عقوبة اللطم في القانون والقضاء اليمني

 

عقوبة اللطم في القانون والقضاء اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين 

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اللطم هو صفع الشخص في وجهه، وهو من اقبح الافعال وادناها واسفلها  حيث  أن هذا الفعل القبيح يدل على سفاهة اللاطم وخساسته ونذالته إضافة إلى ان هذا الفعل القبيح يلحق العار بالمصفوع وفقاً للعرف  ولذلك فان  هذا الفعل يكون دافعاً للملطوم واسرته للانتقام من اللاطم بفعل اكبر يصل إلى قتل اللاطم في حالات كثيرة إلا أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني المنقول من قوانين خارجية لم يراع خصوصية الواقع والعرف اليمني وموقفه من اللطم والاثار والتداعيات المترتبة عليه فقد جاء نص المادة 244 من قانون الجرائم  والعقوبات اليمني كما لو ان اللطم يقع في فرنسا التي لم تحرك ساكناً عندما صفع رئيسها  أحد المارة وانصرف، لذلك فقد اخترنا الاشارة بإيجاز الى هذه المسألة في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/2/2018م في الطعن رقم (60325) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم : ان المحكمة الابتدائية انتهت إلى الحكم على شخص قام بلطم آخر بإدانة اللاطم  ومعاقبته بالحبس مدة ستة أشهر مع النفاذ والزام المدان بتسليم مبلغ مائتي الف ريالاً أرش المجني عليه وكذا الزام المدان بدفع مبلغ مائتي الف ريالا تعويضاً له عما لحقه من ضرر معنوي ونفسي وكذا الزامه بدفع مائة الف ريالاً مصاريف تقاضي، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (وحيث ثبت قيام المتهم بالاعتداء على سلامة جسم المجني عليه وحيث ان ذلك الفعل يجرمه القانون بمقتضى المادة (244) عقوبات التي تنص على انه : يعاقب بالأرش والحبس مدة لا تزيد عن سنة او الأرش والغرامة من اعتدى على سلامة جسم غيره بأي وسيلة ...الخ، ولذلك فانه من اللازم معاقبة المتهم بالعقوبة المقررة قانوناً مع مراعاة الظروف المشددة عند تقدير العقوبة وفقاً لنص المادة (109) عقوبات، واما الأرش فان الثابت قيام المتهم بلطم المجني عليه لطمتين في وجهه وحيث ان المقرر في الفقه الشرعي كما في شرح الازهار ان في اللطمة حكومة فان المحكمة تقدر أرش اللطمة الواحدة باربعين الف ريالا وحيث ان المجني عليه طلب من المحكمة تعويضاً عن الضرر النفسي والمعنوي الذي اصابه بسبب اللطمة باعتبار ان ذلك الضرر المعنوي ناتج عن الجريمة وحيث ان المقرر قانوناً ان التعويض يشمل الضرر المادي والمعنوي وحيث ان وجه الإنسان مكرم كما ان المجتمع يعتبر اللطم إهانة عظيمة يعير بها الملطوم، لذلك فان المحكمة تقدر التعويض عن ذلك الضرر المعنوي بمائتي الف ريالا) وقد أيدت الشعبة الجزائية الحكم الابتدائي بكل فقراته، وكذلك أقرت الدائرة الجزائية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما موضوعاً فان ما اثاره الطاعن لم يؤسس على أي سبب من اسباب الطعن بالنقض وفقاً للمادة (435) إجراءات فكلما اورده في طعنه  نقاش في الأدلة وجدلاً في الموضوع وهما من اختصاص محكمة الموضوع طبقاً لنص المادة (431) إجراءات وحيث ان الحكم المطعون فيه قد صدر وفقاً لإجراءات صحيحة فلم يشبه أي عيب أو بطلان ،وقد استند الحكم في قضائه إلى أسباب سائغة لها اساسها الصحيح والثابت في الأوراق) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : 

الوجه الأول : عقوبة اللطمة في الفقه الإسلامي : 

