القصد في حيازة المخدرات

 

القصد في حيازة المخدرات

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

يجرم القانون حيازة المخدرات ويقرر عليها عقوبات رادعة، ولكن القصد من الحيازة امر خفي يتم استظهاره غالبا عن طريق القرائن المصاحبة لواقعة الحيازة وذلك يثير إشكاليات عملية كثيرة تستحق الاشارة اليها في سياق التعليق على الحكم الذي تناول هذه المسألة، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/12/2012م في الطعن الجزائي رقم 46198  ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة الجزائية المتخصصة اتهمت شخصاً بأنه حاز بقصد الاتجار مادة مخدرة من المواد المبينة في الجدول رقم (4) بند (ع) من قانون مكافحة المخدرات وفي غير الاحوال المصرح بها قانوناً حيث قامت سلطة الضبط القضائي بضبطه في نقطة التفتيش على مدخل المدينة وبحوزته باكت مورفين يحتوي على عشر امبولات حيث تم ضبطه من قبل افراد الأمن السياسي في النقطة، وطلبت النيابة معاقبة المتهم بموجب احكام المادة (34) مكافحة مخدرات، وافاد المتهم أمام المحكمة الجزائية الابتدائية بأن مدير المشتريات في مستشفى في أحدى المدن الثانوية طلب منه ان يقوم بشراء عدة اصناف من الادوية فذهب إلى صيدلية .... في المدينة الرئيسية حيث اشترى منه الاصناف المطلوبة وعند قيام المتهم بتسليم الاصناف إلى مدير المشتريات قال له  مدير المشتريات :أن ذلك الباكت ليس المطلوب وأنه مورفين مخدر وممنوع، فأخذ المتهم الباكت ووضعه في العلاقي مع بعض الادوية بغرض إعادة الباكت إلى الصيدلية التي اشترى الباكت منها، وعند عودته الى المدينة الرئيسية وفي نقطة التفتيش واثناء تفتيش السيارة قال المتهم لمندوب الأمن السياسي بأن هناك باكت مورفين وأنه في طريقه لإعادة الباكت  إلى الصيدلية لان الصيدلية باعته له بالغلط فتم ضبطه في نقطة  التفتيش وإحالته إلى الأمن السياسي حيث تم التحقيق معه ثم تمت إحالته إلى النيابة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم بجريمة المورفين المخدر ومعاقبته بالحبس مدة خمس سنوات من تاريخ القبض عليه، وقد ورد ضمن أسباب الحكم (ان المتهم قد اعترف بحيازته للباكت المورفين وأنه يعلم بأن ما يحوزه هو مخدر وذلك العلم مستفاد من اقواله واعترافاته كما أن اشتغاله في بيع الأدوية بحسب الافادات التي قدمها كافية للاستدلال بأنه يعلم بنوعية الادوية، اما بالنسبة لقصد الاتجار فان المحكمة من خلال فحصها لأوراق القضية لم تجد أي دليل يقيني يدل دلالة قاطعة لا تقبل الشك بأن المتهم كان يقصد من وراء تلك الحيازة الاتجار) فلم تقبل النيابة بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه مؤكدا في استئنافها بأن حيازة المتهم للمخدر كانت بقصد الاتجار من خلال اعترافه بأنه يقوم ببيع وشراء الأدوية إضافة إلى أن المتهم قد استأنف الحكم أيضا،ً لان التفتيش والقبض قد تم من قبل جهة غير مختصة وهي الأمن السياسي وأن المحكمة الجزائية مختصة بقضايا الاتجار بالمخدرات ولاتختص بالحيازة بغير قصد الاتجار، إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (اما من حيث ما ورد في استئناف النيابة بأن المتهم قد اعترف بأن قصده من حيازة المخدر هو الاتجار به لأنه قال أنه يبيع ويشتري الأدوية ولأنه يعلم إنما يحوزه هو مخدر في حين أنه لم يرد دليل قطعي على أن قصد المتهم الاتجار، اما ما ورد في استئناف المتهم من حيث صفة القائم بالتفتيش والقبض والاستدلالات لان المادة (84) إجراءات قد حددت مأموري الضبط القضائي على سبيل الحصر وليس منهم ضباط الأمن السياسي حسبما ذكر المتهم في طعنه ، فما ذكره المتهم مردود عليه بأن المتهم نفسه قد كشف بنفسه جريمة حيازته للمورفين حينما اخبر رجال الشرطة بأنه يحمل في الكيس باكت مورفين مخدر وانه سوف يعيده إلى الصيدلية التي باعته ذلك المخدر بالغلط، ولذلك فان ضباط الأمن السياسي لم يفتشوا المتهم وانما ضبطوا المخدر بعدما قدمه المتهم اليهم كما أن ضباط الأمن السياسي هم ضباط شرطة وأمن ومنهم من يتم ندبه  للقيام باعمال التفتيش في النقطة  والقيام بأعمال الضبط القضائي ،وقد صرحت المادة (84) اجراءات بأنه يندرج ضمن مأموري الضبط القضائي من يتم ندبه للقيام بأعمال الضبط) فلم يقبل المتهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن موضوعاً وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (أن الطاعن يحاول في طعنه اثارة الوقائع التي سبق له ان اثارها امام محكمة الموضوع التي  ناقشتها في حكمها بحسب  السلطة التقديرية   المخولة لها وفقا للقانون لثبوت حيازة المتهم للمخدر) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب  الأوجه الأتية :

