الجريمة التي تقع من اللاجئ في اليمن
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون
قضايا النزوح
الانساني إلى اليمن تتداخل في بعض الاحيان مع بعض الأفعال الجنائية علاوة على
تداخل القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية فضلاً عن تداخل حقوق اللاجئين مع
حقوق الانسان وفي الوقت ذاته تتعارض المصالح الوطنية للدولة في حماية أمنها
ومصالحها الوطنية مع حقوق اللاجئين وتتجسد هذه المفاهيم تماماً حينما يقدم اللاجئ
على ارتكاب فعل أو افعال جرمية في الدولة التي لجاء اليها (حقوق اللاجئين، د.عبد
المؤمن شجاع الدين، مجلة الفقه والقانون المغربية، ص65) ويكون الأمر أكثر وضوحاً
اذا قام اللاجئ بعدة أفعال جنائية مثل دخول الدولة بصورة غير مشروعة والاقامة فيها
من غير ان يحصل على ترخيص اقامة بالاضافة الى قبامه بصنع الخمر وبيعه واتخاذ ذلك حرفة يحترفها اللاجئ، ومن هذا المنطلق
وبغرض التوعية بقضايا اللاجئين وتماسها مع القانون الوطني فقد اخترنا التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
31/3/2010م في الطعن الجزائي رقم (36566) لسنة 1430هـ ، وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان لاجئة من دولة افريقية اجبرتها الظروف القاهرة في دولتها إلى
مغادرة دولتها لاجئة إلى اليمن بصورة غير شرعية من غير أذن ومن غير ان تدخل الى
اليمن عبر المنافذ الرسمية وبعد نجاحها في الدخول اتجهت إلى أحدى المدن اليمنية
حيث حاولت البحث عن عمل لإعالة نفسها الا ان محاولاتها كانت تفشل فلم تجد بدا من
احتراف حرفة صنع وتحضير الخمر البلدي وبيعه مباشرة وقد استمرت في هذا
النشاط لمدة ثلاثة أشهر حتى قامت شرطة مكافحة المخدرات بالقبض عليها وإحالتها إلى
النيابة التي قامت بالتحقيق معها حيث أكدت في التحقيق أقوالها في محاضر جمع
الاستدلالات حيث اعترفت بأنها دخلت اليمن بطريقة غير شرعية وانها اضطرت إلى صنع
الخمر وبيعه لإعالة نفسها ؛ولثبوت التهم حيال اللاجئة المتهمة قامت النيابة بإحالة
القضية إلى المحكمة الابتدائية لمحاكمتها بتهمة صنع خمر بلدي بقصد المتاجرة والبيع
واتخاذ صناعة الخمر حرفة لها وكذا دخول اليمن بطريقة غير مشروعة عن طريق الهروب
عبر البحر إضافة إلى اقامتها في اليمن من غير الحصول على أذن من الجهات المختصة أو
اذن بالإقامة كلاجئة وفقاً للاتفاقيات الدولية حسبما ورد في قرار الاتهام،
وطلبت النيابة العامة من المحكمة معاقبة
المتهمة استناداً إلى المادتين (17 و 285) عقوبات والمادة (42) من قانون دخول
وإقامة الاجانب، وقد سارت المحكمة في إجراءاتها حتى خلصت إلى الحكم (بإدانة
المتهمة بالتهم المسندة اليها في قرار الاتهام وحبسها لمدة ثلاث سنوات مع النفاذ
لارتكابها جريمة صنع وبيع الخمر على ان تحتسب مدة الحبس من تاريخ حبسها احتياطاً
وإدانة المتهمة بتهمة دخول اليمن بطريقة شرعية والإقامة فيها بطريقة غير شرعية
وترحيل المدانة لقضاء العقوبة في مخيم اللاجئين بمنطقة خرز بالقرب من عدن وإتلاف
المضبوطات وأدوات صنع وبيع الخمر) فلم تقبل اللاجئة المتهمة بالحكم الابتدائي حيث
قامت باستئناف الحكم إلا أن الشعبة الجزائية رفضت استئنافها وحكمت بتأييد الحكم
الابتدائي، فلم تقبل المتهمة بالحكم الاستئنافي حيث قامت بالطعن فيه بالنقض أمام
الدائرة الجزائية التي رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة
