مزاولة الطفل للاعمال التجارية
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - بجامعة
صنعاء
مع ان الشرع والقانون حددا أهلية التصرف الا
ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تحتم على المواطنين الاستعانة
بالاطفال في القيام بالكثير من الاعمال والتصرفات ومنها الاعمال التجارية ، بل ان
كثيراً من الاطفال يعملون في التجارة باسمائهم ولحسابهم وباموالهم ومن ارباح عملهم التجاري ينفقون على انفسهم
واهليهم في احيان كثيرة ، ولذلك تتجاهل بعض القوانين والاتفاقيات الدولية هذه
الخصوصية في اليمن ، فظهرت دراسات دولية أو ممولة دولياً تتناول عناوين مثل عمالة
الاطفال والاتجار بالاطفال وجنوح الاحداث وغيرها من المسميات ، ولا ريب ان احكام
اهلية الطفل في الشريعة والقانون قد استهدفت المحافظة على الطفل وماله ومصالحه وفي
الوقت ذاته المحافظة على اموال ومصالح المتعاملين مع الطفل ، ولا شك انه تترتب على
تصرفات الطفل مخاطر واضرار على غيره من المتعاملين معهم ومسئولية ولي الطفل عنها ،
وقد تناول الحكم محل تعليقنا هذه المسألة المهمة وهو الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/3/2011م في الطعن المدني
رقم (43387) لسنة 1431م وتتلخص وقائع القضية التي تناولها الحكم ان طفلاً يبلغ من
العمر ثلاثة عشر سنة كان ياخذ بضاعة من تاجر جملة ويقوم ببيعها وعندما ينتهي من
ذلك يقوم بسداد قيمتها الى تاجر الجملة ؛ وبعد فترة وصلت مديونية الطفل التاجر الى
ما يقارب مليوني ريال عجز عن سدادها فقام تاجر الجملة برفع دعوى على والد الطفل
امام المحكمة المختصة حيث قدم والد الطفل دفعاً بعدم توجه الدعوى اليه لانعدام صفته في النزاع ؛ لان
التعامل كان خاص فيما بين تاجر الجملة والطفل وليس لوالد الطفل علاقة أو صفة بهذه
التعاملات ، وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءتها حتى توصلت الى الحكم بثبوت
ولاية والد الطفل عليه باعترافه بانه ليس أهلاً للتصرف والزام والد الطفل بسداد
مديونية الطفل المتبقية لتاجر الجملة وهي مبلغ مليون وسبعمائة ألف ريال بالاضافة
الى مبلغ عشرين الف ريال مصاريف التقاضي ، فلم يقبل والد الطفل بالحكم الابتدائي
فقام باستئنافه الا ان محكمة الاستئناف رفضت الاستئناف وايدت الحكم الاستئنافي ،
فلم يقبل والد الطفل بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض في الحكم ، وقد قبلت
المحكمة العليا الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة
العليا انه (تبين ان المدعي المطعون ضده حالياً طلب من محكمة أول درجة في دعواه
الزام المدعى عليه الطاعن حالياً بتسديد الدين الثابت بذمة ولده باعتباره الولي
الشرعي لولده وقد دفع المدعى عليه بعدم قبول الدعوى لعدم الصفة في مواجهته ، وقد
اصدرت محكمة أول درجة حكماً قضى بثبوت ولاية المدعى عليه على ابنه باعترافه ان
ابنه غير اهل للتصرف والزامه بدفع المبلغ المدعى به وايدت محكمة الاستئناف حكم
محكمة أول درجة معللة ذلك ان ولد الطاعن يعمل عند والده وهو تابع له ولم يكن له
تجارة خاصة به لان المستأنف الطاعن بالنقض حالياً لم يستطع اثبات ان تجارة ابنه
مستقلة عن تجارته ويعد هذا التعليل مخالف لاحكام الشرع وقواعد الاثبات
فالمعلوم ان البينة تجب على المدعي ولا
تلزم المدعى عليه فالمستندات المقدمة من المدعي اثبتت ان التعامل قد تم باسم ولد
المدعى عليه وان الدين ثابت بذمته والقول بان الولد يعمل في تجارة والده يحتاج الى
دليل وهو مالم يتوفر الامر يجعل الحكم معيباً يتعين نقضه) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الاتية :
الوجه الأول : الأهلية المدنية والاهلية التجارية :
قرر القانون المدني الاهلية المدنية ببلوغ
الشخص سن الخامسة عشر حتى يكون اهلاً لمباشرة التصرفات المدنية حسبما ورد في
المادة (50) مدني التي نصت على ان (سن الرشد خمس عشرة كاملة اذا بلغها الشخص
متمتعاً بقواه العقلية رشيداً في تصرفاته يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية
والتصرف فيها) اما الاهلية التجارية اللازمة لمباشرة الاعمال التجارية فهي بلوغ
الشخص سن الثامنة عشر حسبما ورد في المادة (23) التي نصت على ان ( كل يمني يبلغ
الثامنة عشر ولم يقم به مانع شرعي أو قانوني يتعلق بشخصه أو بنوع المعاملة
التجارية التي يباشرها يكون أهلاً للاشتغال بالتجارة) ولخطورة الاعمال التجارية
وتكرارها وجسامة مبالغها فقد حدد لها القانون اهلية خاصة اعلى من سن الاهلية
المدنية ، ومن خلال استقراء المادة (23) تجاري التي حددت سن الاهلية لمباشرة
الاعمال التجارية فلا يجوز لكل من لم يبلغ سن الثامنة عشرة مزاولة العمل التجاري.
