البسط على اراضي الدولة لا يكسب حقا
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
سادت في اليمن ثقافة الفساد التي حولت المنكر
الى معروف, فصار المجرم يطالب بحقه وبأجره وتعويضه عن الجريمة التي ارتكبها, حيث
يقوم بعض الاشخاص بارتكاب جريمة البسط والاستيلاء على ارض الدولة ؛ فبدلا من ان
تقوم الدولة بمحاكمتهم وانزال العقوبات
المقررة عليهم قانونا بدلا من ذلك يقوم هولاء الغاصبون برفع الدعاوى على الدولة مطالبين بتعويضهم اذا
لم تقم الدولة بمنحهم تلك الاراضي التي
سبق لهم البسط عليها واغتصابها ؛ والغريب ان النظرة الاجتماعية لهذه الجريمة تشجع
الجناة والفاسدين على ذلك, والقضايا المنظورة امام المحاكم
تشهد على ذلك ؛ وعلى هذا الاساس فقد اخترنا التعليق علىالحكم الصادر عن
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/12/2010م في الطعن
المدني رقم (41150) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مجموعة من الاشخاص قاموا بالبسط على مساحة
كبيرة من اراضي الدولة داخل مدينة من
دون علم هيئة اراضي الدولة ومن غير رضاها
او اذنها وحتى يتم طمس هوية ارض الدولة التي قاموا باغتصابها والبسط عليها قاموا
ببيع الارض للغير وبدورهم قام الغير ببيع تلك الاراضي الى غيرهم؛ وبعد فترة قامت هيئة الاراضي باعداد مخطط عمراني شمل تلك الاراضي المغتصبة حيث تم تقسيم تلك المساحة
الى قطع صغيرة لبناء مساكن وتم تأجيرها للمواطنين بموجب عقد انتفاع, وفي هذا الوقت كانت تلك
الاراضي المغتصبة قد الت الى شخص واحد حيث قام هذا الشخص برفع دعوى مدنية امام
المحكمة المختصة ادعى فيها على هيئة الاراضي وطالب فيها الزام هيئة الاراضي بإلغاء
عقود الانتفاع التي ابرمتها مع المواطنين
والتعاقد معه وتعويضه التعويض المناسب, فردت عليه هيئة الاراضي المدعى
عليها بأن الارض التي بسط عليها ارض الدولة وانه لا يجوز البسط عليها او حيازتها
الا بموجب عقد من الجهة المختصة وهي هيئة الاراضي ؛ وبناء على ذلك فلا يجوز للمدعي
وللأشخاص الذين ذكر انهم تنازلوا له عن البسط وحيازة الارض لايجوز لهم ذلك ؛ لأن البسط على اراضي الدولة
جريمة يعاقب عليها القانون, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (برفض دعوى
المدعي وتحميله مصاريف التقاضي التي دفعتها هيئة الاراضي) وجاء في اسباب الحكم
الابتدائي (وحيث ان المدعى عليها قد انكرت على المدعي احقيته فيما طلبه في دعواه
لان الارض ملك الدولة وان قانون الاراضي قد حدد كيفية واجراءات حيازة اراضي الدولة
وان القانون قد منح الهيئة الحق في ادارة اراضي وعقارات الدولة ومن ذلك صرف العقود
للمستفيدين والمنتفعين بأراضي الدولة وحيث انه لا يجوز للمستأجر او المنتفع بأراضي
الدولة التصرف فيها الى الغير بيعا او تأجيرا اضافة الى انه لم يرد في ادلة المدعي
ما يدل على فصل حق البسط والحيازة) فلم
يقبل المدعي بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه امام محكمة الاستئناف الا ان
محكمة الاستئناف رفضت عريضة استئنافه ؛ وجاء ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان
المحرر الذي قدمه المستأنف مرفقا باستئنافه مستدلا به على انه قد اخطر هيئة
الاراضي ببسطه على الارض حيث ثبت ان ذلك
المحرر عبارة عن مذكرة مقدمة من المستانف
نفسه عليها تأشيرات ليست رسمية كما ان تلك المذكرة لاتفيده في الاستدلال لأنها لا
تتفق مع الاجراءات المحددة في القانون للاخطار بالنسبة للباسطين على اراضي الدولة
قبل صدور القانون ) فلم يقبل المستانف بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن بالنقض في
الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي,
وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا ( اما من حيث الموضوع فان الدائرة بعد
الرجوع الى اوراق القضية فقد وجدت ان خلاصة
ما ينعي به الطاعن على الحكم الاستئنافي انه قد خالف المادتين (58و59) من
قانون الاراضي وهذه المناعي ليست في محلها فلا يوجد لها سندا ثابتا في الاوراق