الوجه الأول : حيازة المخدر بقصد الاتجار في القانون :

نصت المادة (34) من قانون مكافحة الاتجار بالمخدرات على أن (يعاقب بالإعدام أو بالسجن لمدة خمسة وعشرين سنة كل من تملك أو حاز أو احرز أو اشترى أو باع أو سلم أو نقل أو قدم للتعاطي مادة مخدرة وكان ذلك بقصد الاتجار فيها بأية صورة وذلك في غير الاحوال المصرح بها في هذا القانون) ومن استقراء هذه المادة نجد أنها تتناول حالة حيازة المخدر واحرازه بقصد الاتجار به، اما المادة (38) من القانون المشار اليه فقد نصت على عقوبة الحائز للمخدر من غير قصد الاتجار به حيث نصت هذه المادة على أن (يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات كل من حاز أو اشترى أو انتج أو استخرج أو نقل أو صنع مواد مخدرة أو وزع نباتاً من النباتات الواردة في الجدول رقم (5) أو حازها أو اشتراها وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي مالم يثبت أنه قد رخص له بذلك بموجب تذكرة طبية طبقاً لاحكام هذا القانون) ومن خلال مطالعة النصين السابقين نجد أن النيابة العامة كانت قد قدمت المتهم للمحاكمة على أساس أن حيازته للمخدر بقصد الاتجار وطالبت بمعاقبته بموجب المادة (34) (الاعدام أو السجن 25 سنة) في حين أن الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بحبس المتهم خمس سنوات على أساس أن حيازته للمخدر لم يرد دليل على أنه كان يقصد الاتجار حيث استند الحكم محل تعليقنا على المادة (38) السابق ذكرها.

