وضع خزانات المياه في الشوارع

 

وضع خزانات المياه في الشوارع

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

مع انقطاع مياه الشرب عن المنازل لفترات متباعدة  فان غالبية السكان يشترون عدة خزانات أو خزان كبير ويضعونها في الشوارع والممرات المجاورة لمساكنهم ؛ ولكثرة هذه الخزانات فقد ترتب على ذلك تضييق الشارع ومضايقة المارة والانتقاص من منفعة الشارع العام باعتباره ملكا عاما مخصصاً للمنفعة العامة ، ولا ريب ان الشريعة الإسلامية تمنع هذا السلوك الذي يعد اعتداءً سافراً على حقوق المشاة والسيارات في الشوارع العامة كما ان القانون يمنع هذا السلوك ، الا ان ثقافة الفساد جعلت المنكر مألوفاً حيث صار الناس يعتقدون ان من حقهم وضع خزانات المياه في الشوارع إلى جوار منازلهم وان تلك المساحة الملاصقة لدورهم مخصصة لهم للانتفاع بها بأية طريقة يرونها بما في ذلك وضع خزانات المياه فيها ، والقيمة العلمية والعملية للحكم محل تعليقنا انه انتصر للقانون في هذه المسألة واظهر دور القضاء في تطبيق مبدأ سيادة القانون ، فهذا الحكم صادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/1/2012م في الطعن الجزائي (43918) لسنة  1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصين متقابلين في منزليهما وضعا خزانات المياه الخاصة بهما كلا الى جوار منزله  في الشارع العام المؤدي إلى منازل اخرى في الشارع فترتب على وجود الخزانين  المتقابلين تضييق الشارع ومضايقة سكان الشارع عند الدخول والخروج بالسيارات من  وإلى منازلهم وكذلك دخول العربات العامة مثل عربية تجميع الزبالة فقام شخصان من سكان الشارع بمطالبة صاحبي الخزانين بنقلهما من موضعيها في الشارع فلم تفلح تلك المساعي الودية حيث ادعى صاحبا الخزانين ان الشارع في ملكهما لانهما أول من قام بالبناء على الشارع وتركا مساحة من أرضهما للشارع ، فقام الشخصان المتضرران من وضع الخزانين في الشارع بتقديم شكوى إلى النيابة العامة التي قامت بالتحقيق مع صاحبي الخزانين حتى توصلت إلى رفع قرار اتهام بشأن فعلهما إلى المحكمة المختصة وقد جاء في قرار الاتهام (بان المذكورين قد اعتدا على الطريق المؤدية إلى منزلي المجني عليهما وذلك بان قاما بوضع خزانات مياه بشكل يعيق الحركة الى منزلي المجني عليهما دون ان يكون للمتهمين حق شرعي أو قانوني الأمر المعاقب عليه بموجب المادة (321) عقوبات وطلبت النيابة من المحكمة توقيع العقوبة المقررة على هذا الفعل) وعند حضور المتهمين إلى المحكمة ادعيا بأن الشارع يقع في أرضهما الا انهما لم يقدما للمحكمة ما يثبت ذلك ، وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في إجراءاتها توصلت إلى الحكم ( بإدانة المتهمين بالتهمة المنسوبة لهما وتغريمهما مبلغ خمسين ألف ريال للخزينة العامة بالنسبة للحق العام وإلزامهما بإزالة الخزانات والعوائق من الطريق المشار اليها وإلزام المتهمين بدفع مصاريف التقاضي مائة الف ريال) وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فالثابت صحة ما نسب الى المتهمين وعجزهما عن إثبات ان الطريق محل النزاع من ضمن أملاكهما مع ان المحكمة قد منحتهما الفرصة الكافية كما ان المتهمين يعترفا بأن تلك المساحة طريق حيث جاء في اجابتهما على قرار الاتهام بانه ليس هناك للمجني عليهما أي حق في الطريق) فلم يقبل المتهمان بالحكم الابتدائي فقاما باستئنافه الا ان محكمة الاستئناف رفضت الاستئناف وأيدت الحكم الابتدائي ، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي ( وحيث تبين من خلال محاضر المعاينة وجلسات المحكمة عجز المستأنفين عن إثبات تملكهما لذلك الممر وان ذلك الممر تماثله ممرات للمجاورين للدخول إلى منازلهم من الطريق العام وحيث ان المستأنفين لم يقدما اي جديد لدى الشعبة يؤثر في قضاء المحكمة الابتدائية مما يتعين معه رفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي) فلم يقبل المتهمان بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( فقد تبين ان الطاعنين قد اثارا في طعنهما المسائل الموضوعية التي سبق لهما اثارتها امام محكمتي الموضوع التي درست تلك المسائل وقضت فيها بحسب اختصاصها كمحكمة موضوع فلا تمتد رقابة المحكمة العليا الى بحث تلك المسائل) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : الوضعية القانونية للشارع العام ورصيفه:

الشارع العام ورصيفه من الاملاك العامة حيث نصت المادة (5) من قانون اراضي وعقارات الدولة على انه (يعتبر من الاملاك العامة كل ماهو مخصص بطبيعته أو تم تخصيصه للمنفعة العامة) فالشارع مخصص للمنفعة العامة وهي مرور المركبات عليها وكذا الرصيف مخصص لمرور المشاة عليه ، وبناءً على ذلك لا يجوز للافراد استعمال الشارع العام ورصيفه في غير ما تم تخصيصه له ؛وان اي استعمال لاي غرض اخر يعد جريمة وفقا للقانون لان ذلك من الافعال المحظورة طبقا للقانون  حيث نصت المادة (52) من قانون البناء على انه (لا يجوز بغير ترخيص من المكتب المختص اشغال الطرق العامة بالاعمال الاتية -3- ترك منقولات خارج المحلات العامة والخاصة أو المصانع والورش والمخازن والمنازل الا للمدد اللازمة للشحن أو التفريغ وبشرط عدم تعطيل المرور أو حركة السير في الشوارع) وهذا النص صريح في منع وضع الخزانات في الشوارع العامة وارصفتها لان الخزانات يتم وضعها بصفة دائمة وليس لمدة محدودة، وفي هذا السياق تقرر الفقرة (2) من المادة (41) من قانون المرور عدم جواز وضع الخزانات أو غيرها في الطريق حيث نصت (على مستعملي الطريق تحاشي ترك اشياء أو مواد على الطريق أو خلق عوائق اخرى مهما كان نوعها) وبين القانون المدني حقوق اصحاب المنازل المطلة على الشوارع العامة وقرر منع تضييق الطريق واوجب عليهم رفع الاشياء التي يضعونها في الشارع بما في ذلك الخزانات حيث نصت المادة (1350) مدني على انه (لكل مالك على طريق عام ان يفتح أبواباً ونوافذ ويقيم ميازيب طبقاً لما تقتضي به القوانين واللوائح ولا يجوز تضييق قرار الطرق العامة النافذة ولا هوائهما بشيء إلا ان يكون ذلك لا يضرر بمصلحة عامة أو خاصة وبتصريح من السلطات الرسمية المختصة) وفي السياق ذاته نصت المادة (1351) مدني على ان (ترفع من الطريق العام الاشياء الضارة بالمرور فيه ولو كانت قديمة) .

الوجه الثاني : الوضعية القانونية للطريق الخاصة :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان المحكوم عليهما قد ادعيا بان الطريق التي وضعا فيها خزاناتهما هي طريق خاصة لان كل منهما ترك المساحة المقابلة من منزله للشارع ولذلك فان أرض الشارع ملك خاص بهما وليست طريق عامة ولكنهما حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا عجزا عن اثبات ذلك ، لان الطريق الخاصة لا يجوز لغير ملاكها حق المرور فيها الا للضرورة حسبما ورد في المادة (1352) مدني التي  نصت على ان (الطريق الخاص كالملك المشترك لمن لهم حق المرور فيه) وتقرر المادة (1353) مدني انه لا يجوز لغير الشركاء في الطريق الخاصة المرور فيها إلا للضرورة حيث نصت هذه المادة على انه (لا يجوز لغير الشركاء في الطريق الخاص فتح ابواب اليه أو المرور فيه ولكن يجوز للمارين في الطريق العام الدخول في الطريق الخاص عند الضرورة)

الوجه الثالث : مضار وضع الخزانات في الشوارع العامة وأرصفتها :

يترتب على وضع الخزانات في الشوارع العامة مضار عدة اهمها تضييق الشارع وتعطيل أو انقاص منفعته وتلويث الشارع بالماء المتسرب من الخزانات مما يسبب وجود مستنقعات تتسبب في نشر الامراض والأوبئة إضافة الى تشويه منظر الشارع العام.

الوجه الرابع : عقوبة وضع الخزانات في الشارع العام :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بتغريم المتهمين مبلغ خمسين الف ريال في الحق العام استنادا الى المادة 321 عقوبات بشان جريمة الاضرار بالمال حسبما ورد في قرار الاتهام  وهذه المادة قررت العقوبة التخييرية الحبس والغرامة  حيث اختار الحكم القضا بالغرامة ؛ ومن الملاحظ ان المادة  321 خاصة بالاضرار بالمال الخاص في حين ان الطريق محل الخلاف طريق عامة بحسب ماتوصل اليه الحكم ؛ولذلك كان ينبغي تطبيق العقوبة المقررة في قانون البناء وهي عقوبة الغرامة على كل من يخالف احكام قانون البناء بالاضافة الى ازالة المخالفة على نفقة المخالف، والله اعلم.