لأنه بالرجوع الى اوراق القضية فقد وجدت الدائرة ان محكمة الاستئناف قد اسست حكمها
على اسباب سائغة كافية بقولها : تبين ان
الوثيقة التي يحتج بها المستأنف هي عبارة عن اخطار عليه تأشيرات موجهة الى المدير
العام لهيئة الاراضي يستدل بها المستأنف انه اخطر الهيئة ببسطه على الارضية موضوع
النزاع ومن ثم فهو يدعي احقيته بهذه الارضية وفي الوقت ذاته قدمت هيئة الاراضي
مجموعة من العقود مرفقة بالملف تم ابرام
تلك العقود مع مجموعة من المواطنين للانتفاع بقطع من تلك الارض بموجب المخطط
العمراني الرسمي المعتمد ؛ اما الاخطار فهو غير صحيح لانه لم يستوف الشروط المنصوص عليها في المادتين
(58و59) من قانون اراضي الدولة فالطاعن لم
يكن حاصلا على عقد رسمي من الهيئة مثل غيره وانما اكتفى بالبسط على الارضية دون
وجه حق؛ وعليه فقد اصدرت محكمة الاستئناف ؛ وحيث ان اسباب الحكم الاستئنافي سائغة
ولها اصل ثابت في الاوراق وحيث انها تؤدي الى النتيجة الموافقة للشرع والقانون
وحيث ان صدر الحكم الاستئنافي موافقا للقانون وخاصة المادتين (58و59) من قانون
الاراضي, وحيث ان المادة (58) قد نصت على ان : كل شخص طبيعي او اعتيادي اقدم
بالبسط قبل صدور هذا القانون على أي من اراضي او عقارات مملوكة للدولة يعد معتديا
ويعاقب بالعقوبة المحددة بالمادة (48) من هذا القانون ويعفى من العقوبة كل من بادر
بإخطار الهيئة كتابيا بما تحت يده على ان يتضمن الاخطار بيانا بموقع الارض
ومساحتها وابعادها واطوالها واية بيانات اخرى وما استحدثه في الارض بعد البسط وذلك
خلال مدة اقصاها ثلاثة اشهر من تاريخ الاعلان الموجه من هيئة الاراضي غبر وسائل
الاعلام المختلفة ....الخ, وان المادة (59) من القانون ذاته قد نصت على ان : كل من
قام من الباسطين بإخطار الهيئة بالميعاد المحدد طبقا لأحكام المادة السابقة حق
الشراء او استئجار ما تحت يده من ارض فاذا كان استخدام تلك الاراضي مخالفا
للتخطيطات التفصيلية كان له الحصول على قطعة ارض بديلة في ذات المنطقة تفي بالغرض
من الاستخدام الذي كان يعتزم تنفيذه فيه بقدر الامكان وتشكيل لجان فنية لتقدير
اثمان البيع في هذه الاراضي او القيمة الايجارية لهذه الاراضي وفقا للأسس
والمعايير التي يحددها قرار الوزير بتشكيل اللجنة مع مراعاة حالات ذوي الدخل
المحدود, فهاتان المادتان لم يخالفهما الحكم الاستئنافي حيث قام الحكم بمناقشة
استدلال الطاعن بتلك المواد حسبما ورد في اسباب الحكم الاستئنافي بالقول ان
الاخطار المقدم من الطاعن لا تنطبق عليه احكام المادتين السابق ذكرهما) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الاول : البسط والاعتداء على اراضي الدولة مرجعه التداخل في القانون بين مفهومي ملكية الدولة وملكية المجتمع :
يتذرع الباسطون على
اراضي وعقارات الدولة بانهم من افراد المجتمع الذي يملك هذه الاراضي وتلك
العقارات؛ وتبعا لذلك فلا محل للجريمة عند البسط
او الاعتداء على ارض الدولة او المجتمع لان الشخص لا يسأل شرعا وقانونا اذا
اخذ او استولى او بسط على ماله او مال له حق فيه , في حين انه من المقرر ان للدولة شخصية اعتبارية مستقلة عن المجتمع او
افراد المجتمع وان كانت الدولة هي السلطة التي تمثل المجتمع اوالشعب ولذلك فالدولة
وحدها هي التي لها الشخصية الاعتبارية او المعنوية والذمة المالية التي تؤهلها
للتملك بعكس افراد المجتمع الشعب الذين تمثلهم مجتمعين الدولة او السلطة العامة,
اما القول بخلاف ذلك فهو الفوضى بعينها وهو ما يحدث في اليمن في الواقع حيث يعمد
الاشخاص الى البسط والاستيلاء على ارض الدولة, وهم يرددون : (حق الشعب للشعب) وهذه
الفوضى تجد لها اساس في قانون الاراضي ذاته حيث
صرحت المادة (4) على ان الاعتداء على اراضي الدولة هو اعتداء على حق الدولة
والمجتمع !!! فهذا النص يعني ان ارض
الدولة حق لاثنين الدولة والمجتمع وبناء على ذلك
فلصاحب الحق ان يتصرف في حقه كيفما يشاء؛ ولذلك نوصي بان يصرح قانون
الاراضي بان اراضي وعقارات الدولة ملك للدولة كشخصية اعتبارية تمثلها هيئة الاراضي
.
