وقف الدعوى المدنية للاشتباه في تزوير وثائق الملكية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تزوير
وثائق ملكية الأراضي ظاهرة لا يمكن تجاهلها، حيث يتم التمسك بالوثائق المزورة أمام
القاضي المدني الذي ينظر في النزاع بشأن ملكية الأرض فلا يملك القاضي الجزم بزورية
تلك الوثائق من غير تحقيق جنائي، ولكن القاضي يملك ان يحيل الوقائع والوثائق المشتبه في تزويرها أو المدعى بتزويرها إلى النيابة العامة
للتحقيق بشأنها والتصرف وفقاً للقانون وفي الوقت ذاته يقرر القاضي وقف نظر القضية
المدنية حتى يتم الفصل في ادعاءات تزوير الوثائق، فقد قضى بذلك الحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/10/2017م في الطعن
رقم (59414) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً تقدم بدعوى أمام
المحكمة الابتدائية مفادها :ان المدعى عليه قد شرع بالبناء في أرضه المملوكة له
بموجب الوثائق التي ارفقها بدعواه ، وقد رد المدعى عليه بانه المالك الحقيقي للأرض
وابرز امام القاضي المستندات المؤكدة لذلك وفي هذه الاثناء تدخل اخر تدخلاً
اختصامياً مدعياً بان الأرض محل النزاع ملكه وابرز الوثائق الدالة على ذلك، فوقف
القاضي المدني أمام تلك الوثائق المتناقضة حيث يدعي كل طرف زورية مستندات الطرف
الآخر مع تقارب تواريخ التصرفات التي تحكيها تلك المستندات التي تدل على أن
التصرفات التي جرت على الأرض محل النزاع كانت متقاربة علاوة على أن أحد الخصوم
تقدم امام القاضي المدني بدعوى تزوير
فرعية ولذلك قرر القاضي المدني احالة ملف
القضية إلى النيابة العامة للتحقيق في الوقائع التي أثارها الخصوم بشان التزوير وكذا في الوثائق المبينة
في حيثيات القرار بالإضافة إلى وقف نظر الدعوى إلى حين الفصل في المسألة الجنائية
حسبما ورد في اسباب قرار المحكمة الابتدائية ومنطوقه، فقام احد الخصوم باستئناف
القرار إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد القرار فلم يقنع المستأنف فقام بالطعن
بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان مناعي
الطاعن متعلقة بالوقائع الموضوعية السابق اثارتها أمام محكمتي الموضوع حيث تعذر
على محكمة أول درجة المضي في اجراءات نظر الدعوى والفصل فيها لما تبين لها من وجود
دعوى فرعية بالتزوير في تاريخ احد المستندات وظهور مسائل جنائية يستحيل معها الفصل
في الدعوى بحكم حاسم قبل التحقيق والفصل في تلك المسائل سلباً اوايجاباً من قبل
النيابة العامة) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : سلطة قاضي الموضوع في تقرير وقف نظر الدعوى المدنية عند الادعاء بتزوير المستندات :
لا تخلو
دعوى مدنية في اليمن من ان يدعي الخصوم فيها بان مستنداتها مزوّرة أو مفتعلة بغرض
التشكيك في مستندات الخصم، ولذلك فان القاضي له السلطة التقديرية بعد الوقوف على
المستندات المدعى بتزويرها فله الحق بعد ذلك في إحالة المستند المدعى بتزويره إلى
المعمل الجنائي (ادارة الأدلة) كما ان له ان يحيل الموضوع إلى النيابة العامة
عندما يتأكد من جدية دعوى التزوير الفرعية أو عندما تكون الدعاوى بالتزوير تتناول
غالبية المستندات المقدمة اليه أو عندما يثير الخصوم وقائع مادية تحتاج إلى تحقيق
جنائي أو عندما تحتاج هذه المستندات المدعى بتزويرها إلى تحقيق مع اشخاص آخرين
ليسوا اطرافاً في الخصومة حيث يقوم القاضي المدني بإحالة المسالة المطلوب التحقيق
فيها إلى النيابة العامة حتى تتمكن النيابة من اجراء التحقيق اللازم ومعرفة
الحقيقة بحسب الاختصاص وان يقرر تبعا لذلك بوقف الخصومة المدنية، وفي الوقت ذاته
فان القاضي اذا وجد ان دعاوى التزوير ليس لها ادلة أو قرائن أو شبهات تدل عليها
وانها من قبيل المكايدة بين الخصوم فانه يمضي في اجراءات نظر الدعوى.
الوجه الثاني : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :
استند
الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (205) مرافعات التي تنص على انه (يجب على
المحكمة ان تأمر بوقف الخصومة كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة
اخرى يتوقف عليها الحكم في الخصومة) وبما ان سند وقف الخصومة هو نص قانوني فان هذا
الوقف يطلق عليه (الوقف القانوني للخصومة) ومن حالاته وقف الدعوى اذا ظهرت مسألة
جنائية متعلقة بموضوع الدعوى المدنية يتوقف عليها الفصل في الخصومة(التعليق على
قانون المرافعات،استاذنا المرحوم الدكتور احمد أبو الوفاء،ص426) إضافة إلى نص قانون المرافعات السابق ذكره فقد نصت المادة (44)
إجراءات على انه (يجوز مباشرة الدعوى المدنية بصفة مستقلة عن الدعوى الجزائية وفي
هذه الحالة يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائياً في الدعوى الجزائية) فقضاء الحكم
محل تعليقنا بوقف الخصومة يقع تطبيقاً لقاعدة (الجنائي يوقف المدني) ويستند الوقف
في هذه الحالة إلى انه يتعذر على القاضي المدني الفصل في ملكية الأرض محل النزاع
طالما والدعاوى بتزوير مستندات الملكية متبادلة بين اطرافها إضافة إلى تقديم دعوى تزوير فرعية أمام القاضي
المدني علاوة على تناقض بيانات مستندات الملكية المنظورة أمام القاضي المدني مما
يدل على ان هناك تزوير في بعض المستندات فلا يعقل ان تكون جميع المستندات
المتناقضة والمتقاربة في تواريخها المنظورة أمام القاضي صحيحة.
الوجه الثالث : وقف الخصومة وإطالة إجراءات التقاضي وتوصيتنا :
ذكرنا
فيما سبق ان للقاضي المدني السلطة التقديرية في وقف الخصومة في ضوء الضوابط المشار
اليها في الوجهين السابقين حيث ينبغي على القاضي التحقق من جدية دعاوى التزوير في
المستندات، لان الخصوم يتوسلون غالباً بهذه الدعاوى للكيد ببعضهم وإطالة إجراءات
التقاضي، لان الدعوى الأصلية المدنية ستتوقف إلى اجل غير مسمى وحتى يتم الفصل في
المسألة الجنائية بحكم بات حيث يتم الفصل
فيالمسالة الجنائية في درجات التقاضي كلها (ابتدائية واستئناف وعليا) وبعد هذه
المدة والرحلة الطويلة يعاود القاضي المدني نظر الدعوى المدنية التي قرر وقفها،
ولذلك فاننا نوصي بدراسة هذه المسألة
للوصول إلى ترشيدها بما يكفل تبسيط إجراءات التقاضي وتقريب العدالة
للخصوم، والله اعلم.