معنى بلوغ الحدث المسئولية الجزائية التامة(18سنة)

 

معنى بلوغ الحدث المسئولية الجزائية التامة(18سنة)

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية التي يتكرر وقوعها تفسير المادة (31) عقوبات بشأن بلوغ الحدث لسن المسئولية الجزائية التامة (18سنة)وتوقيع العقوبة المقررة عليه باعتباره بالغاً، وقد تصدى لتفسير المقصود  ببلوغ الحدث سن الثامنة عشرة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14/8/2017م في الطعن رقم (59235) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة قررت إحالة المتهم بجريمة القتل إلى المحكمة حيث قضت المحكمة الابتدائية بإدانة المتهم بجريمة القتل ومعاقبته بالإعدام، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (اما اللغط الذي اثاره المحامي بشأن بلوغ المتهم سن المسائلة الجنائية الكاملة ومدى بلوغه سن الثامنة عشرة أم انه دون ذلك؟ وهل يبلغ سن المسئولية الكاملة اذا اتم السابعة عشرة من عمره وزاد يوماً؟ أم انه ينبغي ان يبلغ سن المسئولية الكاملة بإكمال السنة الثامنة عشرة من عمره؟، وبالتالي فان المحكمة قد توصلت إلى ان سن المتهم يوم ارتكابه للجريمة كان سبعة عشر عاماً وشهرين وثمانية عشر يوماً أي ان المتهم قد اتم العام السابع عشر من عمره ودخل في العام الثامن عشر، وبالتأمل في مسلك المقنن اليمني عند تحديده لأطوار المسئولية الجنائية في المادة (31) عقوبات نجد انه قد عبر عن ذلك بلفظ (بلغ) سن الثامنة عشر عاماً فهو هنا لم يقصد إتمام سن الثامنة عشرة  فذلك ظاهر من قوله (بلغ)  فلم يقصد الانتهاء أو إتمام الثامنة عشرة وإنما قصد من كلمة (بلغ) وصل إلى سن الثامنة عشرة فهذا المعنى يستقيم مع سياق النص في المادة(31) كاملة، كما ان استعمال لفظ (بلغ) بمعنى وصل شائع في لغة اليوم فان احدنا يقول بلغت المدينة بمجرد دخولها لا بعد الخروج منها) فقام المحكوم عليه باستئناف الحكم حيث قبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بتعديل الحكم من الاعدام إلى الحبس عشر سنوات والزام المتهم بدفع دية القتل العمد، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (ان الحكم الابتدائي قد اخطأ في تفسيره لنص المادة (31) عقوبات بالقول ان المقصود ببلوغ (18 سنة) هو وصول المتهم إلى سن (17) وزيادة يوم أو يومين ليس صحيحا،ً لان القانون لو كان يقصد هذا المعنى لقال : فاذا جاوز الشخص سن السابعة عشرة من العمر، ومن ذلك يتضح ان قصد المشرع من كلمة (بلغ) هو اكمل أو اتم الثامنة عشرة فلا يحتمل النص معنى غير ذلك) فلم يقبل اولياء الدم بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض غير ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (بالتأمل في الموضوع فقد وجدت الدائرة ان الطاعنين قد استدلوا بما ورد في معاجم اللغة التي تفيد ان البلوغ هو الوصول إلى الشيء وليس تمام الشيء أو غايته وهذا ماذهب إليه الحكم الابتدائي، فالدائرة تجد ان هذا المعنى لا يتفق مع ظاهر نص المادة (31) عقوبات في الفقرة محل الطعن  حيث  نصت تلك الفقرة على انه (ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة اذا لم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكاب الفعل) فقد جعل المقنن من هذا السن غاية في الاستغراق لسن الثامنة عشرة بكافة أيامها وساعاتها وليس مجرد الدخول فيها فالمحدد بغاية كالمحدد بحد وهو السن المذكور في المادة، والقاعدة الاصولية تقرر ان الحد لا يدخل في المحدود، فالمحدود هنا هو أول أيام وساعات السنة التاسعة عشرة من عمر المتهم وكما ان الحد لا يدخل في المحدود فان المحدود لا يدخل في الحد أيضاً، وهذا الفهم والمعنى هو المعوّل عليه في كتب الشروح الفقهية للقانون كما ان في بعض تطبيقات نصوص قانون الإجراءات الجزائية اشارات واضحة لهذا المعنى كما في نص المادة (524) اجراءات بالإضافة إلى ما ورد في نصوص الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الخصوص، ولذلك فقد تبين للدائرة صحة تفسير الشعبة الاستئنافية للمادة (31) مما يتعين معه رفض الطعن واقرار الحكمالمطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : إشكالية الاعتماد على المعاجم اللغوية في تفسير مفردات النصوص القانونية :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان معاني المفردات في معجمات اللغة متنوعة ومتغايرة في معانيها، وهذا الأمر صحيح لمن يطالع معجمات اللغة فمثلاً لسان العرب لابن منظور وهو الجامع للمعجمات الأخرى يذكر لبعض المفردات أكثر من (170) استعمالاً مغايراً بحسب لغات العرب في حينه (لغة قريش، اسد، تميم، هذيل ..الخ) كما ان اللغة قد تطورت في استعمال المفردات فأصبحت في الوقت الحاضر غالبية المفردات اللغوية الاصلية المذكورة في المعجمات من غريب اللغة إضافة إلى ان المفردات الواردة في النصوص القانونية هي مصطلحات قانونية تعارف واصطلح عليها المشرعون وشراح القانون (تفسير نصوص القانون الجنائي، د.علاء زكي، صـ81) ولذلك فقد كان الحكم محل تعليقنا محقا في عدوله عن الأخذ بمعاني المفردات المعجمية.