العليا ( اما من حيث الموضوع فان نعي الطاعنة على الحكم الاستئنافي بانه حكم عليها
بالحبس مدة سنتين متجاوزاً الحد الأقصى للعقوبة المحددة في الفقرة الأولى من
المادة ( 285) عقوبات التي قررت بان الحد الأعلى للعقوبة لا يزيد على سنة،
والدائرة تجد ان نعي الطاعنة في غير محله لان العقوبة المحددة في المادة المشار
اليها وهي الحبس الذي لا يزيد على سنة يتم توقيعها على من اقتصر فعله على صنع
الخمر أو باعه لأخر أو عرضه عليه أو سهل تعاطيه بأي طريقة كانت في حين أن الطاعنة
لم يقتصر فعلها على صنع الخمر بل تجاوزت ذلك إلى بيعه كما هو ثابت في محضر التحقيق
لدى النيابة بانها كانت تبيع الخمر مع شريكها الذي ذكرت أسمه في محاضر التحقيق حيث
ان المتهمة اكدت بانها كانت تحترف هذا العمل المحرم لمدة ثلاثة أشهر حسبما ورد في
اقوالها في محاضر جمع الاستدلالات ولذلك فان قضاء الحكم المطعون فيه بمعاقبة
الطاعنة بالحبس لمدة سنتين سديد) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الوضعية القانونية للاجئة :
اللاجئ هو من تجبره
ظروف الحرب أو الكوارث أو الاضطهاد أو التمييز على عبور الحدود الدولية ومغادرة
دولته وموطنه الأصلي إلى دولة اخرى، فمفهوم اللجوء لا ينطبق إلا على عبور الحدود
فيما بين الدول، فاللاجئ هو من يجبر أو يضطر إلى مغادرة دولته إلى دولة اخرى بسبب
الظروف المشار اليها، بخلاف النروح وهو مغادرة مواطنين الدولة لقراهم ومدنهم
والانتقال منها إلى مدن أو قرى اخرى داخل الدولة ذاتها (الاتفاقية الخاصة بوضع
اللاجئين 1951) ولظروف اللجوء فان اللاجئ في غالب الاحيان يضطر إلى الدخول الى
الدولة التي يلجاء اليها من غير المنافذ الشرعية لأسباب عدة من ضمنها عدم وجود
وثائق السفر اوالاذن له بدخول الدولة التي يرغب في اللجوء اليها، ولكنه عندما
يتمكن من دخول دولة اللجوء يجب عليه ان يتقدم إلى الجهة المختصة حتى تتأكد من
اسباب اللجوء ومن انه لاجئ بالفعل وبعد ذلك يتم قيده ضمن جداول اللاجئين في الدولة
ويتم منحه بطاقة تثبت صفته كلاجئ، ومن خلال تطبيق هذا المفهوم على القضية التي
تناولها الحكم نجد أن اللاجئة قد دخلت إلى اليمن بطريقة غير مشروعة ولم تقم بتصحيح
وضعها عن طريق تسجيل نفسها لدى الجهات المعنية كلاجئة كما انها لم تتقدم الى مصلحة
الجوازات والهجرة للحصول على ترخيص الاقامة ؛ولذلك تم ضبطها والقبض عليها بالاضافة
الى صنعها للخمر وبيعه ولذلك تم تقديمها إلى المحاكمة الجزائية بتهمة الدخول إلى
البلاد بطريق غير مشروعة وكذا الاقامة في البلاد من غير الحصول على الترخيص بذلك
بموجب قانون دخول واقامة الاجانب في اليمن، ومع ان المتهمة لم تسجل نفسها كلاجئة
ولم تتصف بهذه الصفة بموجب القانون الوطني والاتفاقيات الدولية إلا أن الحكم محل
تعليقنا قد تعامل معها كلاجئة ويظهر ذلك جلياً حينما لم يقض بترحيلها إلى دولتها
التي قدمت منها لاجئة الى اليمن ؛ لان الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951م
التي منعت الدول من ترحيل اللاجئين إلى
دولهم التي هربوا منها أو غادروها فلم يقض الحكم محل تعليقنا بترحيل اللاجئة الى
دولتها مع أن عقوبة ترحيل الاجانب المخالفين الى دولهم مقررة في قانون دخول وإقامة
الاجانب حسبما ورد في قرار الاتهام السابق ذكره، لان ترحيل اللاجئ الى دولته التي
لجاء منها يلحق به اضرار غاية في الخطورة قد تصلح إلى قتله أو سجنه وتعذيبه.
