وضع الاكشاك في الشارع العام
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
المفاهيم الغائبة عن الوعي المجتمعي في اليمن عدم احترام الحقوق العامة وتصوير
الحقوق العامة على انها حق الدولة المستباح دوماً، ومن تطبيقات هذا الأمر وضع
الاكشاك أو الصندقات وبناء الدكاكين الصغيرة على جوانب الشوارع العامة سواء في المدن الرئيسية أو
الثانوية بل ان الأمر يصل إلى ان يقوم المخالف بتضييق الشارع بالتصرف بالبيع
والتأجير للبناء أو الكشك المخالف إلى الغير والاخطر من هذا ان يقوم الأمين الشرعي
بتحرير هذه التصرفات غير المشروعة، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/10/2017م في الطعن رقم
(59567) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت (21)
شخصاً بالبناء المخالف ووضع الصندقات والاكشاك على جانبي الشارع وتضييق الطريق
واتهمت الأمين الشرعي بانه قد قام بتحرير تصرفات غير مشروعة ببيع وتأجير تلك
الابنية والاكشاك المخالفة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى ادانة المتهمين
جميعاً ومعاقبتهم والزامهم بإزالة الابنية والصندقات والاكشاك المخالفة ومعاقبة
الأمين الشرعي ومنعه من مزاولة المهنة، وقد استند الحكم إلى المواد (3 و 24 و 66 و
68 و 69) من قانون البناء، وقد أيدت الشعبة الجزائية الحكم الابتدائي، فلم يقبل
متهمان من المتهمين ال21 بالحكم فقاما بالطعن بالنقض إلا أن الدائرة
الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا
(فقد وجدت الدائرة نعي الطاعنين غير مؤثر في صحة وسلامة الحكم الاستئنافي المؤيد
للحكم الابتدائي لما اورده في حيثياته من ثبوت المخالفة المنسوبة للطاعنين بالبناء
على الشارع المؤدي إلى ... بدون ترخيص مما ترتب على ذلك تضييق الشارع وفقاً
للتفصيل الوارد في اسباب الحكم، فهو بذلك موافق للقانون في النتيجة التي انتهى
اليها، فما اثاره الطاعن عبارة عن جدل موضوعي في الواقعة التي اقتنعت بثبوتها
محكمة الموضوع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه
الأول : الوضعية القانونية للشارع :
تبين
المادة (2) من قانون البناء حدود الشارع بانه: الخط الذي يحدد عرض الطريق من
الجانبين بما في ذلك الارصفة، ويعرف قانون المرور في المادة (2) الطريق بانها :
السطح الكلي المعد للمرور العام من مشاة وحيوانات ومركبات النقل او الجر ، وباعتبار الشوارع مخصصة للمنفعة العامة فانها تندرج ضمن أراضي الدولة
أي تلك التي تملكها الدولة حيث نصت المادة (5) من قانون أراضي الدولة على أنه
(يعتبر من الاملاك العامة كل ماهو مخصص بطبيعته أو تم تخصيصه للمنفعة العامة) وهذا
الأمر ينطبق على الشارع، ونخلص مما تقدم إلى ان الشارع يشمل الطريق والرصيف وانه
مخصص للمنفعة العامة وهي سير السيارات والأشخاص فيها بسهولة وآمان وان الشارع من
املاك الدولة.
الوجه الثاني : وضع
الاكشاك والصنادق على الشارع أو الرصيف مخالف للقانون:
قضى الحكم محل
تعليقنا بإدانة ومعاقبة الأشخاص الذين قاموا بوضع الصنادق والاكشاك أو البناء على
جوانب الشارع باعتبار هذه الافعال مخالفة للقانون الذي يحظر ذلك إضافة إلى ان هذه
التصرفات تعطل أو تنقص من المنفعة العامة للشارع لانه يترتب عليها تضييق الشارع
وتعطيل أو عرقلة حركة السير فيه حسبما ورد في اسباب الحكم محل تعليقنا الذي استند
إلى احكام الطريق في قانوني البناء والمرور.
الوجه الثالث : حكم
التصرف في الشارع العام :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نلاحظ انه قد قضى بإدانة ومعاقبة الأشخاص الذين قاموا بوضع الاكشاك
والصنادق في الشارع العام وضيقوا وعرقلوا حركة السير في الشارع وكذا قضى الحكم
بإدانة ومعاقبة المتصرفين في الاكشاك والصنادق المقامة على الشارع العام وإبطال
تصرفاتهم، لان التصرفات الصادرة منهم كالبيع والتأجير للأكشاك والصنادق المقامة
على الشارع تصرف مخالف، لان البيع أو التأجير اذا انصرف على الأرض التي اقيم عليها
الكشك او الصندقة فانه تصرف من غير مالك لان الشارع من املاك الدولة وان انصرف
التصرف على الكشك او الصندقة المخالفة فقط أي المقامة على الشارع خلافاً للقانون
فان التصرف فيها أيضاً يخالف القانون لأن الكشك اوغيره مخالفة يجب ازالتها وليس
التصرف فيها ،ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإبطال التصرفات التي تمت على
الاكشاك والصنادق المخالفة.
الوجه الرابع : جزاء
تحرير الأمين الشرعي للتصرف المخالف :
قضى الحكم محل
تعليقنا بإبطال التصرفات التي جرت على الاكشاك والصندقات المقامة على الشارع العام
وفي الوقت ذاته قضى الحكم بإدانة الأمين الشرعي الذي تولى تحرير تلك التصرفات
ومعاقبته ومنعه من الاستمرار في مهنة الأمين الشرعي، لان قانون التوثيق قد اوجب
على الأمين التأكد من سلامة وصحة التصرفات التي يتولى تحريرها وان يتاكد من أن
التصرف جائز وفقاً للقانون وان الشخص المتصرف يجوز له إبرام التصرف فان لم يقم
الأمين الشرعي بهذا الواجب فانه يكون قد اخل بواجبه القانوني مما يجعله مسئولاً عن
ذلك مسئولية جزائية ومسئولية مدنية ومسئولية ادارية، ولذلك فقد قضى الحكم محل
تعليقنا بمعاقبة الأمين جزائياً وقضى أيضا بمنعه من مباشرة عمله كأمين، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717