الاعتداء على السوائل العظمى في اليمن
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يقرر قانون أراضي
وعقارات الدولة صراحة أن السوائل العظمى من المراهق العامة، ولا ريب أن هذا
التقرير له حكمته واهدافه واثاره، إلا أن الكثير من المواطنين يتجاوزون حدود
الانتفاع العام بالسوائل العظمى بسبب الجهل بالغايات والاهداف من جعل السوائل
العظمى مراهق عامة وعدم فهم طبيعتها فتجد هذا يحفر بئراً في السائلة العظمى وذلك
يضم ويلحق اجزاء منها إلى أرضه الخاصة
وذاك يوجه السيل إلى أرض غيره ...الخ ولذلك نلت ونشاهد كوارث السيول
والفيضانات التي تجتاح اليمن بين الفترة والاخرى ؛ ولاشك ان موقف قانون اراضي
الدولة قاصر في مواجهة الاعتداءات على السوائل
لاسيما خارج المدن ولأهمية هذا الموضوع وخطورته لا سيما في هذا الوقت الذي
لاحظنا وشاهدنا وعايشنا مخاطر واضرار السيول والفيضانات التي يكاد ان يكون من أهم
أسبابها الاعتداء على السوائل العظمى وسوء الانتفاع العام بها، ولغرض لفت الانظار
الى هذا الموضوع المهم وتقديم التوصيات المناسبة لهيئة الاراضي اخترنا التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
2/6/2010م في الطعن المدني رقم (36331) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم أن احد الاشخاص تقدم بدعوى امام المحكمة الابتدائية ذكر فيها ان
المدعى عليه قام بحفر حفرة في السائلة العظمى وان تلك الحفرة مقابل المحجر الخاص
بالمدعي، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بقنوع المدعي عن منازعة المدعى عليه، وقد ورد في اسباب الحكم
الابتدائي ان (العرف في البلاد لا يمنع الحفر في السائلة العظمى حسب إفادة العدلين
وانه ليس هناك ضرر على المدعي من الحفرة أو البئر) فلم يقبل المدعى عليه بالحكم
الابتدائي فقام باستئنافه فقبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بمنع المدعى عليه
المستأنف ضده من الاستمرار في حفر البئر أو الحفرة؛ لان ذلك مخالف للمادة (35) من
قانون المياه التي تنص على عدم جواز القيام بحفر بئر الا بعد الحصول على ترخيص من
الهيئة المختصة سواء اكان حفر البئر في مال خاص أم مباح ؛كما قررت المادة (70) من
القانون ذاته العقوبة على من اقدم بالتوسع أو استحداث أرض على حساب مجاري الوادي
والسيول بالحبس ستة أشهر، والبئر التي شرع المستأنف ضده بحفرها تقع في مجرى الوادي
الأعظم أي السائلة العظمى الأمر الذي يوجب منعه من الاستمرار في الحفر والغاء ما
قضى به الحكم الابتدائي) فلم يقبل حافر البئر أو الحفرة بالحكم الاستئنافي فقام
بالطعن فيه بالنقض امام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت
الحكم، حيث ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما بالنسبة للطعن المقدم من
المستأنف ضده الطاعن بالنقض حالياً المتعلق بالحفرة التي حفرها في الوادي الأعظم
الذي ذكر في طعنه : ان الحفرة في حدود ثلاثة امتار فقط وانها لا تنطبق عليها
المادة (35) من قانون المياه فذلك النعي صحيح حسبما هو منصوص عليه في المادة (45)
من قانون المياه التي اجازت حفر ابار سطحية بدون ترخيص للحصول على كميات محدودة من
المياه بعمق ستين متراً وفقا للشروط المنصوص عليها في النص ذاته، ولما كان الحكم
المطعون فيه قد صدر خلافاً للنص المشار اليه فانه يتعين نقضه) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : السائلة العظمى والوادي الأعظم من المراهق العامة والاملاك العامة:
يقرر قانون أراضي
وعقارات الدولة صراحة إن السوائل العظمى من ضمن المراهق العامة المملوكة للدولة
التي لا يجوز الاعتداء عليها أو الاستيلاء عليها أو تعطيل منافعها أو استعمالها
استعمالاً مضراً بالمواطنين الاخرين حيث عرفت المادة (2) من قانون أراضي الدولة
عرفت المراهق العامة والسوائل العظمى حيث نصت على ان (المراهق العامة هي : الجبال
والآكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الامطار وتصريفها ويعتبر في حكم المراهق
العامة السوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية) وتبين
المادة (6) من قانون أراضي الدولة وتصرح بان المراهق العامة من أملاك الدولة حيث
تنص هذه المادة على أنه (يعد من أراضي وعقارات الدولة : - و- المراهق العامة).