الوجه الثاني : حيازة المخدر بقصد الاتجار أو التعاطي :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد ناقش هذه المسألة نقاشاً مستفيضاً لان جوهر الخلاف والنقاش كان القصد من الحيازة وما اذا كان القصد منها الاتجار أو التعاطي، وذلك يستدعي الاشارة بإيجاز الى هذه المسألة، فمن خلال مطالعة المادة (34) السابق ذكرها في الوجه الأول نجد أن ذلك النص قد فرق بين الحيازة والاحراز وبين قصد الاتجار وقصد التعاطي، فالاحراز للمخدرات هو ضبطها في جيب الشخص أو ما في حكمه اما الحيازة للمخدرات فهي عبارة عن بسط المتهم سيطرته على المخدر بأية صورة ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز  شخصا غيره ولو لم تتحقق الحيازة المادية، وعلى هذا فأن حيازة المخدر قد تكون بقصد الاتجار كما قد تكون بقصد تعاطيها من قبل الحائز كما أن الحيازة قد تكون بقصد أو بدونه، فالحيازة بدون قصد تكون للمتهم الناقل أو الحامل للمخدرات لا ليتعاطاها أو ليتاجر بها ولكن لينقلها للمتعاطين فقط فهو ينقلها من مكان إلى مكان اخر، اما حيازة المخدرات بقصد الاتجار فيكون قصد الحائز هو الاتجار بالمخدرات التي يحوزها، فيمكن الاستدلال على هذا القصد من خلال القرائن المصاحبة لواقعة الحيازة ومن خلال  سوابق الشخص الحائز والكمية المضبوطة...الخ ، فهذا الامر يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.

الوجه الثالث : عناصر القصد في حيازة المخدرات واثباتها :

عناصر القصد تتمثل في العلم والارادة فينبغي أن يكون الحائز للمخدر يعلم بأن المادة التي في حيازته هي مادة مخدرة ممنوعة وأن لا يكون قد تم اجباره على حيازتها ،ولذلك نلاحظ في الحكم محل تعليقنا أن الحكم قد قضى بإدانة المتهم بحيازة مادة مخدرة مادام ان المتهم كان يعلم أن الباكت الذي كان في حيازته هو مورفين وأن المورفين مادة مخدرة وأن المتهم قام بحيازتها طواعية واختياراً، ومع أن القصد أمر باطني  لا يعلمه إلا الله إلا أنه بالإمكان إثبات بكافة طرق الاثبات العامة مثل الاقرار والشهادة والقرائن المصاحبة للواقعة، فالواقع أن إثبات القصد في هذه الحالة عن طريق القرائن المصاحبة للواقعة هو أكثر وسائل الاثبات شيوعاً حسبما اشرنا عن طريق سوابق المتهم والكمية المضبوطة ونوعها وغير ذلك، ونظراً لجسامة العقوبة في جريمة حيازة المخدر بقصد الاتجار به فيجب أن تكون الادلة قاطعة وجازمة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا الذي ذهب الى أنه لا يكفي قول المتهم بأنه يبيع الادوية الى المستشفيات في المديريات النائية فهذا القول لا يكفي لإدانته بان عمله السابق هي تجارة المخدرات كما أن قرائن الحال تدل على أنه لم يتاجر بالمخدرات حيث افاد عند تفتيش السيارة بأن هناك باكت مورفين مخدر في العلاقي الذي يحمله، فربما أنه لو لم يقل ذلك ما تم ضبطه بالإضافة إلى كبر سن المتهم الذي يدل على أنه في سن تجعله لا يغامر في تجارة المخدرات.

الوجه الرابع : صفة الضبطية القضائية لافراد الأمن السياسي :

الأصل وفقاً لقانون جهاز الأمن السياسي أن عمل هؤلاء هو ضبط الجرائم السياسية الماسة بامن الدولة وليس القضايا الجنائية الاخرى، وقد حاول المتهم التمسك بهذه المسألة في دفاعه إلى درجة أنه قال أن التفتيش والقبض عليه باطل لأنه قد صدر من افراد لا يتمتعون بالضبطية القضائية الجنائية وإنما بالضبطية السياسية، إلا أن محكمة الموضوع كانت قد ناقشت دفاعه هذا بقولها في اسباب حكمها أن افراد الأمن السياسي في نقطة التفتيش التي تم القبض على المتهم فيها قد تم ندبهم لهذه المهمة وتبعاً لذلك فانهم يتمتعون بالضبط القضائي وفقاً للمادة (84) من قانون الإجراءات الجزائية، والله اعلم.