تكييف واقعة إستخراج الفيزة مقابل مال
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تنتشر في اليمن عملية
بيع وشراء فيزات عمل اليمنيين في الخارج، وتثير هذه التجارة الرائجة جدلاً واسعاً
من الناحية الشرعية والقانونية، كما تتداخل هذه التجارة في حالات كثيرة مع اعمال
النصب والاحتيال، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/12/2012م في الطعن الجزائي
رقم (46666) وتتلخص وقائع القضية ان النيابة العامة اتهمت احد الأشخاص بجريمة
النصب والاحتيال لأنه قام بأخذ مبالغ مالية بالريال السعودي من مجموعة اشخاص مقابل إستخراج عدة فيز عمل في السعودية، فقضت
محكمة أول درجة بحبس المتهم والزامه بإعادة المبالغ التي تقاضاها مقابل إستخراج
الفيز، وقد أيدت الشعبة الجزائية الحكم الابتدائي فطعن المتهم بالنقض في الحكم
الاستئنافي، حيث قبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب
حكم المحكمة العليا (ومن حيث الموضوع : فإنه لما كان الطاعن قد نعى في طعنه على
الحكم المطعون فيه مخالفته القانون والقصور في التسبيب ،وبياناً لذلك قال الطاعن :
ان الحكم المطعون فيه لم يعمل بالأدلة الشرعية والقانونية التي تثبت بطلان الحكم
الابتدائي وتثبت أن المستأنف ضدهم قد استلموا فيزهم الصحيحة ودخلوا بها إلى
السعودية وأقاموا فيها وحصلوا على الكفالات والعمل وأقاموا لأكثر من سنة مستدلاً
على ذلك بالمستندات الصادرة عن الجهات الرسمية التي اظهرت رقم الفيزة وتاريخ
الدخول ومدة الاقامة وتاريخ الخروج وإنتهاء الاقامة مع أسم الكفيل والمهنة ،كما
استدل بالمذكرة الصادرة من القنصلية اليمنية بجدة المتضمنة تسوية مشكلة الاقامة
لعدد من الاسماء المذكورة، كما نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه خلوه من السند
الشرعي والقانوني بما قاله من عدم الزام المحكمة للمدعين المطعون ضدهم بإحضار
جوازات سفرهم التي تثبت انهم استلموا الفيز ودخلوا إلى السعودية وحصلوا على إقامات
وكفيل واستمرت إقامتهم أكثر من سنة نافياً بذلك أي جانب جنائي في القضية وأن ما
قام به هو من قبيل العلاقات العامة وأنه لا صحة لجريمة النصب والاحتيال ...الخ،
ولما كان الأمر كذلك وكان أساس الخلاف يدور بشأن التكييف القانوني لواقعة النزاع
بين الطرفين والذي يخضع لرقابة المحكمة العليا للتأكد من ان هذا التكييف قد جاء
مطابقاً للقانون، وحيث أن الطاعن قدم مستندات معتمدة من جهات رسمية في السعودية
ومصادقاً عليها من القنصلية اليمنية في جدة يحتج بها على نفي واقعة النصب
والاحتيال، وحيث أن الحكم المطعون فيه لم يناقش تلك المستندات في أسبابه ولم يرد
عليها رغم تعلقها بمسألة جوهرية يتوقف على الفصل فيها وصف سلوك الطاعن بأنه نصب
واحتيال أو مسؤولية مهنية فأنه يكون قد اخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في
التسبيب وأخل بحقوق الدفاع مما يتوجب نقضه وإعادة القضية للفصل فيها مجدداً)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول : ماهية وإجراءات إستخراج فيزة العمل في الخارج :
تشترط بعض الدول على
مواطني الدول الأخرى الراغبين في العمل فيها الحصول على موافقتها واذنها المسبق
للعمل في الدولة، وعلى هذا الأساس فان الفيزة: عبارة عن موافقة واذن مسبق من
الدولة المستضيفة بإستقدام العامل للعمل فيها، وتصدر الفيزة بناء على إجراءات
ومتابعات وموافقات الجهات المختصة في الدولة المستضيفة بعد ان يتم تحديد نوع العمل
ومكانه، وتشترط بعض الدول كالسعودية ان يقوم أحد مواطنيها بكفالة العامل الأجنبي،
وبناءً على هذا فان الحصول على الفيزة أو الموافقة على عمل العامل في دولة ما
يحتاج إلى وقت وجهد ومال يبذله الشخص الذي يسعى إلى الحصول على الفيزة سواء له أو
لغيره، إضافة إلى أن ذلك يحتاج إلى مهارات الاتصال والمتابعة ومهارات العلاقات
العامة والاتصال حسبما اشار الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : إستخراج الفيزة بين الاحتيال والاباحة :
المح الحكم محل
تعليقنا إلى ان استخراج الفيزة لا يكون من اعمال النصب والاحتيال اذا قام الوسيط
بإستخراج الفيزة بالفعل وكانت الفيزة نافذة وصالحة للإستعمال حتى لو تقاضي الوسيط
نظير ذلك مبالغ نقدية حسبما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا شريطة
ان لا يكون المستخرج للفيزة مستغلاً لنفوذه كأن يكون موظفاً في أحدى الجهات
المعنية بالفيز أو السفارة أو القنصلية المعنية بإستخراج الفيز، اما اذا تقاضي
الشخص المبالغ ولم يتمكن من إستخراج الفيزة فأنه يكون قد ارتكب جريمة النصب
والاحتيال حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، وعلى هذا الأساس فقد لاحظنا أن
الحكم محل تعليقنا قد نقض الحكم الاستئنافي الذي تجاهل المستندات التي تدل على أن
المتهم كان قد قام بالفعل باستخراج الفيز وبموجبها سافر الاشخاص المطعون ضدهم إلى
السعودية للعمل فيها ،لان المحكمة العليا قد لاحظت أهمية وحجية تلك المستندات التي
يترتب عليها تغيير وجه الحكم لدى الشعبة الاستئنافية لو قامت بدراسة تلك الأدلة.
الوجه الثالث : وجوب مناقشة المستندات المقدمة من المتهم :
لاحظنا ان الحكم محل
تعليقنا قد قضى بنقض الحكم الاستئنافي لتجاهل المستندات المقدمة من المتهم التي
استدل بها على أنه قد أوفى بالتزاماته ازاء المجني عليهم حيث استخرج الفيز المتفق
عليها وبموجبها قام المجني عليهم بالسفر إلى السعودية والعمل فيها وان ذلك هو
التزامه فقط فليس من التزامه ان يضمن بقاء واستمرار العمال في السعودية طالما وقداسثخرج لهم فيز عمل ، فالمستندات التي استدل بها الطاعن لها اهميتها
البالغة ويترتب على مناقشتها تغيير وجه الحكم في القضية.
الوجه الرابع : رقابة المحكمة العليا على تكييف الواقعة :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد صرح ان المحكمة العليا مختصة بالرقابة على تكييف الوقائع حتي لو اقتضى ذلك من المحكمة العليا دراسة المستندات والوقائع الموضوعية لغرض التاكد مما اذا كان حكم محكمة الموضوع قد قام بتكييف الواقعة تكييفا مطابقا للقانون ،لان التكييف بحسب تعريفه المعتمد عباره عن اصباغ التسمية القانونية على الواقعة او الفعل او التصرف وفي ضوء هذا التكييف يتم تطبيق النصوص القانونية على الواقعة، ولذلك فان التكييف مسالة قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون، والله اعلم.