كيفية احتساب ارباح الأموال المستثمرة في التجارة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات الواقعية التي يتكرر حدوثها الاختلاف بشأن احتساب ارباح الأموال
المستثمرة في التجارة حيث يقوم كثير من الأشخاص بتسليم أموالهم إلى تجار محترفين
لاستثمارها في اعمالهم التجارية بقصد الحصول على ارباح مناسبة، ولان ارباح الأعمال
التجارية غير مستقرة حيث تتغير لأسباب ليس محل تعليقنا فبسبب ذلك التغير يحدث
الخلاف فيما بين صاحب المال والتاجر المستلم للمال، وان كان الغالب في احتساب
ارباح الأموال المستثمرة يقوم على الأمانة والثقة المتبادلة فيما بين صاحب المال
والتاجر المستلم للمال إلا أنه في حالات عدة يحدث الخلاف بينهما، وقد تناول الحكم
محل تعليقنا هذه المسألة، وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/2/2018م في الطعن رقم (59143) وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص دفع مبلغ مليون دولار إلى تاجر لاستثماره في اعماله التجارية، ويبدو انه في
اثناء حياة التاجر كانت العلاقة بين الطرفين هادئة فلم يحدث أي خلاف بين الطرفين
آنذاك لكن بعد وفاة التاجر حدث الخلاف فيما بين صاحب المبلغ وورثة التاجر بشأن
كيفية احتساب ارباح المبلغ المستثمر حتى وصل الخلاف إلى القضاء حيث حكمت المحكمة
الابتدائية بإلزام ورثة التاجر المستثمر بإعادة أصل المبلغ بالإضافة ما يعادل ربع
المبلغ كأرباح استثمارية على أساس الفوائد المعتمدة في البنوك التقليدية وبموجب
تقرير المحاسبين المكلفين من المحكمة اللذين احتسبا الأرباح على سعر الفائدة
المعلنة من البنك المركزي واسعار الفوائد السائدة في البنوك التجارية فعلى هذا
الاساس تم احتساب ارباح المبلغ المشار اليه خلال السنوات التي لم يتم فيها دفع
ارباح إلى صاحب المال ، واضاف الحكم الابتدائي مبلغاً اضافياً إلى ما توصل اليه
المحاسبان لان الارباح التجارية تكون
غالباً أكثر بكثير من الفوائد التي تمنحها البنوك وقد أيدت الشعبة التجارية ذلك
الحكم إلا أن الدائرة التجارية نقضت الحكم الاستئنافي في المرة الأولى بسبب عدم قيام محكمة الموضوع
ببيان الأساس الذي تم بموجبه إضافة مبلغ إضافي إلى المبلغ الذي توصل اليه
المحاسبان ، واعادت الدائرة التجارية القضية إلى الشعبة لبحث ودراسة هذه الجزئية
التي قامت ببحث هذه الجزئية وذكرت في حكمها الثاني بانها قد اخذت بتقرير المحاسبين
واضافت المبلغ الإضافي لان التجارة تسعة اعشار الرزق وان المضاربة بالمبالغ المدعى
بها تكون أكثر ربحية من ايداعها في البنوك وتحصيل الفوائد المركبة بحكم الواقع
واللزوم العقلي حيث يكون العائد أكثر من الفائدة البنكية وقد قدرت المحكمة ذلك
المبلغ الإضافي بما يطمئن اليه ضميرها ويسكن اليه جنانها ) فلم يقنع ورثة التاجر
فقاموا بالطعن بالنقض إلا ان الدائرة التجارية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي,
وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فمن المعلوم ان ما انتهى اليه قضاء محكمتي
الموضوع بشأن المبلغ المضاف هو ما استقر عليه الحال بين الطرفين من حيث تكييف
العلاقة بين المدعي ومورث الطاعنين على اعتبار ان المدعي مستثمر لأمواله لدى مورث
الطاعنين، فاحتساب ارباح استثمارية لمصلحة المدعي خلال الفترة محل النزاع فيما لو
كان المبلغ قد تم وضعه في مشروع استثماري، فقد بنت المحكمة التجارية حكمها على ما
خلص اليه المحاسبان المكلفان باحتساب
ارباح تلك المبالغ خلال الفترة محل النزاع إلا أن محكمة الموضوع قد اضافت مبلغا اضافياً إلى المبلغ الذي توصل اليه المحاسبان
،وقد بينت الأساس الذي اعتمدته في ذلك وبذلك تكون قد اخذت بتوجيه المحكمة العليا
في حكمها السابق) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية استثمار الأموال في الانشطة والأعمال التجارية :
يقوم كثير من الأشخاص
بتسليم مبالغ إلى التجار لاستثمارها في اعمالهم التجارية مقابل ارباح يقوم التاجر
بتحديدها في ضوء الارباح التي يحققها التاجر من عائدات استثمار المبلغ المدفوع،
ويقوم الاشخاص باستثمار أموالهم لدى التجار لاعتبارات مختلفة منها قلة خبرة اصحاب
الأموال في الأعمال التجارية التي يستثمر المال فيها، أو عدم رغبة أصحاب الأموال
في ظهور اسمائهم في الأنشطة التجارية، واستثمار الأموال في الأعمال التجارية يمثل
جانبا مهما في النشاط التجاري والاقتصادي في اليمن ومع ذلك فان هذا النشاط لم
ينظمه القانون، ولذلك نوصي بتنظيمه حمايةٍ لحقوق المستثمرين والتجار في آن واحد
وللنهوض بالنشاط التجاري ومعالجة إشكالاته، ولذلك فإننا نوصي بتنظيم هذه المسألة.
