متى يكون بيع الشخص لأرض الغير نصبا؟
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تنتشر
في اليمن ظاهرة خطيرة تهدد الأمن والسلم الاجتماعي وتتسبب في نشر الفوضى والفتن
التي يترتب عليها سفك الدماء في حالات
كثيرة، وهذه الظاهرة هي قيام عصابات منظمة تتكون من بعض الامناء غير الشرعيين
وشهود الزور والمتخصصين في تزوير المحررات القديمة والحديثة وغيرهم حيث تقوم هذه
العصابات ببيع وشراء الأرض الغير، فكان
هذا الأمر من أسباب قيام الدولة بإعادة النظر في عملية بيع وشراء الأراضي
والعقارات، ولأهمية هذا الموضوع ولبيان الثغرة القانونية التي تستغلها عصابات
الاراضي فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/4/2013م في الطعن رقم (47722) وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم أن النيابة قدمت احد الأشخاص للمحاكمة بتهمة قيامه بالتوصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه مستعيناً بطرق احتيالية وذلك بان
قام باخذ مبلغ وقدره ثلاثة ملايين ونصف مقابل جزء من ثمن الأرض التي أوهم المجني
عليه بانها ملك موكليه بيت ... الذين يرغبون ببيعها خلافاً للحقيقة وطلبت النيابة معاقبة المتهم
بموجب أحكام المادة (310) عقوبات، وأمام القاضي الجزائي تقدم المجني عليه بدعواه
المدنية طالباً إعادة المبلغ الذي دفعه إضافة إلى التعويض والمخاسير، وقد توصلت
المحكمة الابتدائية إلى ادانة المتهم بجريمة النصب والاحتيال والحكم عليه بالغرامة
وذلك مبلغ خمسين الف ريال والزام المحكوم عليه بإعادة المبلغ الذي استلمه من
المجني عليه إضافة إلى مبلغ ثلاثمائة الف ريالاً تعويضاً للمجني عليه ومبلغ مأتين
ألف ريال مصاريف تقاضي، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي أن المتهم قام بايهام
المجني عليه وافادته بان أصحاب الأرض يرغبون في بيعها وانه وكيلا عنهم وتم استدعاء
الأمين الشرعي الذي كتب مسخرة البيع على أساس ان يباشر المجني عليه المشتري عملية
التسوير للتأكد من عدم وجود معارضين للمشتري إلا أن الملاك الحقيقيين قاموا
بمعارضة المشتري المجني عليه، فلم يقبل
المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الجزائية أيدت الحكم
الابتدائي، فقام المتهم بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن المحكمة رفضت
الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين من
المرفقات أن الطاعن قد حضر إلى النيابة العامة والتزم بتسديد المبلغ المحكوم به
عليه للمطعون ضده خلال ثلاثة أشهر تنفيذاً للحكم الصادر من المحكمة وحيث ان المادة
(273) مرافعات والمادة (564) إجراءات تقرر انه لا يجوز أن يطعن في الحكم من قبل
الحكم صراحة أو ضمنا ، لذلك فلا يجوز
للطاعن أن يطعن في هذه الحالة فيكون الحكم الاستئنافي نهائياً واجب التنفيذ)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : التجريم والعقاب لبيع أرض الغير في القانون اليمني وتوصيتنا :
مع شيوع ظاهرة بيع
أراضي الغير وخطورتها خوعدم وجود سجل عيني عقاري فقد تساهل قانون الجرائم
والعقوبات بشأن بيع أرض الغير، حيث لم
يجرمها القانون بهذا الاسم (بيع أرض الغير) مع أن القانون قد جرم قيام الشخص
بإعادة بيع الأرض التي سبق له أن قام ببيعها أو قيام الشريك أو الوراث ببيع أكثر
من حصته حسبما ورد في المادة (322) عقوبات حيث جرم القانون ذلك الفعل باعتباره من
قبيل الاخلال بالثقة في بيع العقارات حيث قرر ذلك النص معاقبة الفاعل بالحبس مدة
لا تزيد على ثلاث سنوات اذا تسبب الفاعل في احداث جريمة جسيمة بين المتنازعين على
العقار، وقد كان من الأولى أن ينص القانون صراحة باعتبار قيام الشخص ببيع أرض غيره
جريمة لأن بيع الشخص الأرض غيره يخل أكثر من غيره بالثقة في بيع العقارات ، ولذلك فاننا نوصي المقنن اليمني بادراج بيع
الشخص لعقار غيره ضمن المادة (322) التي تعاقب على الأفعال المخلة بالثقة في بيع
العقارات.
