مسئولية الناقل الجوي عن فقدان بضاعة

 

مسئولية الناقل الجوي عن فقدان بضاعة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

فقدان البضاعة أو الأمتعة المرسلة عن طريق الطائرات ليست نادرة بل إنها كثيرة الوقوع وتمس مصالح وحقوق شرية واسعة من المجتمع، ومع ان مسئولية الناقل الجوي قائمة بموجب القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية وعقد المبرم فيما بين الناقل الجوي وصاحب الأمتعة والبضاعة المرسلة بالطائرة إلا ان أحكام القضاء تكشف عن التطبيق العملي القضائي لمسئولية الناقل الجوي عن فقدان البضاعة المشحونة بالطائرة من حيث كيفية المطالبة وإجراءاتها والأسانيد التي تستند أحكام القضاء، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/12/2010م في الطعن التجاري رقم (43647) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص تقدم بدعوى أمام المحكمة التجارية المختصة ادعى فيها على شركة الطيران بانه قام بشحن ستة طرود منطية الرأس يبلغ وزنها (672) كيلوغرام على متن احدى الطائرات التابعة لشركة الطيران المشار اليها بموجب بوليصة الشحن رقم (42272) وذلك على الرحلة رقم (979) عمان/عدن بتاريخ25يونيو 1994، وعند مطالبته  للشركة تسليمه البضاعة افاد المختصون بشركة الطيران بعدم وصول البضاعة مما اضطره إلى السفر الى الأردن لإحضار شهادة من مطار عمان تفيد ان البضاعة قد تم شحنها بالفعل في الرحلة المشار اليها وذكر المدعي انه مع ثبوت شحن البضاعة في تلك الرحلة الا ان شركة الطيران المدعى عليها امتنعت عن تسليمه البضاعة او  تعويضه، وقد دفعت شركة الطيران هذه الدعوى بدفوع عدة منها عدم قبول الدعوى لسقوط الحق في رفع دعوى المسؤولية على الناقل الجوي لان مسؤوليته تسقط بمرور سنتين من يوم بلوغ الطائرة جهة الوصول حيث وقد مضت أكثر من سنتين على تاريخ وصول الطائرة، كما ردت احتياطاً شركة الطيران على الدعوى متمسكة بالظرف القهري وهو وقوع حرب صيف 1994م في اليمن حيث تم شحن بضاعة في الطائرة في ذلك الظرف القهري، وبعد ان سارت المحكمة في إجراءاتها توصلت الى الحكم ( برفض الدفوع المقدمة من شركة الطيران وإلزامها بتسليم بضاعة مماثلة للبضاعة المشحونة على الطائرة التابعة لها بموجب بوليصة الشحن على ان تكون البضاعة مماثلة للبضاعة المفقودة من حيث الوزن والكيف والنوع بحسب فاتورة الشراء رقم (1950) بتاريخ 30/4/1994م أو تسليم القيمة المحددة في هذه الفاتورة) وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (وحيث ان بوليصة الشحن هي عقد وقد تم ذلك العقد بين المدعي والمدعى عليها وحيث ان الدعوى هي دعوى المسؤولية قبل الناقل الجوي ومستمدة من عقد النقل وهو بوليصة الشحن المشار اليها، ومن المقرر في الاتفاقيات الدولية ان دعوى المسؤولية قبل الناقل الجوي يكون الحق في رفعها قاصراً على الراكب أو خلفه وحيث ان الراكب قد حضر الى المحكمة ووكل محاميه فذلك يبطل دفع شركة الطيران بعدم صفة المحامي كما ان تردد المدعي على شركة الطيران والجهات المختصة خلال الفترة السابقة لرفع دعواه للمطالبة ببضاعته أو تعويضه عنها كانت تلك المطالبات قاطعة للتقادم مما يدل على عدم تراخي المدعي عن المطالبة بالبضاعة أو قيمتها بل ان المدعي سافر الى الأردن للتأكد من شحن البضاعة بالفعل كما ان الشركة المدعى عليها لم تنكر الحق وانما دفعت بتقادمه وذلك دليل على ثبوت الحق بذمتها وحيث ان المادة (446) مدني قد نصت على انه ينقطع سريان مدة التقادم بتكليف المدين بالوفاء أو اقرار المدين بحق الدائن اقراراً صريحاً اوضمنياً ؛وبما ان استمرار مطالبة المدعي للمدعى عليها يعد من قبيل التكليف بالوفاء حيث تمت تلك المطالبات حسبما هو ثابت في تاشيرات المدعى عليها والحهات المشرفة على الشركة على مذكرات المدعي خلال المدة القانونية وحيث ان المادة (23) إثبات قد حددت المدة التي لا تسمع الدعوى فيها من حاضر مع عدم المطالبة خمس سنوات في سائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار، فالثابت ان هناك مطالبات من المدعي من تاريخ الاستحقاق أي التاريخ المفترض لوصول الطائرة المحملة بالبضاعة الى المطار، وحيث ان الناقل ملزم