حرمان الامين الشرعي من مزاولة العمل
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الاشكاليات العملية الاخطاء التي تقع في الوثائق التي يحررها الامناء الشرعيون سواء وقعت تلك الاخطاء بقصد او بدون قصد حيث تترتب على تلك الاخطاء اثار خطيرة منها كثرة النزاعات والخلافات فيما بين اطراف الوثائق التي يحصل فيها الخطأ. ومن الاحكام التي تناولت هذه المسألة المهمة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/12/2011م في الطعن المدني رقم (44633) وتتلخص وقائع القضية التي قضى فيها هذا الحكم ان احد الامناء الشرعيين اخطأ في كتابة صفة المشتري فبدلا من ان يكتب (اشترى عمر مضيفا الشراء الى بكر) كتب في البصيرة (اشترى بكر مضيفا الشراء الى عمر) وحينما اكتشف (بكر) هذا الخطأ تمسك (عمر) بان البصيرة صحيحة وليس فيها أي خطأ وان الشراء للأرض المذكورة في البصيرة كان له وليس لبكر ولذلك فقد قام بكر برفع الدعوى امام المحكمة الابتدائية مختصما المدعى عليهما عمر والامين الشرعي الذي حرر البصيرة حيث طلب من المحكمة تصحيح البصيرة والزام (عمر) بعدم التعرض له في ملكه لان الارض المذكورة في البصيرة في حيازته اضافة الى ان البصيرة المشار اليها في حوزته ايضا, وقد حضر امام المحكمة المدعى عليه (عمر) حيث رد على الدعوى بان البصيرة صحيحة وليس فيها أي خطأ وقد حضر ايضا امام المحكمة المدعى عليه الثاني وهو الامين الشرعي الذي حرر وثيقة الشراء (البصيرة) وعند حضور الامين الشرعي حلف اليمين من تلقاء ذاته بان البصيرة صحيحة وانها مطابقة للمسودة المكتوبة في سجل الامين وانه ليس في البصيرة اي خطا, وقد حكمت المحكمة الابتدائية بصحة الدعوى وثبوت وقوع الخطأ الواقع في البصيرة لان شهادات الشهود وهم اكثر من خمسة شهود من جيران الارض محل النزاع قد دلت بما لا يدع مجالا للشك ان المدعي ثابت على الارض منذ اكثر من ثلاثين سنة من دون منازع او اعتراض سواء من المدعى عليه او غيره كما دلت الشهادات ان المدعي قد بنى سورا حول الأرض و غرفتين في الارض محل النزاع منذ مدة طويلة من دون ان ينازعه المدعى عليه او غيره كما ان بصائر جيران الارض مذكور فيها ان الارض المحاذية اوالمحادة لها هي ملك المدعي بما في ذلك بصيرة ارض المدعى عليه المحاذية لارض المدعي. فكل هذه الدلائل قد دلت على ان الارض محل النزاع هي ملك المدعي ولذلك فان المحكمة الابتدائية قد حكمت بقبول طلب المدعي تصحيح البصيرة لثبوت وقوع الخطأ فيها من قبل الامين الشرعي كما قضت المحكمة بحرمان الامين الشرعي من مزاولة اعمال مهنته والزامه بتعويض المدعي حسبما ورد في اسباب الحكم الابتدائي ومنطوقه, فلم يطعن المدعى عليه المحكوم عليه بالحكم الابتدائي وانما الذي قام بالطعن بالحكم هو الامين الشرعي حيث قام باستئناف الحكم امام محكمة الاستئناف التي حكمت بتعديل الحكم الابتدائي فيما يتعلق بالفقرة الواردة في منطوق الحكم الابتدائي الخاصة بالأمين الشرعي حيث قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الفقرة الواردة في منطوق الحكم الابتدائي المتعلقة بالأمين الشرعي واستمرار الامين في عمله, وقد قام المستأنف ضده المدعي الاصلي مالك الأرض محل النزاع بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام الدائرة المدنية بالمحكمة العليا التي رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي مسببة حكمها بانه (حيث ان الحرمان من اعمال الامين الشرعي هي عقوبة جزائية لا يجوز ايقاعها الا بناء على دعوى عامة قرار اتهام تقدمه النيابة العامة وحيث ان المطعون ضده الامين الشرعي لم يتم التحقيق معه في جريمة تزوير البصيرة ولم يصدر بحقه قرار اتهام النيابة ولذلك فان الحكم بعقوبة الحرمان مزاولة اعمال الامين لاختلال عدالته والزامه بالتعويض قد جاء مخالفا للقانون لصدوره من قاض مدني ولأنه غير مسبوق بقرار اتهام مما يجعل الحكم الاستئنافي موافقا للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية:
الوجه الأول : الشهادات والقرائن وتأثيرها في اثبات وقوع الخطأ المادي في البصيرة :
من مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد ان الحكم الابتدائي قد توصل الى ثبوت الخطأ المادي في البصيرة على
النحو السابق بيانه عن طريق ادلة وقرائن كثيرة ومنها شهادات الشهود الذين دلت
شهاداتهم ان المدعي عليه لم يعترض على حيازة المدعي للأرض محل النزاع مع ان المدعى
عليه مجاور لتلك الارض وقد شاهد وعاين المدعي يبني عليها سورا كما ان وجود البصيرة
بحوزة المدعي دليل اخر اضافاة الى ان بصيرة المدعى عليه قد حكت ان الارض المحتلة
لها ملك المدعي , وهذه الادلة قاطعة على ثبوت وقوع الخطأ المادي في البصيرة مع ان الأصل
ان البصيرة صحيحة وان المدعي بوجود خطأ يجب عليه اثبات وجود هذا الخطأ مثلما تم في
القضية التي قضى فيها الحكم محل تعليقنا .
