عدم وجود المسودة في ملف الطعن يبطل الحكم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
لمسودة الحكم أهمية بالغة في المحاكمات العادلة لاسيما في القضايا الجنائية، إضافة إلى ان وجود المسوٌدة في ملف الطعن المرفوع إلى المحكمة العليا بمكن المحكمة من بسط رقابتها القانونية ؛ لان القانون اشترط ان يتم ايداع مسودة الحكم عند النطق به وقرر انه اذا لم يتم ذلك فان الحكم يكون باطلا؛ ولخطورة الاثار المترتبة على عدم ارفاق أو وجود مسودة الحكم في ملف الطعن بالنقض فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/5/2010م في الطعن الجزائي رقم (37254) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المحكوم عليه في قضية من قضايا الاعتداء والبسط على أراضي الدولة قام بالطعن بالنقض في الحكم الجزائي الاستئنافي امام الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا؛ وبعد ان قامت هيئة الأراضي وهيئة الطيران المدني بالرد على الطعن تم رفع ملف القضية من شعبةالأموال العامة إلى المحكمة العليا، حيث قامت الدائرة الجزائية بدراسة ملف القضية ومن خلال ذلك ثبت لديها عدم وجود مسودة الحكم الاستئنافي المطعون فيه ضمن مشتملات ملف القضية، وقد توصلت الدائرة الجزائية إلى الحكم بقبول الطعن ونقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (من خلال دراسة الدائرة لأوراق القضية وبعد المداولة فقد توصلت إلى ان الحكم المطعون فيه قد شابه البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام لخلو ملف القضية من مسودة الحكم المطعون فيه مما يدل على عدم ايداعها بالملف طبقاً لما أوجبه القانون في المادة (375) إجراءات التي تنص على انه يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه ومنطوقه موقعة من القضاة الذين اشتركوا في اصداره عند النطق بالحكم والا كان باطلاً، فلا شك ان القانون عندما أوجب ايداع المسودة انما قصد به ان تقوم المحكمة العليا من إعمال رقابتها على ما اذا كان الحكم المطعون فيه قد حاز على اجماع القضاة في مثل هذا الحكم خاصة ان الحكم المطعون فيه قد قضى بإلغاء الحكم الابتدائي الذي كان قد حكم ببراءة المتهم وفي الوقت ذاته فقد قضى الحكم الاستئنافي المطعون فيه بالإدانة والعقوبة للمتهم ومعلوم من نص المادة (426) إجراءات التي نصت على انه لا يجوز تشديد العقوبة المحكوم بها او الغاء الحكم الصادر بالبراءة إلا باجماع القضاة، ولما كان العلم باجماع القضاة من عدمه متوقفاً على ايداع المسوٌدة بالملف ولما لم تجد الدائرة المسوٌدة ضمن مشتملات أوراق ملف القضية وانما وجدت محضر النطق بالحكم فقط، وهذا المحضر لا يغني عن المسودة ولا يسد مسدها فان الحكم والحال كذلك يكون باطلاً إستناداً إلى المادة (375) إجراءات السابق ذكرها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : اعداد مسوٌدة الحكم الاستئنافي الجزائي :
مسودة الحكم الاستئنافي هيش حصيلة المداولة التي
تجري بين رئيس واعضاء الشعبة الجزائية حيث يتم في غير اليمن بعد حجز القضية للحكم
يتم نسخ ملف القضية على عدد اعضاء الشعبة حيث يقوم كل عضو بمفرده بدراسة ملف
القضية وتلخيصه في تقرير موجز على هيئة نقاط عامة حتى تتوفر لدى كل عضو الاحاطة
بوقائع القضية والطلبات والاسانيد القانونية والواقعية وحتى تتم المداولة بين هيئة
الحكم عن فهم وعلم؛ حيث يقوم كل عضو باعداد تقرير من واقع النسخة المسلمة له وبعد
ذلك تتم المداولة بين الاعضاء من واقع التقارير المعدة من قبلهم حيث تتم المداولة
وتبادل الآراء بين الاعضاء فيما يتعلق بجوانب الخلاف التي ترد في التقارير المقدمة
منهم وبعد انتهاء المداولة واستقرار الرأي لدى الشعبة يتم تكليف احد الاعضاء
بكتابة المسودة التي تتضمن ما تم الاتفاق عليه بين اعضاء الشعبة عند انتهاء
المداولة، فمسودة الشعبة تعبر عن الفهم والاحاطة المشتركة للقضاة بالقضية، وفي
حالة اختلاف اعضاء الشعبة بشأن مسوٌدة الحكم فانه يتم إثبات اراء الاقلية التي لم
يوافقوا على الحكم، وفي هذا المعنى نصت
الفقرة (2) من المادة (369) اجراءات على ان (تصدر الاحكام بأغلبية الآراء
ولأصحاب رأي الاقلية ايداع تحفظاتهم باسباب مستقلة مؤيدة لرأيهم في مسودة الحكم
وتودع بملف القضية ويحظر اطلاع أي شخص على المسوٌدة وما تحتويه من اراء ولا يؤثر
ذلك على صحة الحكم ونفاذه وفي جميع الأحوال لا تسلم للخصوم صورة من رأي الاقلية).
