توقيع الأمي على المحررات
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تنتشر الأمية في أوساط المجتمع اليمني حيث تصل نسبة الأميين إلى 65%
بين الرجال ،والأمي مثل غيره من المواطنين يحتاج إلى ابرام العقود والتصرفات
والاقرارات، ويحتاج إلى وسائل لإثبات صدور التصرف منه وموافقته عليه ورضاه بذلك
مثل الامضاء والتوقيع والبصمة والختم، وهناك اجراءات قانونية لإفهام الأمي بمضمون
المحررات التي يضع توقيعه أو بصمته أو ختمه عليها لكن في بعض الأحيان تتطابق ارادة
الامي مع ما يرد في المحرر الذي يقوم بالتوقيع أو البصمة عليه وفي بعض الأحيان لا
تتطابق هذه الارادة وفي أحيان اخرى يتعمد الأمي إنكار معرفته بمضمون المحرر وأنه
قام بالتوقيع على المحرر من غير أن يعرف محتواه،ووضعية توقيع الامي واشكالياته
تفرض نفسها في الحالات المماثلة للامي كالاعمى والاشل والاقطع والاجنبي الذي
لايفهم لغة المحرر الذي يقوم بالتوقيع عليه،
وهذا الأمر يثير إشكاليات كثيرة في الواقع العملي، ولذلك اخترنا التعليق
على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
30/12/2009م في الطعن المدني رقم (35541) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم أن احد الأشخاص رفع أمام المحكمة الابتدائية دعوى خلاصتها
مطالبته للمدعى عليه بدفع شقيته للأرض التي كان مزارعاً فيها وذكر المدعي أن
المدعى عليه مالك الارض باعها من غير أن يسلم له شقيته وذكر المدعى ان العرف
السائد في المنطقة يقدر الشقية باربعين الف ريالا على كل لبنة ، وقد رد المدعى
عليه بأن المدعي ليس شريكاً أو مزارعاً في الأرض لانها صالبة فليست مزروعة وذكر
المدعى عليه بأنه: مع ان المدعى عليه ليس مزارعاً أو شريكاً الا انه اي المدعى
عليه قد دفع للمدعي مبلغ الشقيةً عندما
قام أهل المحل بمنعه من بيع ارضه الا اذا
دفع حق المحل فقام المدعى عليه بدفع
المبلغ إلى المدعي الذي قام بالتوقيع على سند يثبت ستلامهً ، فعقب المدعي بأنه قام بالتوقيع على ذلك السند بمبلغ
ستمائة واربعين الف ريالا دون أن يعلم محتوى ومضمون ما ورد في السند لانه أي
المدعي أمي لا يقرأ ولا يكتب، وبعد أن سارت المحكمة الابتدائية في إجراءات نظر
القضية خلصت إلى الحكم برفض الدعوى وتحميل المدعي مصاريف التقاضي، فلم يقبل المدعي
بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف وقضت
بتأييد الحكم الابتدائي، وقد جاء في أسباب الحكم الاستئنافي(فقد تبين للشعبة أن
المستأنف قد استلم الشقية المدعى بها ستمائة واربعين ألف ريال وذلك ثابت بموجب
المحرر بقلم .... بتاريخ وبتوقيع المستأنف نفسه فهذا المحرر يحكي استلام المستأنف
لشقيته كاملة في موضع.... وأنه لم يبق له في المال لا حق ولا دعوى ولا طلب ،ولذلك
فان ما اثاره المستأنف أمام الشعبة غير سديد) فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي
فقام بالطعن فيه بالنقض، الا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن واقرت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن حكم محكمة أول درجة
المؤيد بالحكم الاستئنافي المطعون فيه قد قضى برفض الدعوى بعد دفع المدعى عليه
بعدم سماعها لتقدم ما يكذبها محضاً حيث قدم المدعى عليه سنداً مشهوداً عليه يحكي
استلام المدعي الطاعن لكامل شقيته وأنه لم يبق له أي حق أو طلب أو دعوى، وحيث أن
الطاعن لم يدع تزوير السند المشار اليه فانه حجة عليه فلا يجديه نفعاً ما يدعيه من
أنه قام بالتوقيع على السند دون معرفة مضمونه كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب،
فالمفترض أن يسعى لمعرفة مضمون السند بشتى الوسائل هذا أذا صح أنه أميً وهذا ما كان سيفعله الانسان العادي الحريص
لو كان في مكانه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : إجراءات توقيع الأمي ومن في حكمه على المحررات وتوصيتنا لوزارة العدل :
الأمي هو الذي لا يجيد القراءة والكتابة بالنسبة للغة التي يتم تحرير
المحرر بها ،فمن يجيد الانجليزية يكون أمياً اذا كان المحرر باللغة العربية والعكس
صحيح، وهذا التعريف من اجتهاد محكمة التمييز اللبنانية ومحكمة التعقيب التونسية، ولذلك ينبغي الاشارة في