الوجه الثاني : الانتفاع بالسوائل العظمى وضوابط الانتفاع العام بها :
مع ان السوائل العظمى
من المرافق العامة المملوكة للدولة حسبما سبق بيانه إلا ان كونها من المراهق
العامة تقرير صريح بإباحة الانتفاع بها لكافة المواطنين دون تخصيص أو احتكار
لمنافعها أو منع للأخرين من الانتفاع أو الانتفاع بها على نحو يلحق الضرر بالأخرين
أو يحول دون انتفاعهم ؛ وفي هذا المعنى نصت المادة (44) من قانون أراضي الدولة على
أن (يضل الحق في الانتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً
للكافة سواء بالرعي أو الاحتطاب أو غيره ولا يجوز للدولة الاخلال بهذه الحقوق إلا
لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة) ولذلك فان المنتفع والمستفيد من المراهق العامة
هم المواطنون عامة وان كانت مملوكة للدولة؛ ولذلك ينبغي على المواطنين جميعاً
الدفاع عن المراهق العامة ومنها السوائل العظمى والمحافظة عليها، ولا شك ان هناك
ضوابط تنظم الانتفاع العام بالسوائل العظمى منها عدم احتكار الانتفاع أو جزء منه
فلا يجوز لأي من المواطنين ان يحتجر أو يضع أحجار ؛(سور اوجدار) على جزء من
السائلة ويمنع الناس من الانتفاع به أو يضع اسلاكاً شائكة أو زرب على اجزاء من
السائلة يختص بالانتفاع بها دون غيره؛ والحفر في السائلة نوع من الانتفاع الخاص
بالسائلة الذي يترتب عليه منع الاخرين من الانتفاع بالماء الموجود في البئر أو
الحفرة أو الخارج منهما ؛وكذا لا يجوز لأحد المواطنين الاختصاص وحده بالانتفاع
بالأحجار والاشجار التي تكون أو تنمو في وسط السائلة اما الاحجار والاشجار على
تكون على حواف السائلة العظمى والقريبة أو الملاصقة للأراضي الخاصة فإنها تكون حمى
خاص بتلك الأراضي الخاصة وقدر هذا الحمى يكون متر لكن هذا الحمى أو الأرض التي
تنمو عليها الاشجار أو تقع فيها الاحجار تكون جزءاً من السائلة العظمى فلا يجوز
لمالك الأرض الخاصة الادعاء بانه مملوكة
له تبعاً لأملاكه الخاصة، (النظرية العامة للملكية العامة، د.عبد المؤمن شجاع
الدين، ص232) ومن ضوابط الانتفاع بالسوائل العظمى عدم الانتفاع بها على وجه يضر
بالأخرين أو على وجه يعطل أو ينقص انتفاع المواطنين الأخرين فلا يجوز لمواطن ان
يحفر في السائلة العظمى ويلحق الضرر بالطريق المارة في السائلة كما لا يجوز له ان
يكوم الاحجار أو الاشجار أو التراب في وسط السائلة العظمى، كما لا يجوز أن يضع
مصدات للسيول في وسط السائلة ولكن يجوز له أن يضع مصدات للسيل ملاصقة لأملاكه أو
على مقربة منها لحمايتها، كما لا يجوز له أن يضع مساقي للاستثار بالسيل كله او
اغلبه ولذلك فلا يجوز أن تصل مساقيه إلى منتصف السائلة في كل الأحوال شريطة أن لا
يترتب على وضع المساقي تخريب الطريق أو تعويقها أو منع الناس من الرعي أو الاحتطاب
فيها باعتبار هذه المساقي لازالت جزء من السائلة العظمى وليست من الأرض التي
تسقيها كما لا يجوز للمواطنين تصريف مياه المجاري والقاذورات في السوائل العظمى
لان ذلك تلويث وافساد لها يترتب عليه الاضرار بالمنتفعين الاخرين.
