صفة المترافع عن الحقوق المشتركة

 

صفة المترافع عن الحقوق المشتركة

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

من الاشكاليات الواقعية الكثيرة الوقوع ان يقوم احد الاشخاص بالترافع بالادعاء او بالدفاع عن الحقوق المشتركة لجماعة من الناس قد يكونوا اخوانه اوشركائه  او اولاد عمه  او افراد قبيلته  او اعضاء نقابته ؛ وتكون هذه الحقوق التي يقوم الشخص بالترافع فيها شائعة بين اولئك غير مفرزة او غير قابلة للتبعيض فلا يستطيع المترفع او المدافع ان يدافع عن حقه بمعزل عن حقوق الغير المخالطة لحقه وفي اثناء الترافع او الدفاع يتكبد الشخص المترافع او المدافع مبالغ طائلة مصاريف واتعاب ومخاسير قضائية , فغالبية الناس يظنون انهم غير ملزمون شرعا وقانونا بدفع ما يخصهم من الاتعاب والمخاسير والمصاريف التي  تكبدها من يقوم بالدفاع عن حقه المشترك مع غيره, ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/1/2011م في الطعن المدني رقم (41791) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان جماعة من الناس قاموا بالاعتداء على  غيل ماء مشترك بين اخوة واولادعم (قبيلة صغيرة) فقام احد الاشخاص من افراد القبيلة بتقديم شكوى الى جهة الضبط القضائي التي اجرت محاضر الاستدلالات في القضية ثم احالتها الى النيابة العامة التي احالتها بدورها الى القاضي الجزائي الذي حكم لصالح الاخوة وابناء العم الذين وقع الاعتداء على ملكهم المشترك فقام المتهمون المحكوم عليهم بالحكم الابتدائي باستئناف الحكم امام محكمة الاستئناف التي ايدت الحكم الابتدائي لصالح الاخوة وابناء العم  ثم كان الطعن بالنقض امام المحكمة العليا التي اقرت الحكم الاستئنافي ؛وقد قام الشخص  المدافع عن ملك اخوانه وابناء عمه بهذه الاجراءات من غير ان يتم توكيله من قبل اخوانه وابناء عمه وقد استغرقت هذه المنازعة وقتا طويلا وجهدا من الشخص الذي قام بهذا العمل حيث ان اجراءات المتابعة والمرافعة  كلفته اموالا وفيرة, وعند انتهاء القضية لصالح الاخوة واولاد العم قام الشخص المدافع عن حقوقهم المشتركة بمطالبتهم بدفع مايخصهم من  المصاريف والمخاسير والاتعاب التي تكبدها لوحده, فرفض الاخوة وابناء عمه دفع اتعابه والمخاسير والمصاريف التي تكبدها في اثناء المدافعة والمرافعة عن حقوقهم في ملكهم المشترك فأجاب الاخوة وابناء العم بان المذكور قام بذلك العمل من تلقاء نفسه فلم تصدر منهم له وكالة, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم بقبول دعوى المدافع والزام المدعى عليهم بدفع مايخصهم من  غرامة المدعي في النزاع مقابل ما قام به من متابعة ومرافعة في قضيتهم المشتركة مع خصومهم بشأن ماء الغيل المشترك على ان يتم تقدير الغرامة بما يقدره عدلان خبيران مختاران من قبلهم وكذا قضت المحكمة بالزام المدعي بتسليم فصول ومستندات المدعى  عليهم التي رفض المدعي تسليمها الى المدعى عليهم حتى يسلموا غرامته, وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي : ان المدعي ابرز المستندات اللازمة التي تدل على قيامه  بالمرافعة والمدافعة في القضية المشار اليها, اما ما دفع به المدعى عليهم بانهم لم يقوموا بتوكيل المدعي في الترافع نيابة عنهم فقد قبلت المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف المذكرات التي قدمها المدعي لان له صفة ومصلحة اضافة الى ان المذكرات القضائية المقدمة من المدعي توحي بان المدعى عليهم كانوا على صلة بإعداد هذه المذكرات وتقديمها, فما قام به المدعي من مرافعة ومدافعة كانه صادر عن بقية الشركاء لانهم متضامنون في قضية واحدة تخصهم جميعا ولذلك فان ما قام به المدعي يعتبر كأنه وكيل وكفيل في الوقت ذاته ما دامت محكمة ثاني درجة والمحكمة العليا قد قبلت قيامه بتقديم المذكرات, فلم يقبل المدعى عليهم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه امام محكمة الاستئناف التي رفضته وقضت بتأييد الحكم الابتدائي, وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي : فما ذكره المستأنفون غير صحيح لأنه من الثابت قيام المدعي بالمدافعة عن حقوقهم المشتركة فالمدعى عليهم لا ينكرون قيام المدعي بالمرافعة نيابة عنهم للدفاع عن حقوقهم المشتركة الا انهم يدفعون بعدم توكيله وحيث ان القاعدة الشرعية والقانونية (ان الغنم بالغرم) فان الشعبة تؤيد الحكم الابتدائي بكل فقراته, فلم يقنع المستأنفون بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا التي رفضت طعنهم واقرت الحكم الاستئنافي, وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا:(ان الطاعنون ينعون على الحكم الاستئنافي  مخالفته للقانون عندما قضى بتأييد الحكم الابتدائي الذي الزمهم بتسليم مايخصهم من  الغرامة التي تحملها المطعون ضده لأنه لا يوجد للمطعون ضده اي حق في تلك الغرامة لانهم ليسوا طرفا في تلك المنازعة والمحاكمة ولم يصدر عنهم توكيل للمطعون ضده, وهذا النعي ليس في محله لان الثابت من الاوراق ان دعوى المدعي قد تضمنت طلب غرامته من المدعى عليهم وذلك في المنازعة التي كانت بينهم وبين خصومهم على ماء الغيل المشترك فيما بين الطاعنين والمطعون ضده ذلك ان الدفاع عن هذا الحق المشترك واجب على جميع الشركاء ليتمكنوا من  الاستفادة منه وحيث ان المطعون ضده هو احد الشركاء في ذلك الماء فان له الحق في القيام بحمايته  والدفاع عنه وصيانته منفردا اذا ما امتنع بقية الشركاء عن القيام بذلك لمنع وقوع اي ضرر قد يصيب الماء المشترك بينهم وذلك دون حاجة الى وجود وكالة بيده من بقية الشركاء لان في ذلك جلب المنفعة لهم جميعا, ولذلك فله الرجوع عليهم بما انفق ويجبر الشركاء على ذلك كل بقدر نسبة انتفاعه من الماء تطبيقا للقاعدة الشرعية (الغنم بالغرم) وهو ما اوجبته المادة (1165) مدني التي تنص على ان يلزم الشركاء في ساقية او مصرف القيام بالإصلاحات الضرورية التي تلزمها لكي يمكن الانتفاع بها او منع ضررها ويجبر الشركاء على ذلك اذا طلبه احدهم او من وقع الضرر عليه ويكون اشتراكهم في النفقات كل بنسبة انتفاعه, ولما كان الامر على هذا النحو فان الطعن ليس له اساس من القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الأول : الصفة والمصلحة عند التقاضي بشأن الحق المشترك :

