نطاق تطبيق مأذونية الأوقاف

 

نطاق تطبيق مأذونية الأوقاف

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

مقابل مأذونية الأوقاف تثير إشكاليات عدة من حيث مجال تطبيقه ، إضافة إلى ان بعض المهتمين والمعنين لا يدركون الغرض من تحصيل الأوقاف لمقابل المأذونية ، ولذلك تحدث النزاعات والخلافات وتطول إجراءات التقاضي ، ولذلك فان هذا الموضوع يحتاج إلى التوعية بشأنه ولفت الأنظار إليه وذلك في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/1/2012م في الطعن التجاري رقم (47171) لسنة 1433هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد التجار المستاجرين من الأوقاف قام بالتنازل عن الدكان المؤجر له إلى تاجر اخر من غير أذن مكتب الأوقاف فقام المكتب برفع دعوى أمام المحكمة التجارية ضد التاجرين المتنازل والمتنازل إليه طالب المكتب  فيها بإخلاء العين وتسليم الإيجارات السابقة لان القانون والعقد يقررا عدم جواز التنازل للغير عن عقد الايجار او العين الموجرة  ؛ فرد المدعى عليهما بان مكتب الأوقاف كان على علم بالتنازل وانه قد وافق شفوياً على تجديد عقد الإيجار مع المتنازل إليه وان المتنازل والمتنازل اليه  كانا قد اتفقا مع المكتب على الإيجار إلا انهما اختلفا على مقدار المأذونية المستحقة للأوقاف مقابل التنازل ؛ وقد احضر المدعى عليهما الشهود على ذلك ، وخلصت المحكمة الابتدائية إلى الحكم ( بإلزام مكتب الأوقاف بإبرام عقد إيجار مع المتنازل إليه بالشروط ذاتها التي تضمنها عقد الإيجار مع المتنازل ماعدا مبلغ الإيجار فيتم رفعه إلى أربعة وعشرين ألف ريال مثل إيجار المحلات المجاورة وتسليم مكتب الأوقاف مبلغ الإيجارات المودعة في خزينة المحكمة وقدرها ستمائة وأربعة وعشرون ألف ريال وإلزام المتنازل والمتنازل اليه بدفع مبلغ أربعمائة ألف ريال مناصفة بينهما وذلك إلى مكتب الأوقاف تعويضا للأوقاف لقيامهما  بإتمام التنازل وتسليم العين إلى المتنازل اليه من غير موافقة الأوقاف وكل طرف يتحمل مصاريفه في التقاضي) وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي ( ان عقد الإيجار كان قد انتهى مع المتنازل لان مدته عامين فقط ؛ولذلك فان التنازل كان أصلاً عن الحق في تجديد عقد الإيجار وليس عن عقد الإيجار ذاته ، فكان على المتنازل والمتنازل اليه الذهاب إلى مكتب الأوقاف لاستكمال الإجراءات وإبرام العقد مع المتنازل اليه فقيام المتنازل بتسليم العين إلى المتنازل اليه خلاف عقد الإيجار الذي يلزم المستاجر برد العين المؤجرة عند انتهاء العقد إلى مكتب الأوقاف ولذلك فيلزمهما تعويض الوقف ، كما انه قد ثبت للمحكمة من خلال اقوال الشهود أن مفاوضات قد جرت مباشرة بين مكتب الأوقاف والمتنازل اليه ولكن هذه المفاوضات تعثرت حينما طلب مكتب الأوقاف من المتنازل اليه سداد مقابل المأذونية حيث رفض المتنازل اليه دفع المبلغ الذي طلبه مكتب الأوقاف وقال المتنازل اليه  ان ذلك المبلغ كبير ؛ ولذلك فان مكتب الأوقاف لم يتعامل أساساً مع المتنازل اليه على انه غاصب للعين ، وحيث ان القانون المدني في المادة (777) حدد الحالة التي يتم فيها استيفاء مقابل مأذونية بما لا يزيد على ربع قيمة الأرض في استئجار الأرض الموقوفة لغرض البناء عليها ولم ينص على مقابل مأذونية في حالة التأجير للانتفاع في المباني والمعمورات وكذلك الحال في قانون الوقف ولائحة تأجير الوقف ) فلم يقبل مكتب الأوقاف بالحكم الابتدائي فقام باستئناف الحكم الذي لم يقض للوقف بمقابل المأذونية أو يحكم بإخلاء العين بحسب ما قرر القانون وعقد الإيجار ، وقد توصلت محكمة الاستئناف إلى تأييد الحكم الابتدائي مع إضافة فقرة تقضي (بإلزام المتنازل اليه بدفع مبلغ مليون ريال كمأذونية لمكتب الأوقاف طبقاً للقانون واللوائح الداخلية للأوقاف وتحدد هذه الشعبة المأذونية بمبلغ مليون ريال يمني )حسبما ورد في منطوق الحكم ألاستئنافي ، فلم يقبل مكتب الأوقاف والمتنازل اليه بالحكم ألاستئنافي فقام الطرفان بالطعن بالنقض ، فقبلت المحكمة العليا طعن المتنازل اليه ونقضت جزئياً الحكم  وهي الجزئية المتعلقة بالماذونية ، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا ( وبالاطلاع على الحكم ألاستئنافي نجد ان الشعبة التجارية قضت بإلزام الطاعن بدفع مبلغ مليون ريال كمأذونية حسب القانون واللوائح الداخلية للأوقاف كما جاء في أسباب الحكم ألاستئنافي ولم تبين الشعبة ما هو القانون الذي استندت اليه في هذا القضاء مما يعد قصوراً في التسبيب وفقاً للمادة (231) مرافعات مما يستوجب نقض حكمها جزئياً والإعادة اليها للفصل في خصومة الاستئناف بشان هذه الجزئية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : ماهية المأذونية المشار اليها في الحكم محل تعليقنا وأغراض هذه المأذونية:

أصل المأذونية من اسمها هي عبارة عن الوثيقة النمطية التي تصدرها وزارة الأوقاف  التي تتضمن الأذن والتصريح للمستأجر بالبناء على الارض  المؤجرة ؛ فهذه الوثيقة تتضمن ايضا بنود عقد الايجار فيما المستاجر المنتفع  ووزارة الاوقاف وحقوق والتزامات الطرفين  على الوجه المحدد في هذه الوثيقة النمطيةالمعدة من قبل وزارة الاوقاف ، ومقابل صدور هذا الاذن والترخيص للمستاجر بالبناء على ارض الوقف يجب على المستأجر أو المنتفع أن يدفع المبلغ الذي تحدده الوزارة بما لا يزيد على نسبة 25% من قيمة الأرض ، ومن خلال ماتقدم يظهر ان وزارة الاوقاف لاتحصل مقابل المادونية الا في حالة تاجيرها للارض بغرض بناء المستاجر عليها أما بالنسبة للمعمورات وهي الابنية المعمورة المملوكة للوقف فلاتقوم الاوقاف بتحصيل مقابل الماذونية عند تاجيرها حيث تكون عقود تاجيرها مثل غيرها من عقود تاجير الابنية وكذلك الحال بالنسبة للأراضي الزراعية المملوكة للوقف فليس فيها مقابل مأذونية وانما يتم تاجيرها بموجب عقد مزارعة مثل غيرها من الاراضي الزراعية.

الوجه الثاني : الغرض من تحصيل مقابل المأذونية من المستأجر لأرض الوقف للبناء عليها :