الوجه الثاني : انواع النشاط التجاري التي يباشرها الاطفال في اليمن :
هناك
فرق من الناحية الشرعية والقانونية
بين ان يزاول الطفل العمل التجاري باسمه ولحسابه وبين ان يزاول الطفل العمل
التجاري مساعداً لابيه او عمه أو خاله أو غيرهم ، ففي حالة مساعدة الطفل يكون
الطفل في هذه الحالة مجرد عامل أو مستخدم لدى صاحب العمل وهذه الفئة هي المقصودة بعمالة الاطفال التي يتم التعاطي معها
في اليمن دون مراعاة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في اليمن حيث ان
الطفل يعمل مساعداً أو معاوناً لابيه ولا حرج في ذلك شرعاً بل ان ذلك واجب شرعي
لتعويد الاطفال وتدريبه على العمل عملاً بقوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} بمعنى اختبروهم ودربوهم ، اما الحالة
الثانية وهي حالة قيام الطفل بمزاولة العمل التجاري باسمه ولحسابه وبماله الخاص
فهذه الحالة يمنعها القانون حسبما سبق بيانه في الوجه الأول لعدم اكتمال الاهلية
التجارية وعدم صحة تصرفات الطفل لانه ليس اهلاً لابرام التصرفات من بيع وشراء وقرض
واقتراض ولكن ذلك لا يعني اهدار اموال الطفل التي يتاجر بها فان كل من يتعامل مع
الطفل بيعاً وشراءً وغيره ملزماً بالوفاء بالتزاماته ومسئولياته تجاه الطفل وعدم
الغبن وعدم الاضرار أو الانتقاص لاموال وحقوق الطفل اما الطفل المزاول للنشاط
التجاري فلا يكون مسئولاً عن اية تبعات او مسئوليات مترتبة على نشاطه التجاري
وانما يكون وليه الشرعي هو المسئول عن ذلك.
الوجه الثالث : الانشطة والاعمال التجارية التي يزاولها اطفال اليمن غالباً :
المقصود بهذه الانشطة التجارية التي يزاولها
الطفل باسمه وحسابه وبماله الخاص ، فالانشطة الغالبية التي يباشرها الاطفال في
اليمن تكون اعمال تجارية بسيطة كبيع الفواكه والخضروات واللعب ويباشرها الاطفال
اما كباعة متجولون أو على بسطة في الشارع أو
عربية يد وهذه الاعمال تعد من الاعمال التجارية المنصوص عليها في المادة (9) تجاري
الا ان القانون التجاري استثنى هذه الاعمال من الخضوع لبعض الالتزامات المقررة على
التجار عامة حيث نصت المادة (22) على ان (الافراد الذي يزاولون حرفة بسيطة أو
تجارة صغيرة ويعتمدون فيها على عملهم للحصول على ارباح قليلة لتأمين معيشتهم اكثر
من اعتمادهم على راس مال نقدي كالباعة المتجولين واصحاب الحوانيت الصغيرة لا
يخضعون لواجبات التجار الخاصة بالدفاتر التجارية وبالقيد في السجل التجاري وبأحكام
الافلاس والصلح الواقي).
الوجه الرابع مسئولية الولي الشرعي للطفل عن التبعات المترتبة على مزاولة الطغل للنشاط التجاري :
باعتبار الطفل غير اهلاً لمزاولة النشاط التجاري وغير مكلف شرعاً فانه لا يسأل عن كافة التبعات والمسئوليات المترتبة على مزاولته للاعمال التجارية ، الا ان هذه المسئولية تنتقل من عاتق الطفل الى عاتق الولي الشرعي للطفل ، على اساس ان الولي مسئول وضامن لكل ما يقوم به الطفل من افعال وتصرفات عملاً بالمادة (311) مدني التي نصت على ان (كل من تولى بنص او اتفاق رقابة شخص في حاجة الى رقابة بسبب قصر سنه او حالته العقلية او الجسمية يكون ملزماً في ماله بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع واذا لم يكن له مال فيكون التعويض من مال الشخص الذي يتولى رقابته ويعد القاصر في حاجة الى رقابة اذا لم يدرك سن البلوغ ويستطيع المكلف بالرقابة ان يتخلص من المسئولية اذا ثبت انه قام بواجب الرعاية او ثبت ان الضرر كان لابد واقعاً بامر غالب ولو قام الولي بما ينبغي عليه من العناية)، والله اعلم.