وقت إجازة الورثة للوصية لوارث
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
من المسائل الدقيقة وقت إجازة الورثة للوصية
الصادرة من مورثهم لاحد هم ، لان غالبية الموصين لوارث يستدعون اثناء حياتهم عند
كتابتهم الوصية لوارث يستدعون بقية الورثة للشهادة على وثيقة الوصية في اثناء
حياته أو قد يطلب الموصي من ورثته المجتمعين المصادقة أو الموافقة على الوصية
لوارث، وفي حالات استثنائية قد يطلب الموصي منهم إجازة الوصية لوارث اما في نهاية
وثيقة الوصية أو في ظاهرها أو في وثيقة اخرى، مع ان القانون قد اشترط ان يكون وقت
الإجازة بعد وفاة الموصي، فهذه الجزئية غير مستقرة في أذهان الكثيرين ؛ولذلك
اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 31/1/2012م في الطعن الشخصي رقم (43840) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص قام في اثناء حياته بالوصية لابنه
الوحيد بنصف موضع زراعي كبير مقابل زواجه
والنصف الاخر وقف قراءة بنظر ولده المذكور وبعد وفاة الأب المورث اختلف الورثة
بشأن هذه الوصية، حيث طلبن الوارثات
البنات تقسيم التركة كاملة بما فيها الموضع الذي أوصى به مورثهن لأخيهن
الوحيد لان تلك الوصية لوارث يمنعها الشرع والقانون، فرد الأخ المدعى عليه بان
الأخوات قد اجزن تلك الوصية؛فتطور الخلاف بين الأخوات وأخيهن حتى قمن برفع الدعوى
أمام المحكمة الابتدائية التي سارت في إجراءات نظر الدعوى فتوصلت إلى الحكم ببطلان
وثيقة الوصية وقسمة الموضع الموصى به بين الورثة جميعاً بحسب الفرائض الشرعية، وقد
ورد في أسباب الحكم الابتدائي (اما بالنسبة للوصية التي أوصى المورث بموجبها بان يكون نصف موضع....
لولده المدعى عليه مقابل زواجه والنصف الاخر وقف قراءة بنظر ولده المذكور وإجازة
البنات لها عقب دفن والدهن حيث تمسكن المدعيات بان هذه الوصية حيل؛والمحكمة ترى :
إن الإجازة تمت عقب الدفن في وقت غير
ملائم ولذلك فالوصية باطلة والحيلة واضحة فالوقف بما تيسر بنظر احد الورثة غير
صحيح لان المقصود منه حرمان البنات من ذلك الموضع وهو أكبر المواضع وأكثرها قيمة
وأهمية) فلم يقبل الولد الموصى له بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه حيث قضت الشعبة
الاستئنافية بتعديل منطوق الحكم الابتدائي بالصيغة التالية (بصحة إجازة بنات
المورث لوقفية والدهن بنصف موضع.... بنظارة المدعى عليه قراءة إلى روح والده ولزوم
قسمة النصف الاخر من ذلك الموضع بين الورثة جميعاً بمن فيهم المدعى عليه) وقد ورد ضمن أسباب الحكم
الاستئنافي ( وبإجازة بنات المورث بعد وفاة والدهن للوصية الصادرة من والدهن الذي
حدد فيها نصف الموضع مقابل زواجه ابنه المدعى عليه والنصف الاخر جعله وقف قراءة
إلى روحه بنظر ولده المذكور فقد تبين للمحكمة ان إجازة البنات لما أوقفه والدهن في
النصف الاخر لقراءة القران الكريم إلى روحه بعد وفاته فان هذه الإجازة مستوفية
لشروطها الشرعية والقانونية مما يلزم العمل بها وان ما قضى به الحكم الابتدائي
بشأنها مخالفً لحكم المادة (234) احوال شخصية ولزوم قسمة النصف الاخر بين الورثة
جميعاً، فلم يقبلن المدعيات والمدعى عليه بالحكم الاستئنافي حيث قاموا بالطعن فيه
بالنقض الا ان الدائرة الشخصية رفضت طعنيهما وأقرتا الحكم الاستئنافي ، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( وبإطلاع الدائرة على أوراق القضية فقد تبين ان
الطاعنين نعوا على الحكم مخالفته القانون خاصة المادتان (234 ، 237) احوال شخصية
وبعد المطالعة والتأمل وامعان النظر فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي جاء
موافقاً للشرع والقانون فيما استند اليه وان محكمة الاستئناف قد ناقشت الأسباب
الواردة في الطعن بالنقض ومن ذلك إجراءات الوصية واجازتها فلا مخالفة في الحكم مما
يقتضي رفض الطعن موضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : الأصل عدم جواز الوصية لوارث :
هذا الأصل مقرر في قانون الاحوال الشخصية في
نصوص كثيرة منها المادة (231) التي بينت شروط الموصى له حيث نصت على انه (يشترط في
الموصى له -د- ان لا يكون وارثاً عند موت
الموصي)، وكذا المادة (234) التي نصت على انه ( لا تصح الوصية للوارث الا بإجازة
الورثة) فهذه المادة قررت ان الأصل عدم صحة الوصية للوارث الا انها اجازت على
سبيل الاستثناء الوصية للوارث اذا اجاز
ذلك بقية الورثة.