الصفة والمصلحة هما اهم شروط قبول الدعوى حسبما ورد في المادتين (75و76) مرافعات حيث نصت المادة (75) على انه (لا تقبل اي دعوى او طلب او دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون) وبناء على هذا النص فان المترافع دفاعا  عن حقه الشائع المشترك مع غيره يكون له مصلحه لأنه يدافع عن حقه فلو  لم يقم بالدفاع عن حقه لذهب هذا الحق, وفي السياق ذاته نصت المادة (76) مرافعات على ان(تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى او الطلب او الدفع اذا تبينت ولو لم تلقاء ذاتها انه لا صفة او مصلحة فيها في اي مرحلة من مراحل الدعوى) وبموجب هذا النص فقد قبلت محكمة اول درجة ومحكمة الاستئناف والمحكمة العليا قبلت الدعاوى والمذكرات التي قدمها المدافع عن حقه في ماء الغيل فلو كانت الثلاث المحاكم تعلم انه لا صفة ولا مصلحة للمطالب او المدافع عن الحق المشترك لحكمت بعدم قبول دعواه من تلقاء ذاتها .

الوجه الثاني : شيوع الصفة والمصلحة بالنسبة للحق الشائع :

تختلف الوضعية القانونية للحقوق المشتركة من حيث قابليتها للفرز والتعيين عند التقاضي او الحكم فاذا كان الحق المشترك قابلا للفرز والتعيين عند رفع الدعوى كأن يكون محل النزاع  ارضا شائعة بين عدة ورثة او عين ماء جاري خاص يورثه مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ففي هذه الحالة يكون الاشتراك والشيوع في العين محل النزاع مانعا للقاضي من الحكم بعدم صفة ومصلحة المدعي لأن مصلحته وصفته شائعة بالنسبة للحق المشترك الشائع كله لأنه لا يستطيع ان يطالب او يدافع عن جزء او فرز من الحق الشائع, كما انه يتعذر على القاضي الحكم له او عليه على اساس جزء او فرز او حصة لان الحق المشترك محل النزاع شائع, اما اذا كانت الحقوق المشتركة مفرزة كأن تكون فصول تركة حددت انصبة الورثة فعندئذ لا مناص من تطبيق واعمال مبدأ الصفة والمصلحة بالنسبة لكل فرز او.فصل على حدة .

