متى يكون الحكم الجزائي حضوريا؟
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
لاعتبار
الحكم الجزائي حضوريا اثار قانونية على الخصوم وحقوقهم، فاعتبار الحكم حضورياً في
التطبيق العملي يثير إشكاليات تتناولها
أحكام القضاء، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 6/4/2013م في الطعن رقم
(47778) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن اربعة اخوة واثنين من
ابناء عمهم قاموا بالاعتداء بالضرب على
شخص فالحقوا به جنايات، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم حضورياً على أثنين
منهم وغيابياً على أربعة ،حيث قضى الحكم بإدانة المتهمين جميعاً بالاعتداء والحكم
عليهم بارش الجنايات التي احدثوها بالمجني عليه وبحبس المتهم الأول سنة لثبوت
قيامه بالاعتداء على المجني عليه وثبوت
مقاومته للجنود الذين قاموا بالقبض عليه وكذا حبس بقية المتهمين عشرة أشهر، لكل
منهم من تاريخ القبض على الفارين منهم فقام والد المتهمين الأربعة باستئناف الحكم
وكذا قام المتهمان الاخران باستئناف الحكم، وقد توصلت الشعبة الجزائية إلى تأييد
الحكم الابتدائي فقام المتهمون جميعاً بالطعن بالنقض في الحكم إلا أن الدائرة
الجزائية رفضت الطعن شكلاً لتقديمه بعد مضي المدة، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة
العليا (وحيث أنه من البين حضور المتهمين الأول والمتهم الثاني عن نفسه وبالوكالة
عن اخوانه الاخرين حضروا الجلسة التي قررت فيها المحكمة حجز القضية للحكم إلى جلسة
تاريخ .... وحيث لم يتم النطق بالحكم في الموعد فتم التأجيل إلى جلسة يوم ...
وإعلان الخصوم بموعد جلسة النطق بالحكم كما هو ثابت في الصفحة الاخيرة من مدونة
الحكم المطعون فيه، وفي الموعد المذكور تم النطق بالحكم في غياب المستأنفين وبحضور
المستأنف ضده، فلما كان الأمر كذلك وكان المقرر قانوناً ان مناط اعتبار الحكم
حضورياً وفقاً للقانون أن يحضر الطاعن عند النداء على الدعوى ولو غادر الجلسة بعد
ذلك أو تخلف عن الحضور في الجلسة المقررة لإصدار الحكم فان الحكم يكون حضورياً
بحقه مادام ان عمل المحكمة مقصور في الجلسة على اصدار الحكم والنطق به، الأمر الذي
يتعين معه التقرير بأن الحكم المطعون فيه قد صدر حضورياً بحق الطاعنين ولزوم
احتساب الميعاد المقرر قانوناً للطعن فيه بالنقض بالنسبة للمذكورين من تاريخ النطق
به وليس من تاريخ استلامهم صورة من الحكم حيث كان الواجب عليهم موالاة الجلسات
بانتظام بما في ذلك جلسة النطق بالحكم مالم يكن هناك عذر قهري أعاقهم عن الحضور،
ولما كان البين من الأوراق ان الطاعنين قد احتسبوا مدة طعونهم من تاريخ استلامهم
لنسخ من الحكم الاستئنافي في حين انه يجب عليهم احتساب مدة الاستئناف من تاريخ
النطق بالحكم الاستئنافي باعتبار الحكم حضوريا) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب
ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الحكم الحضوري بالنسبة للنيابة العامة :
أوجب
قانون الإجراءات الجزائية حضور ممثل النيابة جلسات المحاكمة فلا تنعقد جلسة
المحاكمة الا بحضور ممثل النيابة ويترتب البطلان على مخالفة هذا الحكم القانوني ،
وبناءً على ذلك لا مجال للحديث عن الحكم الحضوري بالنسبة للنيابة العامة حيث ان
حضورها واجب في جلسات المحاكمة بما في ذلك النطق بالحكم، وبموجبه فان كل الاحكام
تكون بالنسبة للنيابة العامة حضورية.
الوجه
الثاني : الحكم الحضوري بالنسبة للخصوم الاخرين أمام المحكمة الجزائية:
سبق
القول ان كل الأحكام تكون حضورية بالنسبة
للنيابة العامة، اما بالنسبة للخصوم الاخرين كالمتهم فان الامر يختلف حيث يكون
الحكم حضورياً بالنسبة لهم اذا كانوا حاضرين جلسة النطق بالحكم بل يكفي حضورهم بعض
جلسات المحاكمة حيث تنص المادة (298) إجراءات على أنه (اذا حضر احد الخصوم في أية
جلسة أو أودع مذكرة بدفاعه اعتبرت الخصومة حضورية في حقه) كما أن القانون قد اعتبر
الحكم حضورياً في حق الخصم اذا تعذر احضاره قهراً وتم التنصيب عنه وفقاً للمادة
(297) اجراءات التي تنص على أنه (اذا لم يحضر احد الخصوم في الجلسة المحددة لنظر
الدعوى ولم يكن قد تم اعلان لشخصه يتعين على المحكمة ان تؤجل نظر الدعوى إلى جلسة
تالية يعلن بها فاذا لم يحضر بعد ذلك تصدر المحكمة أمراً بالقبض عليه فان تعذر ذلك
عينت منصوباً عنه تجري المحاكمة في حضوره ويعتبر الحكم الذي يصدر بعد ذلك حضورياً
في حقه) وبتطبيق هذه النصوص على القضية التي يتناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن
المتهمين قد حضروا بعض جلسات المحاكمة أمام محكمة الاستئناف بما فيها الجلسة التي
قررت فيها المحكمة حجز القضية للحكم وبناءً على ذلك فان الحكم يكون بالنسبة لهم
حضورياً بمقتضى النصوص القانونية السابق ذكرها.
الوجه الثالث : اثار اعتبار الحكم حضورياً بالنسبة للمتهم :
يقرر
قانون الإجراءات الجزائية أن ميعاد الطعن يكون بالنسبة للمتهم الحاضر أو الذي يعتبر
الحكم حضورياً بالنسبة له يكون من تاريخ النطق بالحكم حيث تنص المادة (421)
إجراءات على أن (يكون الاستئناف بتقرير في دائرة لكتاب المحكمة التي اصدرت الحكم
او محكمة استئناف المحافظة المختصة ولا يقبل إلا اذا قدم خلال خمسة عشر يوماً من
تاريخ النطق بالحكم المستأنف واذا كان استئناف المتهم الفار جائزاً يسري الميعاد
بالنسبة له من تاريخ تسليم نفسه أو من تاريخ القبض عليه) وبناءً على ذلك فان الأثر
المترتب على اعتبار الحكم حضورياً هو احتساب ميعاد استئنافه على أساس تاريخ النطق
بالحكم وليس تاريخ استلام نسخة الحكم حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، والله
اعلم.