الوجه الثاني : بيع عقار الغير وجريمة النصب والاحتيال :
سبق القول في الوجه
الأول أن قانون الجرائم والعقوبات لا يعتبر بيع الشخص لعقار غيره جريمة مستقلة
ولكن في بعض الحالات يندرج بيع الشخص لعقار غيره ضمن جريمة النصب والاحتيال اذا
تحققت في ذلك البيع الشروط والاركان الواجب توفرها في جريمة النصب والاحتيال
المذكورة في المادة (310) عقوبات التي نصت على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على
ثلاث سنوات أو بالغرامة من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو
لغيره وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية (نصب) أو اتخذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة)
وهذا النص لا ينطبق على بيع أرض الغير إلا اذا باشر البائع طرق احتيالية وهي عبارة
عن افعال أو ايحاءات ايجابية صادرة من البائع
كأن يوهم المشتري أن الأرض ملكه فيستعمل بصيرة قديمة مجردة من الحيازة أو
يقول : للمشتري أن الأرض ملكه وانه يريد بيعها أو يقول له أن لديه وكالة من ملاك الأرض لبيعها كما حدث في القضية
التي تناولها الحكم محل تعليقنا، علماً بان بيع عقار الغير لا تنطبق عليه في حالات
كثيرة جريمة الاحتيال، ولذلك تفلت عصابات الاراضي من العقاب لأن القانون
لايجرم بيع عقار الغير إلا إذا كان البائع قد استعمل طرق احتيالية في
مواجهة المشتري، ولهذا تقوم العصابات واصحاب السوابق وأرباب الشر والفسوق ببيع
عقارات الغير دون خشية من العقاب حيث يتواطن الاشرار والعصابات المنظمة المتخصصة
في بيع عقارات الغير فيما بينهم لمرات عدة دون علم المالك الحقيقي للعقار، وبهذه
البيوع المتعاقبة والمتتالية التي يجريها الاشرار وعصابات البسط والاستيلاء على
عقارات الغير، يصطنع هؤلاء أصول مستندات
ظاهرها للصحة تجعل هذه البيوع كما لو انها صحيحة، فمثلاً يقوم عضو العصابة (أ)
ببيع عقار الغير في تاريخ 2/2/2020م إلى العضو (ب) ويتم تحرير بصيرة أصلية تحكي
هذا البيع ثم يقوم عضو العصابة (ب) ببيع العقار ذاته إلى العضو (ج) بتاريخ
1/3/2020م بموجب البصيرة المحررة بتاريخ 2/2/2020م (البصيرة الأم) ثم يقوم اعضاء
العصابة (ج) و (د) و ...الخ ببيع العقار ذاته وتداوله بصورة غير شرعية حيث يقوم
افراد العصابة لاحقاً بالتصرف في العقار المشار اليه بموجب الوثائق أو البصائر
الامهات وتتم هذه العملية دون أن يعرف مالك العقار بهذه التصرفات التي يتعذر عليه
المطالبة بحقه في مواجهة هذه التصرفات أو البيوع المتتابعة على عقاره، ولذلك نجد
أن المشتريين الذين لديهم مستشارون قانونيون يرفضون شراء العقارات التي تتداول
خلال السنة ثلاث مرات لان ذلك التداول السريع يدل على أن الغرض منه استحداث بصائر
امهات أو أصول تضفي على بيع عقار الغير
الشرعية أو انها تخفي غسيل أموال، وتتم هذه العمليات في اليمن بانتظام ولذلك فان
الامر يستدعي تجريم بيع عقار الغير حفظاً لدماء الناس واموالهم.
الوجه الثالث : مخالفة الأمين الشرعي :
من خلال المطالعة
للحكم محل تعليقنا نجد أن الأمين الشرعي قام بتحرير (المسخرة) أي عقد البيع لان
المسوّدة أو المسخرة هي وثيقة البيع الحقيقي اما البصيرة فهي عبارة عن إخبار
الأمين الشرعي بالبيع الذي تم في المسخرة، وقد لاحظنا أن الأمين قد قام بتحرير
المسخرة دون أن يطلع على الوكالة الصادرة من ملاك العقار ومن غير أن يتأكد من صفة
الوكيل بداية قبل تحرير المسخرة وقبل ان يستلم الستة المليون القطع (ثلاثة مليون إلى
يد النصاب وثلاثة مليون إلى يد الأمين) حيث أنه من المقرر أنه يجب على الأمين ان
يتحرى من صفة الوكيل بالبيع واستمرار
الوكالة فربما ان البائع قد عزل الوكيل
كما يجب على الأمين أن يتحرى من بصائر وأصول الملكية إلى المرتبة الثالثة وأن
يتاكد من أن انتقال العقار إلى البائع كان
طبيعياً وانه ليس ناتج عن تصرفات متعددة في فترات متقاربة ،كما يجب أن يتاكد
الامين ان حائز للعقار وأن يتأكد من ان
العقار ليس من املاك الوقف وأن ينص في البصيرة أن التابع للمبيع هو الرهق القانوني
المقرر في قانون أراضي وعقارات الدولة وليس الرهق العرفي الذي يصادر المراهق
العامة كالجبال والهضاب والمنحدرات والاحراش، كما يجب على الأمين أن لا يقوم
بتجزئة عملية البيع مثل دفع مقدم الثمن أو ايداع البصائر لدى الأمين مع الثمن أو
جزء من الثمن، لان البيع عقد نافذ يجب ان يتم في وقت واحد وفي مجلس واحد وان يستلم
البائع الثمن في المجلس معاينة ومشاهدة وان يستلم المشتري الوثائق في المجلس
معاينة ومشاهدة، والله أعلم.