الوجه الثاني : صيغ استثمار الأموال في الأعمال التجارية :
تختلف هذه الصيغ
باختلاف الأشخاص والتاجر والعلاقة والثقة المتبادلة بين صاحب المال والتاجر، ففي
بعض الحالات تكون الاتفاقيات بين الطرفين شفوية كما قد تكون في الغالب الاتفاقيات
كتابية وفي الحالتين تتضمن هذه الاتفاقيات مدة استثمار المال ومقدار المال واثبات
ان المستلم للمال يدفع ارباح ذلك المال بحسب صافي الارباح الذي يحققه التاجر
المستلم للمال من المال المدفوع له، ولا يتم تحديد نسبة معينة من الربح مقدماً
وإنما يتم الاتفاق على تحديد طريقة معينة لاحتساب ارباح المال المسلم للتاجر، ففي
بعض الحالات يتم الاتفاق على ان يستحق صاحب المال الارباح التي يستحقها الممول
الأصلي للتاجر فاذا حصل التاجر على تمويل من بنك إسلامي بصيغة المضاربة أو
المرابحة فان صاحب المال يستحق الارباح
ذاتها التي يستحقها البنك الإسلامي، وفي بعض الحالات يتم الاتفاق على ان صاحب
المال يستحق تلك الارباح المستحقة للبنك الإسلامي لكن بعد خصم نسبة معينة لحساب
التاجر مقابل ادارته وتشغيله للمال في مشروعه التجاري.
الوجه الثالث : تكييف العلاقة فيما بين صاحب المال والتاجر :
من خلال مطالعة ما
سبق يظهر ان العلاقة بين الطرفين ليست علاقة شراكة لان الدافع للمال لا يمتلك أي
حصص في المشروع التجاري التابع للتاجر كما انه لا يستحق نسبة من ارباح نشاط
المشروع التجاري المملوك للتاجر، فصاحب المال
مجرد مالك لمال يريد تشغيله في مشروع تجاري ناجح مقابل جزء من الارباح
المستحقة فعلاً من المال بعد خصم صاحب المشروع لنسبة من ارباح المبلغ مقابل ادارته
للمال المدفوع اليه وتشغيله، على انه في بعض الحالات تكون العلاقة بين الطرفين من
قبيل شركة محاصة وهي شركة مستتمرة غير ظاهره ينحصر كيانها لصفقة أو صفقات محددة
ولا يتم تسجيل هذه الشركة وليس لها شخصية اعتبارية، والاتفاقات بين الطرفين تبين
الحقوق والالتزامات المتبادلة حسبما ورد في المادتين (55 و 56) شركات.
الوجه الرابع : ضوابط تقدير ارباح الأموال المستثمرة في الأعمال التجارية :
عرض الحكم محل تعليقنا بعض تلك الضوابط ومنها سعر الفائدة المعتمدة في البنك المركزي، بالإضافة إلى ذلك فهناك ضوابط يمكن الاسترشاد بها في تحديد ارباح الأموال المستثمرة في الأعمال التجارية من ذلك نسبة الفوائد المتبعة في اذون الخزانة وكذا نسب الارباح في الشركات والمؤسسات والانشطة المماثلة للنشاط الذي يباشره التاجر المستلم للمال وغيرها من الضوابط، والله اعلم.