متى تختص المحكمة الابتدائية بنظر القضايا العمالية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
هناك
محافظات لا توجد فيها لجان تحكيمية
عمالية، في حين يقرر قانون العمل أن الاختصاص بنظر القضايا العمالية ينعقد للجان
التحكيمية العمالية، ولذلك فان هناك إشكالية بالنسبة للمحافظات التي لا توجد بها
اللجان التحكيمية العمالية، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/7/2007م في الطعن الاداري
رقم (30734) لسنة 1427هـ ، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن احد
اصحاب المستوصفات الطبية الخاصة في عاصمة أحدى المحافظات قام برفع دعوى أمام
المحكمة الابتدائية لعدم وجود لجنة تحكيمية عمالية حيث أدعى صاحب المستوصف بأنه
تعاقد مع الطبيبة للعمل بالمستوصف لمدة خمس سنوات وقد تركت الطبيبة العمل من دون
اخطار واشعار لصاحب المستوصف حيث قامت الطبيبة بالعمل في مستوصف أخر بالمدينة
ذاتها، وقد حكمت محكمة أول درجة على الطبيبة بدفع مبلغ أربعمائة الف ريال تعويض
مقابل الشرط الجزائي المذكور في العقد بالإضافة إلى تعويضات أخرى للمستوصف، فلم
تقبل الطبيبة بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه وذكرت في استئنافها أن المحكمة
الابتدائية ليست مختصة بنظر النزاع لان العقد المبرم فيما بينها وبين المستوصف هو
عقد عمل والمنازعة بشانه منازعة عمالية
تختص بنظرها اللجنة التحكيمية العمالية وفقاً للمادة (136) من قانون العمل، وقد
قبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي،وقد ورد في اسباب
الحكم الاستئنافي ان( المحكمة الابتدائية
ليست مختصة بنظر القضية العمالية لان ذلك يخالف ما ورد في المواد من (128 إلى 143)
من قانون العمل لان الاختصاص يتعلق بالنظام العام فكان علي أن تقضي بعدم اختصاصها من تلقاء ذاتها بحكم
مستقل وقبل الحكم في الموضوع وفقاً للمادتين (185 و 186) مرافعات ) فلم يقبل صاحب
المستوصف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة الادارية الطعن بالنقض وقضت بنقض
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (أنه برجوع الدائرة إلى
حكم المحكمة الابتدائية وحكم الشعبة الاستئنافية وما ورد في أوراق القضية فقد تأكد
للدائرة أن المحكمة الابتدائية ذات ولاية عامة منحها القانون الاختصاص بالحكم
ابتدائياً في جميع الدعاوى التي ترفع اليها أياً كانت قيمتها أو نوعها عملاً
بأحكام المادة (89) من قانون المرافعات خاصة أنه لا توجد لجنة تحكيمية في المحافظة
للفصل في المنازعات العمالية، وبناءً على ذلك فلا محل للخوض في الاختصاص طالما لا
توجد لجنة في المحافظة للفصل في المنازعات العمالية ولذلك يبقى الاختصاص منعقداً
للمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة بحسب الاصل ،ولذلك فان الحكم الاستئنافي قد
جانب الصواب في قضائه بعدم الاختصاص النوعي مما يصمه بالبطلان) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسب ماهو مبين في الوجوه الأتية :
الوجه الأول : اختصاص اللجنة التحكيمية العمالية بالقضايا العمالية (التحكيم الاجباري) :
تقرر
المادة (131) من قانون العمل على أن يتم تشكيل لجان تحكيمية عمالية في أمانة
العاصمة وسائر محافظات الجمهورية بقرار من وزير العمل، في حين نصت المادة (132) من
القانون ذاته على أن تختص لجان التحكيم بنظر المنازعات والخلافات الناشئة فيما
بين العمال واصحاب الاعمال، وفي السياق
ذاته تنص (140) عمل على أن تنشاء بمحاكم الاستئناف في أمانة العاصمة وسائر محافظات
الجمهورية وفقاً لقانون السلطة القضائية شعبة تسمى (شعبة قضايا العمل للفصل في
الطعون بقرارات لجان التحكيم العمالية، ومن خلال هذه النصوص نجد أنها نصوص خاصة
وردت في قانون العمل بصفة استثنائية من
القانون العام للقضاء والتقاضي وهو قانون المرافعات المدنية وقانون السلطة
القضائية ،ومعلوم أن الخاص مقدم عند التطبيق على العام، كما أن الاستثناء لا يتوسع
فيه ولا يقاس عليه، إضافة إلى أن وزير العمل لم يصدر قراراً بتشكيل اللجنة
التحكيمية العمالية في المحافظة التي حدث فيها النزاع العمالي فيما بين الطبيبة
والمستوصف، وبناءً على ذلك فلا وجود للجنة التحكيمية العمالية التي كان من المفترض
أن تفصل في النزاع فيما بين الطبيبة والمستوصف، وهذا الوضع يعني عدم وجود هيئة
لنظر القضايا العمالية بصفة خاصة مما يجعل المحكمة الابتدائية صاحبة الولاية
العامة هي المختصة قانوناً بنظر هذا النزاع.
