مسيل الماء من المراهق العامة

 

مسيل الماء من المراهق العامة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الصبابة هي المراهق العامة (المنحدرات) التي يصب منها الماء إلى الأراضي الزراعية الخاصة بالمواطنين (حق المسيل) وعلى هذا المعنى فان المسيل والصبابة من أهم الذرائع للاستيلاء على المراهق العامة والاحياء فيها والتحجر عليها، فغالب المواطنين يدعي وما أسهل له ان يدعي ان ماء المراهق العامة يسيل أو يصب إلى أرضه مع ان قانون أراضي وعقارات الدولة ولائحته التنفيذية قد حددتا الرهق الخاص بالأراضي الزراعية الخاصة، ولكن الخطورة الأكثر ان قانون اراضي الدولة قد اجاز للمواطنين ان يشيدوا المدرجات مستقبلا في المراهق العامة حسبما ورد في المادة؛(46) من قانون الاراضي !!!!  حيث اغرى  هذا النص الطامعين في الاستيلاء على المراهق العامة عن طريق تشييد مدرجات جديدة في المنحدرات التى يصب منها الماء أو السيل الى اراضيهم لان المادة 46 من القانون عطلت المادة التي تحدد كيفية تحديد وتمييز المراهق العامة عن المراهق الخاصة خرفهماً مغلوطاً حيث يظن الطامعون الانانيون ان مجرد مسيل الماء من المراهق العامة إلى أراضيهم الزراعية يخولهم الحق في منع غيرهم من الانتفاع بالمراهق العامة في الرعي والاحتطاب بل أنهم  يلحقون المراهق العامة باملاكهم الخاصة ، وبغرض التوعية بهذا الموضوع ولفت الانظار اليه وتقديم التوصيات المناسبة في هذا الشان فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/4/2010م في الطعن المدني رقم (35188) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد الأشخاص قام بالبناء في المراهق العامة (اكمة ، ربوة) المنحدرة الى الشعبة؛(مدرجات) التي يملكها مدعياً بأن هذه الاكمة تابعة لشعبته المجاورة لها لان ماء المطر يسيل من الاكمة إلى الشعبة المملوكة له ولأجداده من قبله فعارضه شخص اخر يملك شعبة اخرى مشابهة تقع في الجانب الاخر من الاكمة  مدعيا ان الاكمة محل النزاع هي ملكه لانها مجاورة لشعبته التي صارت له ارثا  من اجداده؛ فتطور الخلاف بين الطرفين حتى قام الشخص الاخر برفع دعوى مدنية أمام المحكمة الابتدائية أدعى فيها أن الباني قد قام بغصب الرهق المملوك له وذلك بالبناء في الرهق؛ وقد اتفق الطرفان أمام المحكمة الابتدائية على أن يقوم كل طرف باختيار عدل لتطبيق بصائر الطرفين على أرض الواقع باشراف المحكمة ومن خلال المعاينة وتطبيق البصائر على أرض الواقع ثبت بصفة قطعية أن الاكمة ومنحدراتها محل النزاع ليست داخلة ضمن أملاك الطرفين حسبما تحكيه مستندات الطرفين وانها من المراهق العامة فهي من مفاسح القرية فهي مرعى ومحتطب لجميع سكان القرية وليست تابعة للشعبتين  المملوكتين للطرفين وانه ليس  للمدعى عليه سوى حق مسيل الماء من الجهة الغربية للاكمة لان مستندات الطرفين لا تفيد اختصاص أي من الطرفين بالأرض محل النزاع ؛إلا أن المدعي لم يقبل بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه واكد في استئنافه بان الارض محل النزاع ملك خاص به فليست من المراهق العامة؛ ولكن الشعبة المدنية قضت برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (فقد ثبت ان الارض محل النزاع لم تتضمنها  مستندات الطرفين فهي من مخارج ومفاسح القرية ومرعى ومحتطب لجميع سكان القرية وليس للشعبتين المشار اليهما فليس للمستأنف ضده الا حق مسيل الماء من الجهة الغربية لان مستندات الطرفين لا تفيد الاختصاص لهما ؛فالخلاصة ان كل طرف يحاول استملاك  الاكمة ومنحدراتها بدون وجه حق وهي من مراهق القرية ؛وحيث ان المستأنف ضده قد قام بالبناء منذ 12 سنة ولم يعارضه أحد) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الوضعية القانونية للأكمة محل النزاع وتوصيتناللمحكمة العليا وهيئة الاراضي:

