش الشهيد أو المتوفى العسكري على المستحقين فقد حددت المادة (42) من القانون ذاته حالات وقف صرف المعاش للمستحقين حيث نصت هذه المادة على (يوقف صرف المعاش للمستحق عن صاحب المعاش بالوفاة في الأحوال الأتية : 1- بالنسبة للذكور : عند العمل أو عند بلوغ سن 18 سنة لمن لا يدرس أو عند بلوغ سن 21 سنة  لمن يدرس بالمرحلة الثانوية أو 26 سنه لمن يدرس بالمرحلة الجامعية ويستثنى من ذلك حالات العجز عن العمل الذي يتم إثباته بقرار من اللجنة الطبية المختصة –ب- بالنسبة للإناث : عند الالتحاق بعمل تحصل منه المستحق على معاش كذلك يوقف صرف المعاش في حالة الزواج واذا ترملت المستحقة أو طلقت يعاد صرف استحقاقاتها –ج- لا يجوز الحصول على أكثر من معاش فاذا استحق شخص اكثر من معاش أدي اليه المعاش الاكثر فائدة ومع ذلك يجوز لاعضاء المجالس النيابية الجمع بين معاش التقاعد ومكافاتهم) ومن خلال استقراء النصوص السابق ذكرها نجد انها قد حددت طريقة توزيع معاش الشهيد او المتوفى على المستحقين ولذلك ارشد حكم المحكمة العليا الشعبة الاستئنافية بإعادة الحكم في القضية وتوزيع المعاش على المستحقين بحسب النصين السابق ذكرهما وليس حسب الاستمارة المشار اليها حيث ينبغي على الشعبة الالتزام بالإجراءات المحددة في النصين وبحث مدى توفر الإجراءات والشروط والضوابط الواردة في النصين ومن جهة ثانية فقد وجدنا ان الحكم الابتدائي قد تجاهل النصوص الواردة في قانون المعاشات وقضى باعتبار معاش العسكري المتوفي تركة يتم تقسيمها بحسب الفرائض والانصبة الشرعية.

مربع نص: الأسعدي للطباعة / ت 772877717

الوجه الثالث : عدم جواز منازعة المستحقين في قيمة المستحقات بعد مضى ثلاث سنوات :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بمحاسبة الارملة بحصتها من معاش زوجها من تاريخ انقطاع دفع حصتها مع ان تاريخ قطع حصتها كان قبل رفع دعواها بما يقارب مدة عشر سنوات، والحكم لم يخالف النص القانوني الذي قرر عدم جواز منازعة المستحقين في قيمة المستحقات بعد مضي ثلاث سنوات حسبما ورد في الفقرة (ج) من المادة (40) من قانون المعاشات العسكري، لان المنازعة المقصودة في هذا النص هي منازعة المستحقين لدائرة المعاشات والتأمينات وليس المنازعات فيما بين المستحقين انفسهم لان هيئة التأمينات أو المؤسسة او الدائرة لها نظم وحسابات وغيرها تقتضي استقرار المراكز القانونية والحسابية  بخلاف الحال بالنسبة للمستحقين فيما بينهم، والله اعلم.