المحرر ذاته بان الشخص الذي قام بالتوقيع على المحرر أمي او اعمى او اشل او اقطع
او لايجيد القراءة للغة التي كتب بها المحرر،كماينبغي الاشارة في المحرر ذاته بأنه
قد تمت تلاوة مضمون المحرر عليه وتم أفهامه مضمون المحرر والاثار المترتبة عليه
فوافق على ذلك وقبل به، حسبما هو متبع في غالبية الدول حيث تتم تلاوة المحرر على
الأجنبي او الامي او الاعمى وأفهامه بمضمون المحرر وما اذا كان موافقا على ذلك ،
وينبغي أن تتم التلاوة للمحرر على الأمي أو الاجنبي بحضور الشهود، ويكون الأعمى
بمنزلة الأمي، فقد قرر المجلس الاعلى في المغرب(محكمة النقض) بأن ( مناط إعمال
الاحكام القانونية المقررة في الفصل (427) ق.ل.ع هو جهل الشخص الأمي بمضمون الورقة
التي التزم بها وما دام الاعمى في وضعية تمنعه من معرفة محتوى الوثيقة ولذلك فان
الاعمى يكون في حكم الأمي) وكان المجلس الاعلى في المغرب قد ذكر ان ( الالتزامات
الصادرة من الاشخاص الاميين الذين لا يعرفون مضمونها لا تكون حجة الا اذا تم تحريرها بواسطة موثق موظف عمومي
مختص ولهذا فان محكمة الموضوع كانت على صواب حين لم تعتد بالتزام مختوم ببصمة أحد
الطرفين الذي لم ينكرها زاعماً انه لم يعرف مضمون المحرر لانه أمي) (هل ينزل
الأعمى منزل الأمي، عبد الحق الادريسي ص3) ولخطورة المحررات الصادرة عن الأميين
فان قوانين كثيرة من الدول قد أوجبت بأن يتم تحريرها من قبل الجهات الرسمية فقد نص
الفصل (427) من قانون التوثيق المغربي على أن (المحررات المتضمنة التزامات اشخاص
اميين لا تكون حجة الا اذا تلقاها موثقون أو موظفون عموميون ماذون لهم بذلك ) ولا
ريب أن الغرض من ذلك حماية الأميين ومن في حكمهم الذين لا يستطيعون العلم بمضمون
الوثيقة الا من خلال تدخل الغير والغير هنا المقصود به الموثق والامين الشرعي حتى
لا يكون الأمي ومن في حكمه عرضة للتحايل أو التلاعب عليه، وعلى هذا الاساس فاننا
نوصي:وزارة العدل بان تصدر تعميما الى كافة الامناء ومكاتب واقلام التوثيق بعدم
تحرير اية تصرفات او اقرارات تخص الاميين والاجانب او الاشل والاقطع والاعمى الا
عن طريق اقلام التوثيق.
الوجه الثاني : ماهية توقيع الأمي وإشكاليته :
يتم توقيع الامي عن طريق (الامضاء) وهو عبارة عن (اشارة) يضعها على
المحرر صاحب الامضاء بنفسه ولنفسه يصعب تقليدها للتأكيد على رضاه بما ورد في
المحرر أو لنسبة المحرر له، كما يتم توقيع الأمي عن طريق (التوقيع) وهو عبارة عن
قيام الأمي بكتابة أسمه الثلاثي أو الرباعي في ذيل المحرر للتأكيد على رضاه بمضمون
المحرر وموافقته على ما ورد فيه أو نسبة المحرر اليه، ومع أن الشخص أمي الا أن بعض
الأميين يستطيع كتابة أسمه، إضافة إلى ما سبق فان بصمة الأمي تقوم مقام توقيعه على
المحرر بما يفيد موافقته ورضاه بما ورد في المحرر إلا أن هناك إشكالية فيما يتعلق
ببصمة اليد التي تتراوح نسبة ظهورها في اليمن ما بين ،15-20% ،ولذلك ينبغي اشهاد الشهود على أن البصمة بصمة
الامي والامضاء امضائه والتوقيع توقيعه، علاوة على أن هناك إشكاليات في المكان
الذي يضع فيه الأمي بصمته أو توقيعه او ختمه، فمن المعتاد أن يضع الانسان توقيعه
في أدنى المحرر للتأكيد على أنه قد طالع المحرر اعلاه من اعلاه إلى أدناه وفهم
مضمونه وبعدئذ قام بالتوقيع عليه في ذيله بعد أن أكمل القراءة له اما الأمي أو
الاعمى فانه لا يطالع مضمون المحرر ولذلك قد يضع توقيعه أو بصمته في أي مكان في
المحرر الا اننا نرى انه ينبغي أن توضع بصمة الأمي أو الأعمى في ذيل المحرر.
الوجه الثالث : العرف الفاسد المخالف للشرع :
موضوع الدعوى التي فصل فيها الحكم محل تعليقنا هي مطالبة المدعي
(بالشقية) التي ذكر فيها أن عرف المنطقة يحدد (الشقية) بمبلغ مقطوع كان في حينه (
أربعين ألف ريال) على كل لبنة، وتحديدً الشقية أو العناء بمبلغ مقطوع على مستوى كل لبنة عرف فاسد يخالف الشريعة الاسلامية التي
تقرر أن الشقية تكون بقدر الشقاء أو العناء الذي بذله المزارع وهو العناء الظاهر
المتمثل في الغرس أو اصلاح الأرض وزراعتها وأن يتم ذلك بإذن من المالك،فالشقية هي
مقابل العمل الذي قام به الشريك فليست مبلغا مقطوعا، والله اعلم.