المسافة بين محطات الوقود وإجتهاد ولي الأمر
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تنتشر
محطات الوقود في كل الطرقات والشوارع، وغالبا لايتم احترام المسافات الفاصلة بينها
مما يؤدي إلى حدوث نزاعات فيما بين اصحاب المحطات المتجاورة، مع ان هناك لائحة تحدد المسافات بين المحطات يجب الإلتزام بها باعتبارها اجتهاد ولي الأمر حسبما
قضى به الحكم محل تعليقنا الذي سلط
الضوء على هذه الإشكالية، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1/8/2016م في الطعن رقم (57873)
،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المحكمة الابتدائية قضت بمنع صاحب
المحطة التي تم إستحداثها جوار المحطة القديمة من العمل وإلزام شركة النفط بعدم تزويد المحطة المستحدثة بالمشتقات النفطية، وقد ورد
ضمن اسباب الحكم الابتدائي (وبالرجوع إلى اللائحة الصادرة عن شركة النفط اليمنية المادة (5/د) التي تحدد المسافات بين
المحطات في الخطوط الفرعية والمناطق النائية بعشرة كيلو متر من كل الجهات وحيث ان
الجهة المعنية لم تقم بالترخيص بعد لإنشاء المحطة) وعند استئناف هذا الحكم لم تقبل
الشعبة الاستئناف، وكذا عند الطعن بالنقض امام المحكمة العليا رفضت المحكمة العليا
الطعن، وجاء في اسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان المعتبر في القانون ان اللوائح
التنظيمية إنما هي من اجتهاد ولي الأمر وإجتهاد ولي الأمر ملزم بحسب الإختصاص كما ان شركة النفط لم ترخص بإنشاء المحطة)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : إلزامية المسافات المحددة في لائحة محطات الوقود :
قضى الحكم محل
تعليقنا بان المسافات المحددة بين محطات الوقود ملزمة يجب احترامها والعمل
بمقتضاها، لان هذه اللائحة صادرة بموجب الصلاحيات والاختصاصات المقررة قانوناً
لشركة النفط، فاللائحة التي حددت هذه المسافات تهدف إلى تنظيم وترشيد تقديم محطات
الوقود لخدماتها للجمهور بيسر وسهولة، حيث يتم تحديد هذه المسافات بموجب دراسات
وابحاث عن مستخدمي الطرق وكثافة السكان وشروط وقواعد السلامة وتوفير الخدمات اللازمة في المحطة وغيرها من الإعتبارات التي تجعل المسافات بين
محطات الوقود الزامية لشركة النفط ذاتها ولأصحاب المحطات،علما بأن هناك لوائح
مماثلة في كل الدول
تحدد المسافات بين محطات الوقود، حيث تخلتف هذه المسافات باختلاف نوع
الطريق والمنطقة وكثافة السكان وحركة السير في الطريق ،فهناك مسافة خاصة بالطرق السريعة وهناك مسافات
بالنسبة للشوارع داخل المدن وهناك مسافات
في الطرق السريعة والطرق الرئيسة وهكذا.
الوجه الثاني : المسافة بين محطات الوقود وإجتهاد ولي الأمر :
قضى الحكم محل
تعليقنا بأن ما ورد في لائحة محطات الوقود من
تقدير وتحديد للمسافات بين المحطات يعد اجتهادا من ولي الأمر وانه ملزم يجب
العمل بمقتضاه، لان ولي الأمر نائباً عن الأمة في تحقيق المنافع العامة ودرء
المفاسد العامة وتحقيق المصالح، ولذلك فان وضع القوانين واللوائح والنظم وإصدارها
وحمل الناس على العمل بمقتضاها ومعاقبة المخالفين لها كل ذلك يدخل في باب تحقيق
المصلحة العامة التي يقدرها ولي الأمر بصفته نائباً عن الأمة او وكيلاً عنها
(الفقه المقارن، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين صـ75).
الوجه الثالث : أفضلية إجتهاد ولي الأمر :
تتعدد الإجتهادات
وتختلف وتتفاوت فيما بينها، ولا شك ان اجتهاد ولي الأمر افضل من الإجتهادات
الفردية الأخرى، لان ولي الأمر في العصر الحاضر هو دولة المؤسسات التي يتوزع عليها
امر المسلمين للقيام به، فلم يعد ولي أمر المسلمين في العصر الحاضر هو
الحاكم الفرد الذي يبدأ الأمر منه وينتهي اليه كما كان يعرفه الفقهاء المتقدمون،
فقد توزع امر المسلمين في العصر الحاضر على مؤسسات الدولة، فهناك الأمر التشريعي
الذي تنهض به السلطة التشريعية وهناك الأمر القضائي الذي تنهض به السلطة القضائية
وهناك الأمر التنفيذي الذي تقوم بها السلطة التنفيذية، كما ان الأمر في كل سلطة من
هذه السلطات قد توزع فرعيا على الجهات الفرعية المختصة التابعة لها فهناك الامر الصحي والأمر التعليمي والامر
النفطي والأمر الاجتماعي...الخ، حيث اضحت
مؤسسات الدولة تمتلك الخبرات والإمكانيات والكفاءات اللازمة لاتخاذ القرارات
والإجراءات واللوائح المناسبة التي تحقق مصالح المسلمين وتدفع المضار عنهم في ضوء
ما يتوفر لدى مؤسسات الدولة من الإمكانيات ،ولذلك يكون اجتهاد ولي الأمر افضل
من الاجتهادات الفردية (الفقه المقارن، أ.د.عبدالمؤمن
شجاع الدين صـ78)، وعلى هذه الخلفية كان إجتهاد ولي الأمر ملزماً.
الوجه الرابع : المسافات بين محطات الوقود والمنافسة غير المشروعة :
يتطلب إعداد وتجهيز
محطة وقود نموذجية وفقاً لما تنص عليه اللائحة المنظمة لذلك يتطلب تكاليف مادية وجهد ووقت يبذله صاحب
المحطة ،فعندما يشرع في تسويق الخدمات وتقديمها للجمهور تتطلع اليه عيون الحاسدين
والطامعين والمنافسين الذين يصروا على إقامة محطات مجاورة له لإقتسام الزبائن، فلا
شك ان هذا الصنيع مخالف للقانون لانه من افعال المنافسة غير المشروعة وليس من
المنافسة المشروعة، لأن هناك منافسة مشروعة ومنافسة غير مشروعة، فالمنافسة
المشروعة لاتخالف احكام الشرع والقانون وتكون
في المكارم عملاً بقوله تعالى { وَفِي ذَلِكَ
فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } [سورة
المطففين 26] فمخالفة
القوانين واللوائح عمل غير مشروع
ومن ذلك إقامة محطات الوقود المخالفة للمواصفات والمسافات ، فاساس منع
المنافسة المشروعة هو ما ورد في المادة (17 ) مدني التي تنص على انه (ويكون استعمال الحق غير مشروع في
الأحوال الاتية : -1- اذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير -2- اذا كانت المصالح
التي يرجى تحقيقها قليلة الاهمية بالقياس إلى مايصيب الغير من ضرر بسببها -3- إذا كانت المصالح التي يرمي
إلى تحقيقها غير مشروعة) وحيث ان اللائحة المنظمة
لمحطات الوقود تمنع اقامة محطات مخالفة لشروط المسافة فان انشاء المحطة
المخالفة عمل غير مشروع، وتبعاً لذلك تنطبق على هذا الفعل احكام المنافسة غير
المشروعة، والله اعلم.