فسخ الزواج لعدم الكفأة في الدين والخلق
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الدين أهم جامع مشترك بين الأشخاص يوجه السلوك ويهذبه ويضبطه فتظهر
اثار التدين في سلوك الاشخاص واخلاقهم وتصرفاتهم ومن هنا ظهرت جدلية العلاقة بين
الدين والخلق اللتين اعتبرهما قانون الاحوال الشخصية الصفتين المعتبرتين في الكفأة
بين الزوجين، لكن صفة الدين والخلق تحتاج إلى تحديد مفهومها حتى يستطيع القاضي
الحكم بفسخ الزواج اذا ثبت عنده انعدام الدين لدى الزوج المدعى عليه ؛لان الدين
منظومة عامة شاملة عقيدة وشريعة، في حين ان النص القانوني الذي قرر فسخ الزواج
لانعدام الكفأة في الدين والخلق ورد عاماً مجردا مجملاً، ولذلك فان هذا الموضوع
جدير بالإشارة اليه والتوعية به في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/9/2010م في الطعن الشخصي
رقم (43421) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية ان زوجة تقدمت امام المحكمة
الابتدائية مدعية ان زوجها يجبرها على مشاهدة افلام خليعة وان ذلك صار سلوك دائم
له وانه قد أدمن ذلك وانها قد صبرت على ذلك ونصحت الزوج كثيراً فلم يقلع عن هذه
العادة القبيحة كما انه يقوم بممارسات وافعال مخالفة للدين وقدمت الزوجة المدعية
الادلة على دعواها فلم ينكر الزوج ذلك فقضت المحكمة (بقبول دعوى الفسخ وفسخ عقد
نكاح المدعية من عصمة زوجها وعليها أن تعتد العدة الشرعية والقانونية واعدام الادلة
المقدمة من المدعية بعد صيرورة الحكم نهائيا او باتا) وقد ورد ضمن اسباب الحكم
الابتدائي (لما كانت دعوى المدعية ثابتة فقد قبلت المحكمة الدعوى فقضت بفسخ عقد
زواجها من زوجها المدعى عليه لعدم الكفأة المعتبرة في الدين والخلق لدى المدعى
عليه حسبما ظهر في الاقوال والممارسات التي ارتكبها المدعى عليه بحق زوجته
وبكرامتها الانسانية والمهدرة لعفتها التي يتوجب على الزوج صيانتها وحمايتها من
الوقوع في مثل تلك الافعال غير الاخلاقية وغير الانسانية والمنافية للشرع
والقانون) فلم يقبل الزوج المدعى عليه بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا ان
الشعبة الاستئنافية قضت بتأييد الحكم الابتدائي معللة حكمها (بان ما اثاره
المستأنف لم يؤثر على سلامة الحكم الابتدائي وصحته)، فلم يقبل الزوج بالحكم
الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض فلم تقبل الدائرة الشخصية طعنه فقضت بإقرار
الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وبعد اطلاع الدائرة على
الأوراق مشتملات ملف القضية فقد وجدت ان الطاعن متمسك بما جاء في عريضة استئنافه
التي ذكر ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد اهدرها؛ وبعد الدراسة والمداولة من
الدائرة فقد تبين ان الحكم المطعون فيه قد جاء في نتيجته موافقاً للشرع والقانون
بتأييده الحكم الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : ماهية فسخ عقد الزواج لانعدام الكفأة بين الزوجين في الدين والخلق:
قرر قانون الأحوال الشخصية هذا النوع من الفسخ في المادة (48) التي
نصت على ان (الكفأة معتبرة في الدين والخلق وعمادها التراضي ولكل من الزوجين طلب
الفسخ لانعدام الكفأة) وبموجب هذا النص يمكن تعريف هذا الفسخ بانه (حق الزوجين في
طلب فسخ عقد زواجهما اذا انعدم الدين أو الخلق لدى احدهما) وقد قرر الاحوال
الشخصية هذا النوع من الفسخ وجعله حقا للزوجين نظرا للظروف الاجتماعية والعرف
السائد في اليمن حيث يلحق الزوج الصالح التعيير والتبكيت لزواجه من الزوج الفاسق
سواء اكان الزوج او الزوجة بحسب العرف في اليمن في حين ان الفقه الاسلامي يقرر ان
الفسخ لعدم الكفأة حق خاص بالزوجة فقط لانها التي يلحقها التعيير بزواجها من
الادنى منها خلقا ودينا ولان الزوجة لاسبيل لها للفكاك من هذا الزواج الا بالفسخ
اما الزوج فانه يملك الطلاق؛ وفسخ الزواج لانعدام الكفأة من اسمه فسخ وليس طلاقا
ولذلكً يجب ان يتم بلفظ الفسخ أو ما يدل عليه حسبما ورد في المادة (44) أحوال
شخصية (فسخ الزواج لعدم الكفأة ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين؛بحث محكم منشور بمجلة
العلوم الانسانية والاجتماعية، ص62).