الوجه الثاني : ماهية إجازة الورثة للوصية لوارث :
للإجازة معان كثيرة متقاربة في مفهومها
ومدلولها، منها الانفاذ او الاذن، فالاجازة مصدر من اجاز بمعنى انفذ، فيقال اجاز
الوصية أي انفذها، والاجازة عند الفقهاء له معان متقاربة منها امضاء التصرف مثل
تصرف الفضولي حيث يكون قبل الاجازة موقوفا لا يترتب عليه أي اثر من الاثار الشرعية
والقانونية فاذا تمت اجازة تصرف الفضولي صار العقد أو التصرف لازماً تترتب عليه
اثاره، فاذا صدر التصرف ممن ليس له حق التصرف أو ليس مستقلاً فيه كالفضولي أو
المرتهن الذي يبيع العين المرهونة يكون تصرف موقوفا لا يترتب عليه اي اثر فيكون موقوفا على إجازة من له حق التصرف؛وهذا المفهوم ينطبق
على صدور الوصية من الموصي لاحد الورثة.
الوجه الثالث : صيغة الإجازة للوصية للوارث :
لا يشترط ان تكون صيغة الاجازة بلفظ (الإجازة) ولذلك يصح ان يقول الوارث
المجيز للوصية : اجزت الوصية أو قبلت
بالوصية أو وافقت على الوصية أو صادقت على الوصية أو انفذت الوصية أو امضيت الوصية
فهذه كلها الفاظ صريحة تفيد الاجازة ، وهناك الفاظ عرفية يدل على مدلولها العرف
اللغوي على انها من قبيل الاجازة مثل :احترم وصية ابي الموصي، سوف ننفذ ما اراد ابينا الموصي، ولا يشترط
لتمام الاجازة ونفاذها ان تكون مكتوبة حيث يتم اثباتها بكافة وسائل وطرق الاثبات،
مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا، فاذا تمت الاجازة كتابة فقد تكون في ورقة منفصلة
عن الوصية أو ملحقة بها أو على ظاهر
الوصية أو في ذيلها، وفي كل الاحوال ينبغي الاشهاد على الاجازة لان غالب المجيزين
يحاولون التراجع عن اجازاتهم بعد مضي مدة على وفاة الموصي ونسيانهم له ولرهبة الموت وهيبته؛ وقد تتم الاجازة في
وثيقة واحدة يتم التوقيع عليها من قبل جميع الورثة المجيزين وقد تتعدد وثائق
الاجازة اذا حال حائل دون اجتماعهم في مكان واحد.
الوجه الرابع : التكييف القانوني والشرعي لاجازة الوصية لوارث:
سبق القول ان الشرع والقانون قررا صراحة عدم
جواز الوصية لوارث أو لوارث الوارث وهذا يعني ان المورث ممنوع بحكم الشرع والقانون
من اجراء تصرف الوصية لوارث الا اذا اجاز
ذلك الورثة وقبلوا نفاذها، وعلى هذا الأساس فان اجازة الورثة عبارة عن انفاذ لتصرف
الموصي الموقوف على اجازتهم، ونخلص من ذلك الى ان الوصية لوارث أو لوارث الوارث
تصرف موقوف لا يترتب عليه أي اثر قانوني أو شرعي حتى يجيزه الورثة.
الوجه الخامس : وقت إجازة الورثة للوصية للوارث:
من المقرر وفقاً لاحكام الشرع والقانون ان
وقت إجازة الورثة للوصية للوارث هو بعد وفاة الموصي، وفي هذا الشأن نصت المادة
(227) احوال شخصية على انه (لا تصح إجازة الوصية إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة
الموصي) فيبدأ وقت الاجازة بمجرد تحقق وفاة الموصي حتى قبل دفنه أو بعدذلك أو في أي وقت لاحق لذلك، فليس صحيحاً ما ذهب
اليه الحكم الابتدائي في تسبيبه بان الاجازة بعد وفاة الموصي مباشرة تكون باطلة
لانها تمت في وقتً غير مناسب لان هذا الاجتهاد في مورد النص فهو لا يجوز ؛والواقع
ان قضايا كثيرة تتم الاجازة فيها على الوصايا بعد وفاة الموصي مباشرة وقبل دفنه
براً بالموصي وبراءة لذمته وتحقيقاً لارادته، ولكن يحدث أيضاً في قضايا كثيرةً ان
يدعي الورثة بعد الاجازة في هذه الحالة بأن الاجازة قد تمت في وقت غير مناسب في ذروة الصدمة بموت الموصي
حيث تمت الاجازة تحت هذا التأثير الطاغي وتبعاً لذلك فلا تصح الاجازة في هذا الوقت غير المناسب؛ ولكن هذا
الاجتهاد مع احترمنا له يأتي على خلاف النص السابق ذكره،
الوجه السادس : العلة من جعل وقت الاجازة بعد وفاة الموصي :
هناك
علل وحكم عدة اهمها ان الوصية تصرف لمابعد
الموت فلاينفذ الا بعد الموت ؛كما ان اجازة الورثة للوصية لوراث عبارة عن تنازل من
الورثة عن بعض حقوقهم في الارث للموصى له الوارث ؛والتنازل لايصح الا حينما يتحقق
حق الورثة في التركة ولايتحقق هذا الحق الا بعد وفاة الموصي ؛اضافة الى ان اجازة
الورثة في اثناء حياة الموصي تحيط بها شبه الخوف من الموصي والحياء والحرج منه
وخشية الوقوع في عقوقه اذا تم رفض طلبه اجازة وصيته للوارث، والله اعلم.