الوجه الثاني : تحديد اراضي وعقارات الدولة التي تقع عليها جريمة البسط :
حددت المادة (6) من
قانون الاراضي حددت اراضي وعقارات الدولة وهي الاراضي التي تكون ملكية الرقبة
للدولة وتلك التي يثبت انها مملوكة للدولة بأي سبب من اسباب التملك والاراضي
والعقارات التي تشتريها الدولة او تستملكها للمنفعة العامة وتلك التي تؤول للخزينة
العامة استيفاء لديون مستحقة والاراضي البور والاحراش والغابات والاراضي الصحراوية
والمراهق العامة كالجبال والمنحدرات والسوائل والسواقي والجزر والاراضي والعقارات
التي لا يعرف مالكها او التي لا وارث لها؛
وفي هذا الشأن نوصي قانون اراضي وعقارات الدولة ان يدرج الاراضي و العقارات
المصادرة بموجب احكام قضائية ضمن اراضي
الدولة في هذا النص .
الوجه الثالث : البسط على اراضي الدولة جريمة يعاقب عليها القانون بعد صدوره (27/8/1995م):
صرح قانون اراضي وعقارات الدولة بان البسط على اراضي الدولة جريمة يعاقب عليها القانون حيث نصت المادة (55) من القانون على انه (يحظر على أي شخص طبيعي او اعتباري ان يحوز او يضع اليد بأي صفة كانت على الاراضي والعقارات المملوكة للدولة بالمخالفة لأحكام هذا القانون واللوائح والقرارات المنفذة له) وبما ان البسط على اراضي وعقارات الدولة جريمة فانه لا يترتب على ذلك ان يكتسب المعتدي على ارض الدولة أي حق او اولوية او احقية, لان بسطه على الاراضي محظور قانونا, وهذا الحكم القانوني يسري على البسط على اراضي وعقارات الدولة بعد صدور القانون (27/8/1995م) اضافة الى ان قانون الاراضي صرح في المادة؛ (7) بان احكام التقادم لاتسري على اراضي وعقارات الدولة ؛واذلك فان تقادم البسط لايكسب حقا للباسط.
الوجه الرابع : البسط على اراضي الدولة قبل صدور قانون الاراضي (27/8/1995م) :
لان البسط على
اراضي الدولة ثقافة وسلوك في اليمن فان قانون اراضي وعقارات الدولة الصادر بتاريخ
27/8/1995م قد وضع معالجات لحالات البسط على اراضي الدولة السابقة على تاريخ صدوره
حيث اعتبر القانون البسط على اراضي الدولة قبل صدور القانون جريمة يعاقب عليها
القانون مثلها في ذلك مثل الجريمة الواقعة بعد صدور القانون فلا يعفى من العقوبة
الا من قام بإخطار هيئة الاراضي كتابيا بما تحت يده حسبما ورد في المادة (59) من
القانون, وقد ورد هذا النص كتدبير مؤقت لتشجيع الباسطين على توفيق اوضاعهم طبقا للقانون الذي صدر بعد وقوع فعلهم الجرمي (البسط والاستيلاء على ارض
الدولة) وكنوع من التحفيز والتشجيع لهؤلاء فقد نصت المادة (59) من القانون على انه
يجوز لهيئة الاراضي ان تقوم ببيع او تأجير الباسطين الارض التي قاموا بالسط عليها قبل صدور قانون الاراضي .
الوجه الخامس : لماذا لم يتم تطبيق المادتين 58و59 من قانون الاراضي على الشخص الذي بسط على ارض الدولة قبل صدور القانون؟
ذكرنا في الوجه
السابق ان المادتين (58و59) من القانون تهدف الى تشجيع الباسطين على اراضي الدولة
قبل صدور القانون لتوفيق اوضاعهما وفي هذا الشأن اجازت المادة (59) تأجير الاراضي
او بيعها لمن كان قد بسط عليها قبل صدور القانون, الا انه بالنسبة للحكم محل
تعليقنا نجد انه لم يطبق هذا الامر على الشخص الذي بسط على ارض الدولة قبل
صدور القانون, ويرجع ذلك الى ان الشخص المشار
اليه لم يقم بتقديم الاخطار المحدد في المادة (58) وهو الاخطار الذي يتضمن تاريخ
قيامه بالبسط ومقدار المساحة وحدودها واطوالها ....الخ حسبما ورد في المادة المشار
اليها, حيث كانت المذكرة المقدمة من ذلك الشخص امام المحكمة هي عبارة عن مذكرة
تضمنت مطالبة الشخص بتأجيره الارض دون ان تتضمن البيانات المحددة في المادة (58)
من القانون؛ والله اعلم.