الوجه الثاني : ماهية صفة الدين وصفة الخلق التي يجوز طلب الفسخ عند تحققهما :
من خلال مطالعة المادة (48) أحوال شخصية السابق ذكرها التي نصت على ان
(الكفأة معتبرة في الدين والخلق وعمادها التراضي ولكل من الزوجين طلب الفسخ
لانعدام الكفأة) نجد ان هذا النص قد حصر الكفاة في صفتي الدين والخلق ؛وقد اخذ هذا
النص صفة الدين وصفة الخلق من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اذا خطب
اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) إلا أن النص القانوني السابق لم يحدد مفهوم
الدين ومفهوم الخلق مما يستلزم الرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي التي شرحت حديث (من
ترضون دينه وخلقه) ومن خلال ذلك ثبت ان المراد بالدين هنا هو : قيام الزوج
بالمحافظة على الشعائر الاسلامية الظاهرة كالصلاة والصيام والزكاة والحج ان كان
مستطيعاً وعدم اتيان الزوج للكبائر لان القضاء يكون على الظاهر والله يتولى
السرائر ، وكذا ثبت ان المراد بالخلق كصفة معتبرة في الكفأة بين الزوجين : هو حسن
معاشرة الزوجين لبعضهما وذلك يقتضي ان يقوم كل زوج بواجباته الزوجية المترتبة عليه
شرعاً وقانوناً بموجب عقد الزواج وحقوق وواجبات الزوجين المقررة في الشرع
والقانون، ومن خلال ما تقدم يظهر التلازم فيما بين صفتي الدين والخلق في النصوص
الشرعية والقانونية الا ان الواقع العملي يشهد عدم التلازم بين الصفتين في الوقت
الحاضر حيث نجد بعض المتدينين لا تظهر فيهم صفة الخلق حيث تجد وجوههم عابسة متجهمة
لا تعرف البسمة أو البشاشة طريقاً إلى وجوههم وتجدهم لا يحسنون معاشرة النساء
ولذلك اشترط القانون اليمني الخلق كصفة إضافية إلى الدين. وقد ثار في مجلس النواب
جدلا حاداً عام 1998م عند مناقشة مضمون المادة (48) السابق ذكرها حيث كان يريد بعض
النواب شطب صفة الخلق لان الدين هو الخلق فالدين جوهر والخلق مظهره الخارجي وقد
نقل التلفزيون ذلك النقاش وقد كانت الغلبة لرأي من ذهب الى ان الخلق صفة والدين
صفة اخرى على الاقل في الوقت الحاضر الذي يعمد فيه بعض الاشخاص إلى فصل دينه عن
معاملاته مع الاخرين فيجعل الدين في جانب ومعاملاته في جانب اخر.
الوجه الثالث معنى انعدام الكفأة في الدين والخلق :
من الملاحظ في صياغة المادة (48) أحوال شخصية السابق ذكرها انها
استعملت مصطلح (انعدام الكفأة) في الدين والخلق ولم تشر الى (قلة أو نقصان الكفأة)
وهذا ما ذهب اليه الزيدية والمالكية الذين اجازوا الفسخ لانعدام الكفأة في الدين
والخلق لان نقصان الدين ونقصان الخلق يعتري غالب الازواج فكل البشر يزيد دينهم
وخلقهم وينقص فلو جاز الفسخ لنقصان الدين أو الخلق لفسخت عقود الزواج كلها فتلك
تطلب الفسخ الفسخ لان زوجها يدخن السجارة والزوج يطلب لان الزوجة تشاهد التلفزيون،
كما ان انعدام الكفأة في الخلق والدين كسبب لفسخ الزواج لا يكون مقبولاً إلا اذا
استنفذ الزوج الصالح كل الوسائل والتدابير والمعالجات لإصلاح الزوج الفاسد أو
الطالح لان اصلاح الزوج الفاسق أفضل من
الفسخ كما قرر الأمام احمد بن يحيى المرتضى في البحر الزخار فالمصلح من الزوجين
والصابر على الاصلاح مأجور عند الله في الدنيا والاخرة والكلام للامام المرتضى
رحمه الله.