بإيصال البضاعة، وحيث ان مسؤولية الناقل تمتد منذ استلامه للبضاعة في مطار الإقلاع إلى حيث يتم تسليمها الى المرسل اليه في مطار الوصول فاذا تحقق سبب الضرر خلال هذه المدة فيعد الناقل مخلاً بالتزامه فتنعقد مسؤوليته طالما ان البضاعة لم يتم تسليمها للمرسل اليه، كما ان المادة (202) تجاري قد قررت بان يشمل النقل الجوي الفترة التي تكون فيها الأمتعة توالبضاعة في حراسة الناقل اثناء الطيران أو في اثناء وجود الطائرة في احد المطارات أو في أي مكان تهبط فيه، كما ان المادة (203) تجاري قد جعلت المسؤولية على الناقل عن الضرر الناجم عن تأخير وصول الراكب أو الأمتعة أو البضائع حيث نصت على ان (يسأل الناقل الجوي عن الضرر الذي يترتب على التأخير في وصول الراكب أو الأمتعة أو البضائع، ولا عبرة لما أثارته المدعى عليها من إعفائها من المسؤولية نتيجة القوة القاهرة وهي حرب صيف  1994م استناداً إلى ما ورد في المادة (204) تجاري التي نصت على انه (يعفى الناقل الجوي من المسؤولية اذا ثبت انه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر أو انه كان من المستحيل عليهم اتخاذها) وحيث ان المدعى عليها لم تقدم أي دليل على قيامها باتخاذ أي تدبير لتفادي ضياع البضاعة أو تلفها أو استحالة قيام المدعى عليها بأي تدابير في تلك الظروف للمحافظة على البضاعة) فلم تقبل شركة الطيران المدعى عليها بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه، الا ان الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف وأيدت الحكم الابتدائي (وحيث تبين ان البوليصة هي عقد شحن البضاعة قد حددت الوجهة المتفق على وصول البضاعة اليها وهي مطار عدن وحيث انه من الثابت ان الطائرة التي كانت تنقل البضاعة قد هبطت بمطار الريان بحضرموت بدلا عن مطار عدن وحيث ان شركة الطيران لم تقدم ما يفيد إخطارها المرسل اليه بوصول البضاعة الى مطار الريان حتى يكون تاريخ الإخطار هو التاريخ الذي تحتسب على أساسه مدة التقادم وحيث ان المدعي المستأنف ضده قد تقدم  بمذكرات عدة الى الشركة المدعى عليها والى وزارة النقل وغيرها تتضمن مطالباته بتسليمه البضاعة أو تعويضه عنها منذ تاريخ فقدان بضاعته وقد ورد على تلك المطالبات تأشيرات الجهات المعنية بوصول تلك المطالبات اليها فهذه المطالبات تقطع التقادم، ولا يفيد المستأنفة تمسكها بالظروف.الطارئة نتيجة الحرب لان القانون اشترط للإعفاء من  المسؤولية ان تكون الشركة قد قامت باتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر ولما كان من الثابت ان المستأنفة لم توصل البضاعة الى وجهتها وهي مطار عدن بل الى مطار الريان ولم تقم بإخطار المستأنف ضده بان بضاعته موجودة في مطار الريان ولم تثبت انها اتخذت التدابير اللازمة من خزن البضاعة والمحافظة عليها ولذلك فان المستأنفة تتحمل المسئولية الكاملة المقررة في المادتين (200 ، 202) تجاري و المقررة ايضا في المادتين (18 ، 19) من اتفاقية وارسو وتعديلاتها التي اكدت ان مسئولية الناقل مسؤولية شخصية في نقل البضائع والمحافظة عليها وحددت هذه المسؤولية على أساس الخطأ المفترض من الناقل باعتبار ان الناقل له هيمنة وسيطرة مطلقة على البضائع التي ينقلها) فلم تقبل شركة الطيران بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة التجارية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي؛ وقد تضمن حكم المحكمة العليا الأسباب ذاتها الواردة في الحكمين الابتدائي والاستئنافي وخلاصة اسباب حكم المحكمة العليا (من خلال رجوع الدائرة الى اسباب الحكمين الابتدائي والاستئنافي فقد وجدت ان التزام الناقل بتحقيق نتيجة وهي وصول البضاعة الى الجهة المتفق عليها وهو مالم تقم به الطاعنة، كما ان التمسك بالتقادم لا يفيد الطاعنة التمسك به لان مطالبات المطعون ضده ظلت تقطعه باستمرار منذ فقدانه لبضاعته ، كما ان الطاعنة لا تملك إعفائها من المسؤولية بعذر الحرب او الظروف الطارئة لان الطاعنة لم تثبت قيامها بالتدابير اللازمة للمحافظة على البضاعة وتفادي تلفها او فقدانها او تضررها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التزام الناقل بتحقيق نتيجة وليس بذل غاية :