محل النزاع هو أكمة (حدبة/ربوة/تل؛تبة) ووفقاً لقانون أراضي عقارات الدولة فان التبة او الاكمة محل النزاع تعد من المراهق العامة وفقاً للمادة (2) من القانون التي عرفت المراهق العامة بأنها : (الجبال والآكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الأمطار وتصريفها ) وبما ان محل النزاع أكمة ليس عليها  بناء أو مدرجات فانه لايجوز البناء عليها او تشبيد المدرجات في منحدراتها لان قانون الأراضي يحظر ذلك؛ ويقرر القانون انه اذا كان الشخص  قد قام بالبناء عليها أو البسط عليها قبل صدور القانون فانه يتوجب عليه ان  يقوم بإبلاغ هيئة الأراضي بما قام به وفي هذه الحالة يكون له حق شراء الأرض أو استئجارها من هيئة الاراضي وفقاً للمادتين (58 و 59) من قانون الأراضي،اما بعد تاريخ صدور قانون الأراضي المشار اليه فان البناء في المراهق العامة مثل الأكمة يع جريمة يعاقب عليها القانون بمقتضى المادة (47) من قانون الأراضي، وبناءً على هذا فأن بناء المطعون ضده في الأكمة جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أن الدعوى تم رفعها أمام المحكمة المدنية فكان الخلاف مدنياً بين الاطراف المختلفة على أرض الدولة في غياب هيئة الأراضي الجهة المعنية، وكان ينبغي على محكمة الموضوع أن تدخل هيئة الأراضي، ولذلك فإننا : نوصي المحكمة العليا بموجب الصلاحيات المقررة لها وفقاً لقانون السلطة القضائية أن تقوم بإصدار تعميم لكافة المحاكم يتضمن وجوب قيام المحاكم بإبلاغ وادخال هيئة الأراضي اذا تعلق النزاع بأي من أملاك الدولة سواء من المراهق العامة أو غيرها، وفي الوقت ذاته فإننا نوصي هيئة الأراضي بمتابعة المحكمة العليا لإصدار التعميم المشار اليه.

الوجه الثاني : الأرض التي لا يرد ذكرها في مستندات ملكية الأراضي الخاصة تكون من أراضي الدولة :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بأن الأرض محل النزاع عبارة عن (أكمة أو حدبةاو تبة) وانه لم يرد ذكرها ضمن مستندات الطرفين المتنازعين وذلك يعني انها ليست مملوكة للطرفين المجاورين لها وبناءً على ذلك فأن الارض التي لا مالك لها من اراضي الدولة حتى لو لم تكن من المراهق العامة طالما وقد قضى الحكم بعدم ملكيتها لاحد وانها محتطب أو مرعى أو مفسح أو حمى للقرية، لان المادة (6) من قانون الاراضي  تقرر في الفقرة (ح) أن الأراضي التي لا مالك أو لا وارث لها تعد من اراضي الدولة.

الوجه الثالث : جواز انتفاع عامة المواطنين بالمراهق العامة من غير اختصاص :

تقرر المادة (44) من قانون الأراضي انه يحق للمواطنين كافة الانتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق للدولة منها حيث تنص هذه المادة على انه (يظل الحق في الانتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً للكافة سواءً بالمرعى أو بالاحتطاب أو غيره ولا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق الا لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة) وهذا النص صريح في جواز انتفاع كافة المواطنين بالمراهق العامة بأي وجه من أوجه الانتفاع ليس فقط بالمرعى والاحتطاب ولكن هناك ضوابط لذلك منها ان لا يترتب على الانتفاع احتكار أو اختصاص أحد المواطنين أو بعضهم واستئثارهم بالانتفاع دون غيرهم وكذا ينبغي ان لايترتب على الانتفاع الإضرار أو الانتقاص من انتفاع بقية المواطنين كقلع الاشجار أو عقرها فانه يترتب عليه الاضرار بانتفاع الاخرين أو تقليله إضافة إلى أنه لا يجوز استغلال المراهق العامة في مشاريع استثمارية تجارية لان ذلك يقلص من فرص الاخرين في الانتفاع كما انه يكون من قبيل الاستغلال وليس الانتفاع فالنص اجاز فقط الانتفاع الشخصي ولم يجز الاستغلال الاستثماري للمراهق العامة، وهناك فائدة عظيمة لتقرير انتفاع المواطنين كافة بالمراهق العامة فذلك يعني أن الدولة المالك للرقبة تحفظ المراهق العامة لضمان انتفاع المواطنين كافة لها؛ فهم المستفيدون أصلاً من هذه الوضعية ولذلك ينبغي على المواطنين الدفاع والحماية للمراهق العامة وابلاغ الجهة المعنية بأي اعتداء أو انحراف في الانتفاع بالمراهق العامة باعتبارها الحمى العام للامة (النظرية العامة للملكية العامة، د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص217).