الوجه الرابع : معنى التراضي في الكفأة (عمادها التراضي) في النص القانوني:
وردت في المادة (48) أحوال شخصية السابق ذكرها عبارة (الكفأة معتبرة
في الدين والخلق وعمادها التراضي) وهذا يقتضي بيان المراد بالتراضي ولا يمكن معرفة
ذلك المعنى الا بالرجوع إلى معرفة معنى حديث ( من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) فقد
قال القاري رحمه الله في شرح هذا الحديث : اذا طلب احد المسلمين الزواج من امرأة
من اقاربكم وكان دينه مستحسن ومقبول لديكم أي ديانته والتزامه بالشعائر وامتناعه
عن الكبائر وكان حسن المعشر فاستجيبوا لطلبه وزوجوه (انظر حاشية السندي على ابن
ماجة 1/607) وقال الامام الغزالي في الاحياء فقد تضمن هذا الحديث ارشاد النبي صلى
الله عليه وعلى اله وسلم لامته بان يزوجوا من يستحسنوا ويعجبهم دينه واستقامته
وامانته وخلقه واخلاقه ، ففي هذا الحديث ترغيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وحثه لامته على تزويج صاحب الدين والأمانة ، ومعلوم ان الانسان اذا كان صاحب دين
صلحت حاله وصلحت عباداته وصلحت معاملاته وصلحت حاله مع زوجه طبعاً الكلام هذا ايام
الامام الغزالي رحمة الله اما الآن فالدين شيء والخلق شيء اخركما سبق بيانه، وفي
حديث النبي اعجاز تشريعي لانه لاينطق عن الهوى
فان الله العالم القدير كان يعلم انه سياتي زمان وهو هذا الزمان الذي لا
يظهر فيه اثر الدين في المتدين ولذلك اضاف صفة الخلق الى الدين، والخلاصة ان معنى
(عمادها التراضي) أي ان تكون الحالة الدينية والخلقية لطالب الزواج مقبولة
ومستحسنة لدى اولياء المرأة فليس المقصود بذلك تراضي الزوج والزوجة على انعدام
الدين والخلق وان الزوج اذا كان راضياً بزواجه من
منعدم الدين أو الخلق لا يجوز له المطالبة بفسخ الزواج لانعدام الكفأة لانه
قد سبق له الرضاء فلا يحق له المطالبة بالفسخ فان هذا غير مقصود؛وللاسف فان بعض
المهتمين يفهموا (التراضي) على هذا النحو ولذلك فقد اسهبت في بيان المقصود بالتراضي.
الوجه الخامس : وقت دعوى الفسخ لعدم الكفأة في الدين:
الفقه الاسلامي متفق على ان وقت اعتبار الكفأة هو وقت انعقاد الزواج
اما قانون الأحوال الشخصية اليمني فلم ينص على ذلك ولو نص عليه لامتنع الفسخ
لانعدام الكفأة في الدين، وما ذهب اليه القانون يناسب حال العلاقات الزوجية في
العصر الحاضر الذي سرعان ما تتغير فيه الأحوال وتتبدل فسرعان ما تجد بعض الاشخاص
يتحول بعد زواجه من صاحب دين وخلق الى ملحد وعربيد والعكس صحيح، ولذلك يجوز لأي من
الزوجين وقتما انعدام الدين والخلق ولو بعد الزواج بوقت طويل ان يطلب الفسخ مثلما
حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
الوجه السادس : مسقطات دعوى الفسخ لعدم الكفأة لعدم الدين:
بعض الفقه الاسلامي وتحديداً الحنفية اسقطوا دعوى الفسخ لعدم الكفأة
بدخول الزوج على زوجته أو بحملها، وبهذا القول اخذت غالبية قوانين الأحوال الشخصية
العربية كالقانون الأردني والسوري والعراقي والمصري ، اما قانون الاحوال الشخصية
اليمني فقد احسن صنعاً فلم يقرر اسقاط دعوى فسخ الزواج بأي مسقط لان الفسخ في
الكفأة لا يكون إلا لانعدام الدين والخلق بخلاف القوانين العربية التي اضافت صفات
اخرى إلى الكفأة مثل الحرفة والمال والسن وغيرها، والله اعلم.