الوجه الثاني : معنى كلمة(بلغ) في الفقه الاسلامي :

  يذهب غالبية الفقهاء الى ان المقصود بالبلوغ هو غاية الشئ المقصود ومنتهاه، وحجتهم في ذلك قوله تعالى { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [سورة الأنعام 152] وهذه الاية مذكورة في القران الكريم أكثر من أربع مرات حيث تفيد هذه الاية أن البلوغ يكون اشده أي منتهاه ،واستدلوا كذلك بقوله تعالى { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } [ سورة المائدة 96] أي غايته ومقصده الكعبة.

الوجه الثالث : تفسير البلوغ وفقاً للنص ذاته (المادة 31) عقوبات :

اعتمد الحكم محل تعليقنا في جانب من تفسيره للبلوغ اعتمد على النص ذاته الذي ورد فيه البلوغ ،حيث نصت الفقرة الخاصة بالموضوع على أنه  (ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة اذا لم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكابه الفعل) فصياغة النص تدل على أن المقصود بالبلوغ هو إتمام الثامنة عشرة فالنص يتناول المسئولية الجزائية التامة التي لا تتم الا عند إتمام الثامنة عشرة من العمر وليس الشروع فيها بأيام أو اشهر.

الوجه الرابع : تفسير البلوغ وفقاً للنصوص الجنائية الاخرى :

اعتمد الحكم محل تعليقنا في تفسيره (للبلوغ) على النصوص الجزائية الاخرى واشار إلى المادة (524) إجراءات التي نصت على انه لا يجوز اللجوء إلى الاكراه البدني مع الحدث الذي يتم الثامنة عشر من العمر فهذا النص قد صرح بان الحدث يظل غير مسئولاً مسئولية تامة إلا اذا اتم الثامنة عشرة، إضافة إلى ان المادة (4) إجراءات نصت على ان الشك يفسر لمصلحة المتهم وهذا يقتضي ان يتم تفسير البلوغ الوارد في المادة (31) عقوبات لصالح الحدث المتهم.

الوجه الخامس : تفسير البلوغ وفقاً للنصوص القانونية في قانون رعاية الاحداث :

فقد استعمل قانون رعاية الأحداث كلمة (تجاوز) للدلالة على غير البلوغ، فلو كان المراد بالبلوغ التجاوز لنص المقنن على ذلك في المادة (31)عقوبات حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا،فمثلاً نصت الفقرة (ب) من المادة (27) من قانون رعاية الاحداث على انه (اذا حكم على متهم باعتباره حدثاً ثم ثبت بأوراق رسمية انه جاوز الخامسة عشر يجوز لرئيس النيابة ان يرفع الأمر إلى المحكمة التي اصدرت الحكم لتعيد النظر فيه) فهذا النص  قد استعمل (التجاوز) في موضوعه كما استعمل (البلوغ) في موضوعه، فالتجاوز له معناه كما ورد هنا كما ان للبلوغ معناه المغاير الوارد في المادة (31) عقوبات.

الوجه السادس : تفسير البلوغ في ضوء الاتفاقيات الدولية :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه قد اعتمد في تفسيره على ما ورد في الاتفاقيات الدولية، وقصده من ذلك اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت اليمن عليها قبل صدور قانون العقوبات (1994م)لمدة طويلة حيث صرحت تلك الاتفاقية بان الطفل لا يكون مسئولاً مسئولية جزائية تامة إلا اذا اتم سن الثامنة عشرة سنة، فصدور قانون الجرائم والعقوبات بعد مصادقة اليمن على اتفاقية حقوق الطفل يعني ان ما ورد في المادة (31) عقوبات ينبغي تفسيره في ضوء ما ورد في الاتفاقية التي سبق التوقيع عليها فصارت ملزمة لليمن وصارت في حكم القانون الوطني.

الوجه السابع : تفسير البلوغ في ضوء قاعدة (الحد لا يدخل في المحدود) :

اسهب الحكم محل تعليقنا عند تفسيره للبلوغ اسهب في الاستدلال بقاعدة (الحد لا يدخل في المحدود) ومفهوم هذه القاعدة ان الشيء يستغرق كل ما قبل الحد مثل (18) سنة ،فان تطبيق القاعدة على بلوغ (18) سنة فان هذه القاعدة تعني ان كل السنوات الثمانية عشرة كاملة داخل في المحدود وهو (18 سنة) فلا ينقص منها شئ ولا يزاد عليهاشئ.

الوجه السابع : توصية للمقنن اليمني بتعديل المادة (31) عقوبات بشأن بلوغ سن المسئولية الجزائية العامة :

من خلال مطالعتنا لأحكام كثيرة في هذا الموضوع ومن خلال قيام بإعداد بحوث محكمة منشورة دولياً في هذا الموضوع فإننا نؤكد ان الحكم محل تعليقنا ليس الحكم الوحيد الذي كشف الخلاف بشأن تفسير (البلوغ) ولخطورة الاختلاف في تفسير النصوص الجنائية فإننا نوصي بتعديل المادة المشار اليها قطعاً لاختلاف التفسيرات بحيث يتم التصريحفي النص بعد تعديله على ان الشخص لا يكون مسئولاً جزائياً مسئولية تامة إلا اذا اتم الثامنة عشرة، علماً بان مصطلح (التمام ) مصطلح قانوني منضبط بخلاف مصطلح (اكتمال)، والله اعلم.