اتفق  الفقهاء على تحريم اللطم في الوجه ولو كان على سبيل التاديب فلايجوز للأب أو الأم أو المعلم اللطم في الوجه لأن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال للجلاد الذي كان يجلد شخصا ارتكب حدا (اتق الوجه والمذاكير ) فقد نهى النبي عن الضرب في الوجه والنهي هنا للتحريم باتفاق ،كما ان اللطم في الوجه إمتهان لكرامة الانسان وذلك  محرم بقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) ولذلك فان اللاطم آثم مستحق للعقوبة الاخروية بإتفاق ،اما العقوبةالدنيوية فقد  اختلف الفقهاء بشان القصاص في اللطمة على قولين : الأول : يذهب إلى إجراء القصاص في اللطمة، وهو قول جماعة من الفقهاء، وحجتهم قوله تعالى {..فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...} [سورة البقرة 194] وقوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ...} [سورة النحل 126]  فلا مانع من القصاص اللطمة باللطمة والضربة بالضربة ،فقد ثبت ان ابا بكر وعثمان وعلياً وخالد بن الوليد قد اقادوا من اللطمة، اما القول الثاني : فقد ذهب إلى أنه لا قصاص في اللطم والضرب لعدم النص الشرعي عليه, ولان القصاص في ذلك لا يؤمن معه التجاوز والحيف، وهو قول جماعة من العلماء منهم الزيدية والشافعية والحنفية، اما بالنسبة للأرش فلم يرد أرش محدد للطمة وإنما فيها حكومة وهو المال الذي يقدره القاضي كأرش بحسب نوع الضربة ومكانها وتأثيرها على المجني عليه وظروف الجاني وما اذا كان من المعتادين وارباب السوابق والفسوق وبحسب اعراف المجتمع وظروفه وعاداته (التشريع الجنائي الاسلامي، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ224). 

الوجه الثاني : عقوبة اللطمة في القانون اليمني وتوصيتنا للجهة المعنية : 

نص قانون الجرائم والعقوبات الظريف على ان عقوبة اللطم في الوجه تندرج ضمن (الايذاء العمدي الخفيف) حيث نصت المادة (244) من القانون على ان (يعاقب بالأرش والحبس مدة لا تزيد على سنة أو الأرش والغرامة من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة وأحدث به جرحاً لا ينضبط مقداره أو تسبب عن ضرر بالصحة اذا لم ينجم عن الاعتداء مرض او عجز عن الاعمال الشخصية مدة لا تزيد عن عشرين يوماً ...الخ) فهذا النص الاعمى لا يفرق بين ضربة في القدم او لطمة في الوجه، فالفعل والعقوبة واحدة بل ان النص قد اشترط ان يترتب على الضرب جرحاً، والغالب ان اللطم في الوجه لايحدث جرحا !!! وعلى هذا الفهم فان اللطم في القانون اليمني لا يكون جريمة إلا اذا احدث جرحاً في الوجه، أي أن اللطم الذي لا يحدث جرحاً مباح!!! ولذلك لم يجد القاضي الابتدائي في الحكم محل تعليقنا ما يسعفه في قانون الجرائم والعقوبات فلجاء إلى شرح الازهار للتأصيل الشرعي  لعقوبة اللطمة وهو جهد يشكر عليه القاضي حمود، ولذلك فأننا نوصي مخلصين بإستحداث  مادة في قانون الجرائم والعقوبات تنص صراحة على تجريم اللطم في الوجه وتقرير عقوبة رادعة عليه تتناسب مع النظرة الإجتماعية والعرفية للطمة واللاطم والملطوم حتى يعالج القانون الإشكاليات الواقعية التي يعاني منها الواقع والمجتمع اليمني بدلاً من النقل من القانون المصري من غير وعي أو إدراك لخصوصية المجتمع اليمني وأعرافه، لاسيما ان اللطمة تتسبب في اليمن في حروب وثارات وقتل، والقارى الكريم في اليمن يدرك الآثار المترتبة على اللطم في المجتمع اليمني، والله اعلم.