من المقرر وفقاً للقانون التجاري واتفاقية فارصوفيا  (وارسو) ان التزام الناقل للأشخاص والاشياء هو التزام بتحقيق نتيجة وليس بذل عناية فيجب على الناقل الوفاء بالتزامه العقدي وهو وصول البضاعة سليمة الى الجهة المتفق عليها وتسليمهاالى صاحبها.

الوجه الثاني : عقد النقل الجوي :

اشار الحكم محل تعليقنا الى ان بوليصة الشحن هي عقد النقل الجوي فيما بين مالك البضاعة وبين الناقل الجوي وان استلام صاحب البضاعة للبوليصة إيذان ببدء سريان عقد النقل ونفاذ التزاماته بما في ذلك ضمان وصول البضاعة الى الجهة المتفق عليها في البوليصة وان هذا الالتزام يضل سارياً حتى استلام صاحب البضاعة لها، فالناقل الجوي ضامن سلامة البضاعة اثناء توقف الطائرة في مطار الاقلاع واثناء طيرانها في الجو وعند هبوطها في مطار الوصول ولا تنتهي مسؤوليته الا بتسليم البضاعة الى المرسل اليه حسبما ورد في الحكم.

الوجه الثالث: مسؤولية الناقل الجوي والخطا المفترض :

 من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قرر مسؤولية الناقل الجوي عن ضياع الامتعة او البضاعة المشحونة بالطائرة لانه ملتزم بتحقيق نتيجة وهي وصول البضاعة سليمة الى الوجهة المتفق عليها وتسليمها الى المرسل اليه فان لم تتحقق هذه النتيجة فان الناقل الجوي يكون مسوولا عن تعويض صاحب البضاعة او الامتعة على اساس ان  هناك خطا  افترض القانون وقوعه من الناقل لان البضاعة بعهدته وتحت امرته وحراسته وهيمنته يستطيع حفظها او التفريط فيها او اهمالها.

الوجه الرابع : تقادم مسئولية الناقل الجوي :

لاحظنا ان شركة الطيران قد دفعت امام محكمة الموضوع بتقادم مسؤوليتها وفقاً لاتفاقية وارسوا بمضي مدة سنتين من تاريخ وصول الطائرة الناقلة الى جهتها المتفق عليها الا ان المحكمة رفضت دفعها لان المدعي ظل يطالب ببضاعته أو تعويضه خلال الفترة السابقة للمطالبة القضائية عن طريق الدعوى بل ان هذا الدفع كان بمثابة اعتراف من شركة الطيران بمسؤوليتها لان هذا الدفع يفيد وجود الحق الا ان الدافع يذكر انه قد تقادم الزمن عليه كما ان هذا الاقرار يبطل التقادم ذاته حسبما ورد في القانون المدني الذي استند اليه الحكم محل تعليقنا.

الوجه الخامس : تأثير القوة القاهرة على مسؤولية الناقل الجوي :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان شركة الطيران قد تمسكت بالقوة القاهرة وهي حرب صيف 1994م في اليمن حيث طلبت من المحكمة تطبيق عذر القوة القاهرة الذي يعفيها من المسئولية الا ان الحكم محل تعليقنا لم يقبل ذلك لان شركة الطيران لم تقدم اية أدلة على انها وموظفيها قد قاموا باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتفادي الضرر على البضاعة أو فقدانها واقصى ما قدمته شركة الطيران انها حولت اتجاه الطائرة من عدن حيث كان القتال يدور فيها الى المكلا التي لم تشهد اية اعمال حربية وهذا دليل على ان البضاعة كانت في مأمن من اخطار اعمال الحرب أو القوة القاهرة طالما وقد هبطت في مطار الريان الا ان شركة الطيران لم تقم باخطار صاحب البضاعة بانها حولت مسار الطائرة الى المكلا باعتبار ان تاريخ هذا الاخطار لو تم سيكون اساساً لبدء احتساب مدة تقادم مسؤولية الناقل الجوي، والله اعلم.