ذكرنا في الوجه السابق أن وزارة الأوقاف لا تتحصل مقابل المأذونية إلا من المستأجرين الذي يكون غرضهم من استئجار أرض الوقف البناء عليها أما الأراضي الزراعية أو العقارات المبينة فان وزارة الأوقاف لا تتحصل مقابل المأذونية عند تاجيرها ، وبناءً على ذلك يظهر الغرض من مقابل المأذونية في حالة استئجار ارض الوقف للبناء عليها وهو أن البناء على أرض الوقف يغير معالم أرض الوقف التي يتم البناء عليها ويشغلها ذلك البناء ويقلص الفرص  والبدائل المستقبلية المتاحة أمام وزارة الأوقاف في استثمار تلك الارض واستغلالها  في غير الغرض الذي تم البناء لأجله إضافة الى أن الباني على الأرض يشغل أرض الوقف بالبناء عليها مدة طويلة فتفوت خلال هذه المدة الطويلة على وزارة الأوقاف مصالح ومنافع وفرص كثيرة ، بخلاف الحال بالنسبة لإيجار الأراضي الزراعية أو عقارات الأوقاف المبنية فان مدة إيجارها قصيرة كما أن المستأجر لها لا يغير معالمها ولا يقلص من الفرص المتاحة لوزارة الأوقاف مستقبلاً ، كما أن الغرض من مقابل المأذونية تطبيق  المساواة بين المنتفعين بالبناء في أراضي الأوقاف حسبما ورد في المادة (17) من لائحة تأجير الوقف التي أشارت الى ان الغرض من تحصيل المأذونية عند تاجير ارض الوقف للبناء عليها  هو إيجاد المساواة بين المنتفعين بالبناء على أراضي الوقف؛علاوة على ان المستاجر لارض الوقف بغرض البناء عليها يدفع مبالغا طائلة مقابل  مايسمى بحق اليد العرفية كما انه يحصل على مبالغ طائلة اذا باع حق اليد للغير ولذلك فمن حق الاوقاف ان تتحصل منه مقابل الماذونية.

الوجه الثالث : الوضعية القانونية لمأذونية الأوقاف :

تنص المادة (777) من القانون المدني على انه (لمتولي الوقف في تأجير الأرض للبناء فيها استيفاء المأذونية بما لا يزيد على ربع قيمة الأرض) في حين تنص المادة (17) من لائحة تأجير أموال الوقف على انه ( للوزارة استيفاء المأذونية عند تأجير الأرض لغرض البناء بما لا يزيد على ربع قيمة الأرض ممن يرغب في استئجارها وذلك مقابل التصريح له بالبناء فيها مع الاستيفاء منه لحق البناء ( الشقية ) المستحقة للأجير السابق كونه يحل محله في وضع يده والانتفاع بالأرض وفقاً لما ورد في المادة ( 22) من هذه اللائحة كما يجوز للوزارة استيفاء ما يساوي حق البناء ( الشقية ) للوقف اذا كانت الأرض صافية لا حق للغير فيها وبما لا يتجاوز 25% من قيمة الأرض وذلك لتلافي الفارق بين أراضي الوقف المتماثلة لغرض البناء ووجوب المساواة بين المنتفعين بتلك الأراضي) ومن استقراء النصين السابقين نجد انهما يصرحا بأحقية وزارة الأوقاف في تحصيل 25% من قيمة الأرض عند قيام الوزارة بتأجيرها للمستأجر الذي يعتزم البناء عليها ، علما بان الأوقاف حينما تتحصل نسبة 25% من قيمة الأرض من المستأجر الذي يعتزم البناء عليها فان هذه النسبة ضئيلة قياساً بالمبالغ التي يتقاضها أجير الوقف حينما يقوم ببيع حق اليد العرفية فقيمة حق اليد العرفية تساوي ثمن الأرض الحر  في حالات كثيرة؛اما بالنسبة لمقابل الماذونية في معمورات الوقف فلم ينص عليها القانون او اللائحة لان تحصيل مقابل الماذونية عند تاجيرها سيكون بمثابة بدل نقل قدم او بدل خلو رجل ؛ والقانون وغالبية الفقه الاسلامي يذهبا الى منع ذلك ؛ وهذا المنع يمتد ايضا الى المبالغ التي يتقاضاها الحائز لارض الوقف بمسمى حق اليد العرفية.

الوجه الرابع : موقف الحكم محل تعليقنا من مقابل المأذونية في معمورات الوقف المؤجرة :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد نقض الحكم ألاستئنافي الذي حكم للأوقاف بمقابل المأذونية عن تأجيرها لدكان  معمور حيث نقض حكم المحكمة العليا الحكم ألاستئنافي لانه حكم للأوقاف بمقابل المأذونية في المعمور من غير أن يبين الحكم الأساس الذي استند اليه في قضائه، والله اعلم.