الوجه الثاني : وقت ايداع مسودة الحكم الجزائي :
حددت المادة (375)
إجراءات هذا الوقت حيث نصت على انه (يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم
المشتملة على اسبابه موقعة من القضاة الذين اشتركوا في اصداره عند النطق بالحكم
والا كان باطلاً) أي ان وقت ايداع المسودة يكون في جلسة النطق بالحكم وتحديدا بعد
انتهاء النطق بالحكم؛ ولذلك يعمد بعض
القضاة بعد النطق بالحكم وتلاوته من المسودة يعمد الى رفع يده بالمسودة حتى يراها الجمهور ويناول
امين السر المسودة امام الجمهور وهو يقول عبارة : (وتم ايداع مسوٌدة الحكم في
الجلسة العلنية للنطق بالحكم ) ويتم اثبات هذه العبارة في محضر جلسة النطق للحكم
للتدليل على وجود الحكم، لان المسوٌدة عبارة عن تدوين الحكم القضائي الذي كان
لاوجودله قبل ذلك حيث كان في ذهن القاضي فيتم وجوده بكتابته في المسودة ويتم اعلان
الحكم واشهاره عن طريق النطق به علانية ولذلك تشترط القوانين كافة في القضايا كافة
تقريبا ان يتم النطق بالحكم في جلسة علنية؛ فإيداع المسوٌدة دليل على وجود الحكم
خارج ذهن القاضي والنطق بالحكم اشهار لهذا الوجود ولذلك يرتب القانون البطلان جزاء
عدم الايداع للمسودة.
الوجه الثالث : عدم إرفاق مسوٌدة الحكم الاستئنافي بملف الطعن بالنقض :
قضى الحكم محل تعليقنا بانه يترتب على عدم وجود مسوٌدة الحكم
الاستئنافي ضمن أوراق ملف الطعن بالنقض يترتب على ذلك بطلان الحكم الاستئنافي
المطعون فيه باعتبار عدم وجود المسوٌدة في هذه الحالة دليل على عدم ايداع المسوٌدة
فكيف للمحكمة العليا أن تتأكد من الايداع والمسوٌدة غير موجودة ضمن مشتملات ملف
الطعن لان مكان الايداع هو ملف القضية فعند ما لا تكون المسوٌدة في ملف القضية فان
ذلك دليل على عدم الايداع، علماً بان قانون المرافعات النافذ وتعديلاته قد قرر ان
الايداع يتم في ملف القضية ونسخة من المسودة يتم ايداعها ملف خاص بالمسوٌدات الذي
يتم الايداع فيه بنظر رئيس المحكمة للتأكد من الايداع الفعلي للمسودة في الميعاد
المحدد قانوناً بل ان بعض الدول تصدر شهادات ايداع للمسوٌدة يتم ادراجها ضمن ملف
أوراق القضية لأهمية ايداع المسوٌدة في الوقت المحدد (شرح قانون أصول المحاكمات
الجزائية، د. كامل السعيد، ص112).
الوجه الرابع : أهمية مسوٌدة الحكم الاستئنافي المطعون فيه بالنسبة للمحكمة العليا:
حدد الحكم محل
تعليقنا جوانب أهمية وجود مسوٌدة الحكم الاستئنافي المطعون فيه ضمن أوراق ملف
الطعن بالنقض ومن ذلك ان ايداع المسوٌدة من النظام العام لان القانون يقرر البطلان
لعدم الايداع في الميعاد المحدد ووظيفة المحكمة العليا التأكد من التزام الاحكام
المطعون فيها بالنصوص القانونية، إضافة الى ان الحكم المطعون فيه كان قد قضى
بإلغاء الحكم الابتدائي ببراءة المتهم وبدلاً من ذلك قضى بإدانة المتهم ومعاقبته
وفي هذه الحالة تقرر المادة (426) إجراءات انه (لا يجوز الغاء الحكم الصادر
بالبراءة إلا باجماع اراء القضاة مالم يكن الخلاف حول مسألة قانونية) وبناءً على
ذلك لا تستطيع المحكمة العليا بسط رقابتها القانونية للتأكد من أن الحكم بإلغاء
الحكم الابتدائي بالبراءة قد تم اتخاذه باجماع الشعبة الا اذا كانت مسودة الحكم
الاستئنافي مرفقة بملف الطعن.
الوجه الخامس : تعرض ملفات القضايا لنزع بعض الأوراق المهمة منها وتوصيتنا في هذا الشأن :
هذه الظاهرة ليست خافية على أحد ؛وقد تناولتها في محاضرات نظرية لابنائي القضاة اثناء التدريب العملي لطلبة المعهد العالي للقضاء بعنوان (ادارة ملف القضية) حيث تتعرض ملفات القضايا لنزع أوراق منها خاصة ملفات الطعون التي يتم رفعها الى المحكمة العليا لان الخصوم لا يمثلون امامها للتأكد مما اذا كانت الأوراق المقدمة منهم لا زالت في الملف، ولذلك أوصي : بإعادة النظر في اسلوب فهرست ملفات الطعون بل وحتى القضايا حتى يكون فهرس الملف مرآة صادقة لمحتويات الملف وان يتم التأكيد على المعنيين بضرورة التأكد مما اذا كانت الأوراق مشتملات الملف مطابقة تماماً من اسمائها وعدد صفحاتها وبياناتها لما ورد في الفهرس، بالإضافة إلى تحديد الايادي التي تتناول ملفات القضايا والطعون، وقد تناولنا ذلك في دراسة بعنوان (ادارة ملف القضية) كان يتم تدريسها على طلبة المعهد العالي للقضاء ضمن المحاضرات النظرية في اثناء التدريب العملي للطلبة، والله اعلم.