الوجه الثاني : تعدد التهم المسندة للاجئة :
من خلال مطالعة قرار
الاتهام والاحكام الابتدائي والاستئنافي وحكم المحكمة العليا نجد ان النيابة
العامة قد اسندت إلى اللاجئة عدة تهم ( صنع خمر + بيع خمر + دخول البلاد بطريقة
غير شرعية + الاقامة في البلاد بدون ترخيص إقامة) كما ان تلك التهم المسندة كانت
ثابتة بالنسبة للاجئة، وبناءً على ذلك فانه ينطبق على هذا التعدد أحكام تعدد
العقوبات المنصوص عليها في قانون الجرائم والعقوبات ؛ومن المعلوم أن الجرائم
المسندة للاجئة جرائم تعزيرية؛ وقد بين قانون الجرائم والعقوبات كيفية توقيع
العقوبات التعزيرية اذا تعددت حسبما ورد في المادة (115) التي نصت على أنه (بغير
اخلال بالأحكام السابقة اذا ارتكب شخص جريمتين تعزيريتين أو اكثر ولم يكن قد حكم
عليه لاحداها بحكم بات وجب ان يعين الحكم عقوبة لكل جريمة ثم عقوبة واحدة لجميع الجرائم
هي المقررة لأشدها وهذه هي التي ينطق بها وتنفذ دون غيرها) وبناءً على ذلك كان
ينبغي على محكمة الموضوع أن تحدد غي منطوق الحكم عقوبة كل فعل من الافعال التي
ارتكبتها اللاجئة ثم تنطق المحكمة بالعقوبة الاشد؛ فتذكر في المنطوق : معاقبة
المدانة عن صنع الخمر بالحبس لمدة كذا ومعاقبة
المدانة بالحبس لمدة كذا لاحترافها بيع الخمر ومعاقبة المدانة لدخولها
البلاد بطريقة غير شرعية بالحبس لمدة كذا و معاقبة المدانة للإقامة في البلاد من
غير ترخيص إقامة بالحبس لمدة كذا ثم يذكر في المنطوقعبارة : وعملاً بأحكام المادة
(115) عقوبات فان المحكمة تقضي بتطبيق العقوبة الاشد وهي كذا (انظر تعليق سابق لنا
بعنوان كيفية تطبيق العقوبة الاشد) علماً بان عقوبة صنع الخمر أو بيعه ممن لا يتخذ
ذلك حرفة هي الحبس مدة لا تزيد على سنة حسبما هو مقرر في المادة (285) عقوبات
وعقوبة بيع الخمر لمن يتخذ ذلك حرفة هو الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات حسبما
هو مقرر انفاً في المادة (285) عقوبات، في حين ان عقوبة دخول اليمن بطريقة غير
شرعية الحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر حسبما هو مقرر في المادة (46) من قانون
دخول واقامة الاجانب، وعقوبة الاقامة في البلاد من غير ترخيص إقامة هي الحبس لمدة
لا تزيد على ستة أشهر حسبما هو مقرر في المادة (42) من قانون دخول وإقامة الاجانب،
ومع ان حكم محكمة الموضوع لم يتبع طريقة تطبيق العقوبة الاشد إلا أنه موافق في
نتيجته للقانون حيث انه قد نطق بالعقوبة الاشد وهي الحبس لمدة سنتين وهي عقوبة اتخاذ
بيع الخمر حرفة.
الوجه الثالث : القانون الجنائي الواجب التطبيق على اللاجئين :
من خلال استعراض الحكم محل تعليقنا نجد أن اللاجئة أجنبية ومع ذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بمعاقبتها بالعقوبات المقررة في القانون العقابي الوطني كما لو انها يمنية ؛ولا تثريب على الحكم في قضائه عملاً بمبدأ اقلمية القانون الجنائي الذي يعني تطبيق القانون الجنائي الوطني على كل جريمة تقع في اقليم الجمهورية بصرف النظر عن جنسية مرتكبها، وفي هذا المعنى نصت المادة (3) عقوبات على أن (يسري هذا القانون على كافة الجرائم التي تقع على اقليم الدولة أياً كانت جنسية مرتكبها)، والله اعلم.