الوجه الرابع : حق المسيل من المراهق العامة :

سبق القول في الوجه السابق ان حق الانتفاع بالمراهق العامة مكفول للمواطنين كافة بما في ذلك حق المسيل للأراضي الزراعية المجاورة حيث يحق لملاكها السقي من ماء المطر المنحدر من المراهق العامة إلى اراضيهم الزراعية المجاورة فلا يجوز لأي مواطن أن يضع الحواجز التي تحول دون نزول السيل إلى اراضيهم أو حرف مسار السيل المنحدر إلى اراضيهم وتوجيهه إلى أراض أخرى، وبالمقابل فانه لا يجوز لمن له حق المسيل ان يقوم بالحفر أو الاستحداث أو البناء في المراهق العامة لتوجيه السيل الى أرضه، لان ذلك يجعل له حق اختصاص في الانتفاع بالرهق العام وهذا ينافي طبيعة الانتفاع العام بالرهق العام لكافة المواطنين، كما ان استحداث صاحب حق المسيل في الرهق العام قد يترتب عليه الاضرار لغيره وهذا ايضاً ينافي طبيعة الانتفاع العام بالرهق العام لكافة المواطنين ولذلك نجد ان القانون المدني قد اشار إلى هذه المسائل اشارات لطيفة حيث نصت المادة (1371) مدني على ان (المسيل هو طريق إسالة المياه الطبيعية أو تصريف المياه غير الصالحة أو الزائدة عن الحاجة في ملك الغير) وفي السياق ذاته نصت المادة (1372) على ان (تتلقى الاراضي المنخفضة   المياه السائلة سيلاً طبيعياً من الأراضي العالية دون أن يكون ليد الانسان دخل في اسالتها ولا يجوز لمالك الارض المنخفضة ان يقيم سداً لمنع هذا السيل من الوصول إلى ملكه كما لا يجوز لمالك الأرض العالية ان يقوم بعمل يزيد به عبء الارض المنخفضة) وفي كل الاحوال فان حق المسيل الذي اشار اليه الحكم محل تعليقنا لا يخول صاحب الارض التي يسيل اليها الماء من الرهق العام لا يخوله الادعاء بأي اختصاص أو ملكية في الرهق العام كما انه لا يحق بمقتضى حق المسيل ان يمنع عامة المواطنين من الانتفاع بالرهق العام الذي يسيل منه الماء الى أرضه.

مربع نص: الأسعدي للطباعة عن بعد / ت 772877717

الوجه الخامس : الشعبة (المدرجات) التي تتلقى السيل من الرهق العام وتوصيتنا للمقنن اليمني:

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الخلاف بين الطرفين الطامعين في الرهق العام (الاكمة او التبة) كان بسبب ان لكل طرف شعبة أي مجموعة مدرجات تعلو بعضها البعض فكان كل طرف يدعي ملكيته للأكمة ومنحدراتها المتجهة في اتجاه الشعبتبن؛ شعبة كانت للمطعون ضده من الجانب الغربي وشعبة للطاعن تقع في الجانب الشرقي للتبة وكان كل طرف يريد بناء مدرجات في الرهق العام، واستحداث المدرجات الجديدة مطمع الطامعين في الاستحواذ على المراهق العامة بذريعة استحداث مدرجات جديدة لان قانون الأراضي قد اجاز للمواطنين خارج المدن الاستيلاء والاستحواذ على المراهق العامة بمسمى (إقامة مدرجات جديدة) فقد نصت المادة (46) من ذلك القانون على ان (تعد المدرجات الزراعية التي تتخلل المراهق العامة المقامة قبل صدور هذا القانون أو التي تقام مستقبلاً خارج نطاق المدن الرئيسية من الأملاك الخاصة) طبعاً اليمن كلها مدرجات ومنحدرات ومراهق عامة ولذلك فان هذا النص ان كان مقبولاً فيما يتعلق بالمدرجات القائمة قبل صدور القانون إلا ان ذلك غير مقبول البتة بالنسبة للمدرجات التي ستقام مستقبلاً!!!

أي أن هذا النص دعوة مفتوحة وصريحة للاستيلاء على الجبال والاكام والهضاب، وانا في هذا المقام أوصي : رئيس هيئة الأراضي وهو من أفضل من تولى هذا المنصب أن يبذل قصارى جهده لتعديل هذا النص الملعون، أما القضاة واعضاء النيابة العامة فادعوهم وانا المحب لهم والمشفق عليهم ان يمنعوا عن تطبيق هذا النص الذي سوف يصادر الجبال والاكام والهضاب فلن يجد الشعب وحكومته مكان مرتفع للوقوف عليه حتى لمجرد شم الهواء، والله اعلم.