مرور انابيب الماء في أرض الغير
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قد تكون آبار الماء في مناطق بعيدة عن الأرض المراد سقيها فيحتاج صاحب الأرض المراد سقيها إلى ان يمد انبوب الماء عن طريق الأراضي الفاصلة بين أرضه وبئر الماء فيحدث الخلاف لاسيما ان هذه المسألة من المسائل المستجدة المعاصرة التي لم تتناولها كتب الفقه القديمة وكذا لم تعالجها الأعراف القديمة، ولذلك فقد اخترنا الاشارة إلى هذه المسالة في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6/2/2018م في الطعن رقم (60319) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مزارعاً تقدم بشكوى إلى النيابة العامة مفادها :ان جاره في المزرعة قام بمد انابيب بلاستيك في ارضه فقامت النيابة بإحالة القضية إلى المحكمة الابتدائية متهمة صاحب الانبوب بجريمة الاعتداء على ملك الغير وانضم المجني عليه صاحب الأرض إلى النيابة العامة مطالباً بإزالة الانبوب وتعويضه، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى إدانة المتهم ومعاقبته بالحبس مدة ستة اشهر مع وقف التنفيذ وإزالة الانبوب من أرض الغير وإلزامه بدفع مبلغ مائتي الف ريالاً مصاريف تقاضي، في حين قضت الشعبة الجزائية بإلغاء الحكم الابتدائي ،وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين للشعبة ان قيام المستأنف بمد قصبة ماء ثلاثة هنش في أرض جاره المستأنف ضده لا يوصف بأنه إعتداء على ملك الغير فلم يقصد المستأنف تملك الأرض التي يمر بها الانبوب ولذلك فقد انتفى القصد الجنائي فلم تكتمل اركان جريمة الاعتداء على ملك الغير كما ان العادة والعرف المتبع في المنطقة الزراعية التي توجد بها أرض المستانف ضده يجيز للمزارعين تمرير انابيب المياه من اراضي جيرانهم بإعتبار ذلك سلفاً وعرفاً شريطة عدم تضرر صاحب الأرض التي يمر الانبوب فيها وان يتم دفن الانبوب تحت الأرض حتى لا يعيق محراث الحراثة او غيره حسبما ورد في شهادة الشهود وإفادة مشائخ محل...،،فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً)، وبعد ذلك أقرت الدائرة الجزائية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة ان نعي الطاعن غير سديد، حيث ان ما عللت به الشعبة في حكمها قد جاء مستوفياً فقد استدلت بما هو معمول به في عرف المديرية حيث ان عرف المزارعين في المديرية قد جرى على ان يسمح الجار لجاره بمرور انبوب المياه شريطة عدم الاضرار بصاحب الأرض التي تمر بها الانابيب) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : مرور انابيب المياه في أرض الغير في القانون المدني :
يجيز القانون المدني ذلك حيث نصت المادة (1369) مدني على أنه (على صاحب الأرض المتوسطة بين منبع مورد الماء والأرض التي تروى منه ان يسمح بمرور الأنابيب الحديدية وغيرها اللازمة لوصول الماء مع مراعاة ما نصت عليه المادة (1368) ولصاحب الأرض الانتفاع بهذه المنشأت بأذن مالكها على ان يشارك في مصاريف إقامتها وان يدفع مقابل الانتفاع بها بنسبة ما يعود عليه من نفع) وقد اشار هذا النص إلى المادة (1368) التي نصت على احقية مالك الأرض التي يمر بها الانبوب في التعويض وانه يشترط أن لايترتب على مرور الانبوب الإخلال بانتفاع صاحب الأرض بارضه واحقية صاحب الأرض بالتعويض اذا ترتب على مرور الانبوب ضرر فعلي بالأرض التي يمر بها الانبوب .
الوجه الثاني: مرور الانابيب والتمديدات المؤقتة:
المح الحكم محل تعليقنا إلى جواز التمديدات المؤقتة في أرض الغير، وقد صرحت بجواز ذلك المادة (1369) مدني السابق ذكرها ،والتمديدات المؤقتة هي انابيب المياه واسلاك الكهرباء والهاتف والانترنت...الخ، فهذه التمديدات مؤقتة بحسب طبيعتها كما انها لا تفيد ملكية صاحب الانبوب للأرض التي يمر بها علاوة على ان ذلك لا يكسب صاحب الانبوب حق إنتفاع دائم في الأرض التي يمر بها، إضافة إلى ان مرور الانابيب مشروط بعدم تضرر صاحب الأرض من وجودها حسبما نصت عليه المادة (1368) مدني، وبما ان هذه التمديدات مؤقتة فأنها لا تحد من تصرف صاحب الأرض في أرضه،فاذا أحتاج مالك الأرض الى إصلاح الارض أو تسويتها أو حفرها فان صاحب الانبوب هو الذي يتحمل تكاليف نزع الانبوب أو نقله وإعادة تركيبه.
الوجه الثالث: مرور الانابيب في أرض الغير بحسب العرف:
اعتمد الحكم الاستئنافي في قضائه بان مرور الانابيب في أرض الغير لا يعد جريمة إعتداء على ملك الغير اعتمد الحكم في ذلك على شهادات الشهود الذين افادوا في شهاداتهم بان العرف الجاري في المنطقة قد استقر على جواز مرور الانابيب في أرض الغير شريطة ان تكون مدفونة لا يصل اليها محراث الحراثة عند حراثة الأرض، كما اعتمد الحكم أيضاً على إفادة من مشائخ المنطقة تضمنت المعنى الوارد في شهادات الشهود، واعتبر الحكم الاستئنافي جريان العرف على جواز مرور الأنابيب في أرض الغير يندرج ضمن قاعدة المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً التي تدل على جواز الاستناد إلى الاعراف المستقرة السائدة المشروعة، والله اعلم.