الوجه الثالث : عماد المطالبة والحكم بأتعاب المدافع عن الحقوق المشتركة قاعدة (الغنم بالغرم) :

قاعدة (الغنم بالغرم) قاعدة شرعية اصيلة محل اتفاق في الفقه الاسلامي, فهذه القاعدة المعتبرة تعني عند الفقهاء ان التكاليف والخسارة التي تحصل من الشيء تكون على من ينتفع به شرعا اي من ينال نفع شيء يجب ان يتحمل ضرره ؛ ومن امثلة ذلك (الملك المشترك متى احتاج الى التعمير او الترميم يعمره اصحابه باشتراك على مقدار حصصهم لان منفعة كل منهم على قدر حصته) (الاشباه والنظائر للسيوطي ص235) وبتطبيق هذا المفهوم على الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قام بتطبيق هذه القاعدة تطبيقا صحيحا موافق لهذه ا القاعدة ؛ فالمدافع عن عين الماء المشتركة قد حفظ بعمله عين الماء على جميع شركائه الذين يشربون ويسقون زرعهم منها فلا ريب ان هذا غنم او فائدة حصلوا عليها نتيجة سعي وجهد المدافع عن حقهم المشترك فلو لم يقم المدافع بذلك العمل لذهبت وفاتت   عليهم عين الماء ومنفعتها, فلا ريب انه يجب عليهم دفع التكاليف التي صرفها او دفعها المدافع كل بقدر حصته في المال الشائع المشترك ولو لم يكون هناك توكيل من بقية الشركاء ؛ ويقرر شيخنا المرحوم الاستاذ الدكتور مصطفى ابراهيم الزلمي في كتابه نظرية الالتزامات  ان قاعدة (الغنم بالغرم) هي الاصل التاريخي لمبدأ الاثراء بلا سبب المقررة في القوانين الوضعية التي اخذتها القوانين من معين الفقه الاسلامي حيث قامت القوانين بتحوير تلك القاعدة الفقهية, ويصرح شيخنا رحمه الله : ان قاعدة الغنم بالغرم تختلف اختلافا جوهريا عن مبدأ الاثراء بلا سبب (عمل الفضولي واحكام الفضالة) لان حكم قاعدة الغنم بالغرم تعني ان هناك مصلحة لمن يقوم بحفظ المال المشترك او الدفاع عنه لأنه مالك على الشيوع ولأنه يجب عليه الدفاع عن هذا الحق فهو ملزم بذلك بعكس الفضولي (انظر نظرية الالتزامات غي الفقه الاسلامي  لشيخنا المرحوم الاستاذ الدكتور مصطفى ابراهيم الزلمي 2/183) .

الوجه الرابع : اشكالية الإرجاء في تقدير غرامة المترافع بواسطة الخبيرين العدلين :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد قرر تقدير مخاسير واغرام المدافع عن الحق المشترك بواسطة خبيرين عدلين, وذلك يعني ارجاء الحكم؛ لان المدافع كان يطالب في دعواه بالأتعاب والمخاسير التي يحددها القاضي ويحكم بها وبدلا من ذلك قام القاضي  بإرجأها الى وقت قيام الخبيرين العدلين بتقديرها, ومعلوم ان الارجاء والتعليق من العيوب التي تشوب الاحكام, لان من شروط الحكم الفصل والحسم وقت النطق بالحكم, ولكن الامانة العلمية تقتضي القول بان القضاة ليس في اليمن بل في العالم يعانوا من هذه الاشكالية, لان القاضي في هذه المسألة بين خيارين الاول : ان يقوم بالإفصاح عن وجهته في الحكم فيقوم بتكليف الخبراء بتقدير المخاسير قبل ان يحجز القضية للحكم وعندئذ يكون قد افصح عن وجهته في الحكم وهذا عيب اكبر من  الارجاء في الحكم, والخيار الثاني : ان يقوم بإرجاء الحكم بما يقدره الحكمان, فبعض القضاة يفضل عيب  الارجاء على عيب الافصاح, وعلى هذا الاساس فلا تثريب على الحكم محل تعليقنا فيما ذهب اليه, ونحن نحبذ ان يكون عدد الخبراء ثلاثة وليس واحد او اثنان, فالخبير الواحد تكون افادته كالشاهد الواحد والخبيران الاثنان قد يختلفا فيضطر القاضي الى تعيين مرجح فتطول الاجراءات، والله اعلم.