الوجه الثالث : الجزاء القانوني على الاعتداء على السوائل العظمى وتوصيتنا لهيئة الأراضي :
تقدم القول بان
المراهق العامة ومن ضمنها السوائل العظمى تعد من أملاك الدولة وانه يجوز للمواطنين
عامة الانتفاع بها دون تملكها أو الانتفاع بها على نحو يضر بالأخرين وفقاً للضوابط
السابق ذكرها، فاذا خالف أي مواطن هذه الضوابط بان قام بالاستيلاء على اجزاء من
السائلة او البناء عليها وتضييق مسار السيل أو حرف مساره أو قام بمنع الاخرين من
الانتفاع بالسائلة أو قام بحفر ابار في السائلة مضراً بجريان الماء الجاري على سطح
السائلة الذي ينتفع به العامة أو حفر سدود وغيرها فأعاق جريان الماء أو منع وصول
السيل إلى غيره فانه يكون قد اعتدى على أراضي الدولة وذلك جريمة يستحق عليها
العقاب بمقتضى المادة (4) من قانون أراضي الدولة التي جعلت كل اعتداء أو عبث في
السوائل العظمى جريمة يعاقب عليها القانون حيث نصت هذه المادة على ان (كل عبث أو
عدوان يقع على أرض وعقارات الدولة يعتبر اعتداء على حق الدولة والمجتمع وعلى كافة
اجهزة الدولة وسائر افراد المجتمع والجهات الحكومية كلاً فيما يخصه طبقاً للقوانين
النافذة صيانة وحماية أراضي وعقارات الدولة ويعاقب كل من ينتهك حرمتها وفقاً لهذا
القانون) وعند الرجوع إلى احكام العقوبات في قانون الأراضي ظهر لنا أن القانون
العاجز لا يعاقب الا على الاعتداء على المراهق العامة داخل المدن وكأن المراهق
العامة لا وجود لها الا في المدن وكأن السوائل العظمى لا وجود لها الا في المدن
وكأن اضرار وكوارث السيول لاتقع الا في المدن حصر مع ان الغالبية العظمى من المراهق
العامة خارج المدن؛ والاخطر من هذا وذاك
انه يفهم من هذا النص انه ليس هناك عقوبة مطلقا على المراهق العامة خارج المدن الى
درجة ان قانون المياه كان موقفه افضل من قانون الاراضي حيث نصت المادة 70 من قانون المياه على معاقبة المعتدي على السوائل مطلقا سواء داخل
المدن او خارجها بالسجن لمدة ستة اشهر؛ اما قانون الاراضي فلايعاقب الا على
الاعتداء على المراهق داخل المدن فقط حيث نصت المادة (47) من قانون الأراضي على
انه (مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها قانون اخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد
على أربع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف ريال أو بإحدى العقوبتين كل من يعتدي
بأي وجه من الوجوه على أراضي وعقارات الدولة المخصصة والمراهق العامة الواقعة في
نطاق المدن وتكون العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات اذا صاحب الاعتداء
استعمال القوة او التهديد باستعمالها او تم ذلك اعتماداً على سلطة وظيفية أو
استغلال للنفوذ أو الوجاهة وتتعدد العقوبات بتعدد الافعال وتضاعف العقوبة في حالة
العود) وأهم ما يلاحظ على هذا النص انه لا يعاقب على الاعتداء على المراهق العامة
خارج المدن وكذا انه لم ينص على عدم الاخلال باحكام المسئولية المدنية من حيث
ازالة الاعتداء او اثاره والتعويض عنه،
ولذلك فإننا نوصي مخلصين هيئة الأراضي بإعادة صياغة هذا النص لتلافي أوجه القصور
فيه ومعاقبة كل من يعتدي على المراهق العامة داخل المدن وخارجها وكذا عدم الاخلال
باحكام المسئولية المدنية والزام المعتدي بإزالة الضرر وتعويض الهيئة.
الوجه الرابع : توصيتنا إلى الهيئة بإعداد دليل أو تعميم يتضمن ضوابط الانتفاع العام بالمراهق العامة :
ذكرنا أن القانون قد
قرر حق المواطنين كافة بالانتفاع بالمراهق العامة دون ان يصرح بالضوابط والاجراءات
الواجب اتباعها عند هذا الانتفاع، وترك ذلك للسلطة الادارية وهي هيئة الأراضي
ولذلك فإننا نوصي الهيئة بسرعة اعداد تعميم أو دليل يتضمن ضوابط وإجراءات الانتفاع
بالمراهق العامة بما فيها السوائل العظمى؛ لان الانتفاع بغير ضوابط ناظمة يؤدي إلى
فتن عظيمة تصل في حالات كثيرة إلى الاقتتال بين القبائل على حق الاحتطاب والرعي
والحجارة وحفر الابار والانتفاع بالسيل.
الوجه الخامس : الحكم محل تعليقنا اعتمد على قانون المياه واغفل قانون الأراضي وتوصيتنا لهيئة الأراضي:
استند الحكم محل تعليقنا على قانون المياه من حيث ضوابط حفر الابار والمسافة المحددة للحفر من غير ترخيص من هيئة المياه على النحو المبين في الحكمين الاستئنافي وحكم المحكمة العليا و الحكمان قد استندا إلى قانون المياه واغفلا قانون أراضي وعقارات الدولة مع ان الحفر في مراهق عامة أي أراضي الدولة، إلا أن الحكمين اختلفا في قضائهما ومن وجهة نظرنا فان الحكم الاستئنافي كان اقرب الى روح قانون الأراضي الذي يمنع كل اعتداء وعبث في المراهق العامة ومنها السوائل العظمى، والله اعلم.