الوجه الثاني : الولاية العامة للمحكمة الابتدائية تجعلها المختصة عند عدم وجود اللجنة التحكيمية العمالية :
تنص
المادة (89) مرافعات على أن (تختص المحاكم الابتدائية بالحكم ابتدائياً في جميع
الدعاوى التي ترفع اليها أياً كانت قيمتها أو نوعها) فهذا النص يصرح بالولاية
العامة للمحكمة الابتدائية بالفصل في جميع القضايا أياً كانت قيمتها أو نوعها،
فالمحكمة الابتدائية بموجب هذا النص هي صاحبة الولاية والاختصاص العام بنظر كافة
القضايا بما فيها القضايا العمالية ، وفي السياق ذاته يقرر قانون السلطة القضائية
صراحة الولاية العامة للمحاكم الابتدائية حسبما ورد في المادة (47) التي تنص على
أن (تكون للمحكمة الابتدائية الولاية العامة للنظر في جميع القضايا) وبموجب النصوص
القانونية السابق ذكرها فان المحاكم الابتدائية لها الولاية العامة في نظر كافة
القضايا والدعاوى بصرف النظر عن نوعها أو قيمتها فالمحاكم الابتدائية صاحبة
الولاية الأصلية، فاذا قرر أي قانون استحداث محكمة نوعية أو لجنة تحكيمية للفصل في
نوع معين من القضايا فان ذلك يكون من قبيل الاستثناء من الأصل أو من الولاية
العامة، بل أن المحاكم الابتدائية تظل تمارس ولايتها العامة أذا لم يتم فعلاً
انشاء أو تشكيل المحكمة النوعية أو اللجنة التحكيمية باعتبار المحاكم صاحبة
الولاية العامة فهناك قوانين كثيرة تنص على تشكيل محاكم تأمينات ومحاكم ضريبية
وشعب استئنافية عمالية ...الخ ولم يتم تشكيلها بالفعل ولذلك فان الفصل في تلك
المسائل النوعية يظل للمحاكم الابتدائيةصاحبة الولاية العامة.
الوجه الثالث : قيام اللجنة التحكيمية العمالية باصدار أوامر الحجز وغيرها من الاعمال الولائية :
يدور في
اليمن وغيرها جدل واسع بشأن اختصاص اللجان التحكيمية العمالية باصدار الاوامر
الولائية وقرارات الحجز التحفظي والتنفيذي ومباشرة إجراءات التنفيذ لقراراتها، حيث
يذهب اتجاه قوى الى انه لا يجوز للجان التحكيمية مباشرة تلك الاجراءات لان التحكيم
الاجباري يقتصر اثره على إلزام واجبار المتنازعين في القضايا والمنازعات العمالية
على اللجوء إلى هذه اللجان، ولذلك لا يجوز لهذه اللجان اصدار قرارات الحجز
والأوامر على عرائض وغيرها وقرارات التنفيذ فلا يحق ذلك الا بواسطة المحكمة
المختصة أصلا بنظر النزاع ً صاحبة الولاية العامة ، ويذهب اتجاه ثان الى ان اللجان
التحكيمية العمالية يجوز لها أن تصدر تلك القرارات وان تباشر تلك الاجراءات لان
التحكيم الاجباري قد أصبغ عليها صبغة المحكمة، ونحن نميل إلى اختيار الاتجاه الأول
(التحكيم الاختياري والاجباري، استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء
ص185)، والله اعلم.