إشكالية تنفيذ أحكام التحكيم العرفية (الهجر)

 

إشكالية تنفيذ أحكام التحكيم العرفية (الهجر)

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

النصوص القانونية منضبطة ومضطردة وعامة ومجردة تنطبق على كافة ابناء الشعب اليمني في حين أن الاعراف غير منضبطة حيث تختلف من منطقة إلى اخرى ومن وقت إلى اخر، فالحكم القضائي يستند أصلاً واساساً إلى نصوص قانونية ولكنه قد يستند في بعض الاحيان إلى الاعراف والعادات السائدة لان العرف معتبر شرعاً وقانوناً حتى في الدول المتقدمة جداً، ولكن الإشكالية تظهر حينما يتعذر على قاضي التنفيذ الزام المحكوم عليه بتنفيذ حكم التحكيم بشيء يحتاج إلى طيب خاطر المنفذ ضده مثل (الهجر) ولذلك يجب على القاضي الالمام التام بالتأصيل الشرعي والقانوني للاشياء المحكوم بها التي ترد في أحكام المحكمين المستندة إلى العرف سواء في المعاملات أو العقوبات لان قانون التحكيم اليمني اجاز التحكيم في المسائل الجزائية ما عدا الحدود واللعان، وتزداد الإشكالية حدة حينما نجد أن قانون التحكيم النافذ لم يشر أو ينظم التحكيم العرفي في اليمن مع انه هو السائد، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/3/2010م في الطعن المدني رقم (38088) لعام 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أنه وقع خلاف بين جيران فقاموا بتحكيم خمسة أشخاص للفصل في الخلاف فحكم المحكمون (بان يقوم س.ق وأولاده بسوق اربع جلب (اربعة رؤوس غنم) إلى منزل ع.ك لتصفية النفوس والقلوب فيما بينهم وما قد مضى مضى وان يكون الود والاحترام فيما بينهم في المستقبل كما يلزم أولاد س.ق بدفع مائتي لوم لـ ع.ك وقام المحكمون بخصم خمسين لوماً كما قام أهل الخير بالتدخل لخصم خمسين لوماً أخرى فأصبح اللوم المقرر عليهم هو مائة لوم فقط وقيمة اللوم الواحد الف وخمسمائة ريال) ويبدوا أن المحكوم عليهم رفضوا تنفيذ الحكم اختياراً فتقدم المحكوم له إلى محكمة الاستئناف طالباً تنفيذ حكم التحكيم السابق ذكره التي رفضت طلب التنفيذ، وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (وبالاطلاع على الحكم المطلوب تنفيذه تبين أنه حكم عرفي جرى اصداره وفقاً للعرف السائد في المنطقة المقيم فيها المحتكمون والمحكمون،ولذلك فان محكمة الاستئناف لا تختص بتنفيذها، فأحكام المحكمين التي اناط القانون بمحكمة الاستئناف تنفيذها هي التي تصدر وفقاً لأحكام قانون التحكيم) فلم يقبل طالبوا التنفيذ بقرار المحكمة الاستئنافية فقاموا بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن وقضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (وتبين للدائرة مخالفة القرار المطعون فيه للمادة (42) من قانون السلطة القضائية حيث ان القرار لم يتم التوقيع عليه إلا من قبل رئيس الشعبة وأمين السر وليس من قبل هيئة الشعبة وكذا مخالفة القرار للمادة (58) تحكيم التي نصت على أن تختص محكمة الاستئناف أو من تنيبه بتنفيذ أحكام التحكيم بينما المادة (47) مرافعات التي استند اليها القرار الاستئنافي لا تتفق مع القاعدة القانونية القاضية بأنه (لا يستدل بما في القانون العام إلا اذا لم يكن هناك نص في القانون الخاص) فلا وجه للاستدلال بالمادة (47) مرافعات فالاستدلال بها فاسد) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الاول : الوضعية القانونية لاحكام التحكيم العرفية في قانون التحكيم اليمني:

من خلال مقارنة نصوص قانون التحكيم اليمني نجد أنها مشابهة لنظائرها في قوانين التحكيم في البلدان العربية وغيرها، وان هذه النصوص تتناول أساساً المسائل المدنية والتجارية، كما يظهر أن قانون التحكيم قانون اجرائي ينظم كيفية اختيار المحكمين وإجراءات التحكيم وحكم التحكيم وحالات ودعوى بطلانه ، وتبعاً لذلك فان قانون التحكيم اليمني النافذ لم يتضمن نصوصا ًبشان التحكيم العرفي  من حيث اختيار المحكمين وإجراءات التحكيم واصدار الحكم وحالات بطلانه وتنفيذه لاسيما اذا كان مثل الحكم محل تعليقنا يتضمن الحكم بالهجر أو العيب أو اللوم، ولذلك لاحظنا أن محكمة الاستئناف رفضت طلب تنفيذ حكم التحكيم عندماوجدت أن منطوق الحكم هو الهجر واللوم .

الوجه الثاني : الحكم بالهجر واللوم :

الحكم بالهجر من الأحكام الشائعة في التحكيم القبلي أو العرفي حيث يتم الحكم على من يصدر منه الخطأ على غيره أن يقوم بالإعلان والاعتذار العلني عن خطائه على رؤوس الاشهاد ويحضر معه الهجر كبار قومه كي بشهدوا اعتذاره وتتم الوليمة لدى الشخص الذي وقع عليه الخطا تطييباً للأنفس أما اللوم فيتم الحكم به عند ثبوت قيام الشخص بفعل يخالف العرف ويقرر العرف استحقاق فاعله للوم ويتحمل المخالف الادب على قيامه بهذه الافعال وبالإمكان مباشرة التنفيذ الجبري للحكم العرفي بالهجر واللوم إلا أن ذلك يفقدهما العلة والحكمة من تشريعهما في العرف، لان العرف شرعهما لتطييب وتهدئة نفوس المختلفين  ففرضهما عن طريق التنفيذ الجبري يتنافى مع مقصودهما .

الوجه الثالث : الطبيعة الخاصة للتحكيم العرفي وتوصيتنا للمشرع اليمني :

لا شك أن هناك طبيعة خاصة للتحكيم العرفي من حيث اختيار المحكمين وإجراءات التحكيم وحكم التحكيم وحق المنهى ...الخ، وهذه الطبيعة الخاصة لحكم التحكيم العرفي تجعل غالبية نصوص قانون التحكيم بحالته الراهنة لا تصلح للتطبيق على التحكيم العرفي، ولذلك فإننا نوصي المشرع اليمني بأن يفردً بابا مستقلاً في قانون التحكيم الحالي يخصصه لتنظيم التحكيم العرفي أو يتم اصدار قانون خاص بالتحكيم العرفي، والله اعلم.