الوجه الثاني : اهمال اليمين الصادرة من الأمين :
من خلال مطالعة
الحكم محل تعليقنا نجد انه التفت واهمل يمين الأمين الذي حلف اليمين من غير
ان يطلب المدعي منه ذلك حتى تكون حاسمة,
اضافة الى ان الامين مدع عليه والمدعي قد تمكن من اثبات صحة دعواه حسبماسبق بيانه,
فالبينة مطلوبة اولا من المدعي ولذلك فقد اعمل القاضي ادلة وبينة المدعي واهمل يمين
المدعى عليه. لأنه قد ترجح لقاضي الموضوع ان يمين المدعى عليه فاجرة عملا بالأثر
البينة الظاهرة اولى من اليمين الفاجرة, ولذلك قضى الحكم الابتدائي بحرمان المدعى
عليه من مزاولة مهنته لان كل الادلة والقرائن تدل على كذب الامين وان يمينه فاجرة
وانه لايستحق الاستمرار في عمله لانه غير امين.ومن التي ظلت تظهر على ان الارض ملك
المدعي المحكوم له ان المحكوم عليه الذي كان يتمسك بالخطأ الذي
وقع في البصيرة لم يقم باستئناف الحكم الابتدائي فلو كان له حق لاستمر في منازعة
المحكوم له .
الوجه الثالث : امكانية الاثبات بحدود الارض :
من خلال مطالعة
الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الابتدائي استند الى ادلة عدة في اثبات حصول الخطأ
المادي في البصيرة ومن ذلك ان بصيرة المدعى عليه قد ورد فيها ان الارض المحادة لها
من جهة الشرق هي ملك المدعي وهذه الارض هي محل النزاع وذلك بمثابة اقرار واعتراف
من المدعى عليه بأن الارض المجاورة والمحادة لارضه من جهةالشرق هي ملك المدعي وايس ملك المدعى عليه
, وقد ايد الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي فيما قضى به واقر ذلك حكم المحكمة
العليا محل تعليقنا, وهذا يستدعي الاشارة الى امكانية الاستدلال على ملكية ارض
بوثائق الاراضي المجاورة لها فاذا ورد تحديد المالك للأرض في اية وثيقة فان ذلك
يكون قرينة او اقرار من المتمسك بالوثيقة على ان الارض المحادة ملك لجاره .
الوجه الرابع : حرمان الامين من مزاولة مهنته :
قضى الحكم الاستئنافي بانه لا يحق حرمان الامين من مزاولة مهنته من قبل قاض مدني وبحكم مدني. لان الحرمان عقوبة لا يتم تقريرها الا بحكم جنائي تبعا لعقوبة التزوير حيث المح الحكم الاستئنافي وحكم المحكمة العليا الى انه كان يتوجب احالة الامين الى النيابة العامةللتحقيق معه للتأكد مما اذا كان الخطأ الوارد في البصيرة بدون قصد او بقصد فاذا كان ذلك قد تم بقصد فان ذلك يعني ارتكابه لجريمة تزوير يترتب عليها معاقبة الامين وحرمانه من مزاولة المهنة, لان الدستور وقانون الاجراءات الجزائية يقرر ان العقوبات يجب ان يسبقها تحقيق عادل من قبل الجهة المختصة قانونا التي تتصرف في التحقيق فان تكدت من صحة وقوع الجريمة قامت برفع الدعوى الجزائية امام المحكمة المختصة التي تصدر حكم جنائي, كما ان هناك مسائلة ادارية للأمين من قبل وزارة العدل يترتب عليها حرمان الامين من مزاولة المهنة اذا ثبت قيامه بجرائم تخل بامانته , والله اعلم.