حجية الصورة الجوية في النزاعات العقارية

حجية الصورة الجوية في النزاعات العقارية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

الصور والخرائط الجوية تبين تفاصيل المناطق والاراضي المختلفة وتوثق الاعتداءات على الأراضي والمخالفات والاحداثات وتبين حالة الأرض أو العقار قبل وبعد الاعتداء او المخالفة،فالصورة تنقل مكان النزاع ومحله إلى القاضي كما هو بكل تفاصيله لأنها صورة حقيقة وواقعية تطمئن إليها نفس القاضي وعدالته ولذلك فهي دليل قاطع في كل دول العالم تحسم بها النزاعات العقارية في كما أنها مانعة ورادعة لتطلعات المتهبشين على أراضي الاخرين كاراضي الدولة والوقف والمواطنين، والصور والخرائط الجوية هي الأساس الذي يقوم عليه قانون اراضي وعقارات الدولة وقانون التخطيط العمراني وقانون السجل العقاري، ولذلك فهي بموجب هذه القوانين ادلة قاطعة في حين يذهب قانون الاثبات إلى أن الصور والخرائط الجوية من قبيل القرائن، فقانون الإثبات اليمني المتخلف ما زال غارقاً في ادلة الإثبات التقليدية فلم يتقدم خطوة واحدة الى الأمام، الأمر الذي يؤثر في التطبيق العملي، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى دور الصور والخرائط الجوية في إثبات الملكية العقارية والاعتداءات عليها. 
فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/2/2013م في الطعن رقم (45860)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً قام بالاعتداء على منحدر في جبل من اشهر جبال اليمن فقامت هيئة الأراضي بتقديم شكوى بذلك المواطن المعتدي على الرهق العام (المنحدر) إلى النيابة العامة التي احالت المتهم إلى المحكمة المختصة فقامت النيابة العامة بتحديد الرهق في ضوء الخريطة والصور الجوية الصادرة عام 1983م والتي تبين ان محل النزاع رهقاً وليس أرضاً زراعية (شعبة) في حين ابرز المتهم عشر بصائر تثبت انه قد اشترى محل النزاع من مالكها الأصلي الذي آلت كاجرة قسمة عند قيامه بقسمة تركة المرحوم ... ،حيث استدل المتهم بتلك البصائر على أن الأرض كانت ملكاً خاصاً لمدة طويلة ولأجيال فلم تكن منحدرا أو رهقا للدولة، فرد مكتب هيئة الأراضي بان (الشعبة) المذكورة في بصائر المتهم تقع في موضع اخر اما الأرض محل النزاع فهي رهق عام منحدر جبلي حسبما هو واضح للعيان في الخريطة والصورة الجوية، وتمسكت النيابة العامة وهيئة الأراضي بالخريطة الجوية رقم (74) التي تم أخذها لمحل النزاع في عام 1983م والتي تبين من مشاهدتها بالعين المجردة ان الأرض محل النزاع رهق عام ،وفقاً لقانون أراضي وعقارات الدولة وان الموضع محل النزاع اصبح ملكاً خاصاً بالدولة ضمن المخططات الهيكلية للمدن الرئيسية، وقامت المحكمة باختيار عدلين للتروية، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم ببراءة المتهم وقنوع مكتب الأراضي عن المطالبة بالأرض، وقد سببت المحكمة حكمها بان هناك عشر بصائر تثبت ان الأرض محل النزاع ملك خاص وليست من مراهق الدولة، فقامت النيابة العامة لله درها باستئناف الحكم إلا ان الشعبة الجزائية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي واعتبرت اسبابه اسباباً لحكمها، فلم تيأس النيابة العامة حيث قامت بالطعن بالنقض غير ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فان طعن النيابة العامة ليس الا جدلاً في صحة الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب عليها من المحكمة العليا طالما جاءت اسباب حكمها مستساغة ولها أصل ثابت في الأوراق، وحيث ان البصائر المبرزة من المتهم والتي تعود للعام 1380هـ وقبل ذلك الحكم الصادر على بيت مال المسلمين عام 1354هـ من المحكمة الشرعية لقضاء ...،ومن خلال معاينة المحكمة لمحل النزاع وما اكداه العدلان بان المستندات المستدل بها تحكي الموضع محل النزاع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول : ماهيةالصورة والخريطة الجوية

الخريطة الجوية هي: نتيجة تصوير فوتوغرافي يتم من الجو، يتم غالباً بواسطة طائرة أو اقمار صناعية وقد تطورت الصور والخرائط الجوية حتى اصبحت بالغة الدقة كالصور والخرائط الطبوغرافية الرقمية حيث تبين كافة التفاصيل الدقيقة التي تحدث على الأرض وتواريخ وقوعها، وتساهم هذه الصور في تطوير الخرائط الطبوغرافية والكنتورية والخرائط التفصيلية وخرائط الخدمات واعداد المخططات الهيكلية، كما ان هذه الخرائط تساهم في خدمة القضاء والادارات القانونية لانها تثبت كل الظواهر والتفاصيل والاستحداثات التي تتم على الأرض محل النزاع، ونظراً لسلامتها ودقتها فان الصور الجوية تكون دليلاً قاطعاً حيث تعتمدها كافة المحاكم في العالم كما انها الدليل المقبول للفصل في نزاعات الدول بشأن تبعية الأراضي الحدودية بين الدول (الخرائط الجوية في القانون الدولي، أيمن سلامة، صـ2).

الوجه الثاني : الصور الجوية في قانون أراضي وعقارات الدولة وقانون السجل العقاري وقانون التخطيط الحضري وقرار انشاء هيئة الأراضي

من خلال مطالعة قانون أراضي وعقارات الدولة ولائحته التنفيذية نجد أنه يهدف إلى تحديد وحصر الأراضي المملوكة للدولة بما فيها المراهق العامة وحصرها وتحديد مساحاتها وان الوسائل اللازمة لذلك هي الصور الجوية والخرائط المختلفة فلا يمكن تحديد المراهق العامة والأراضي الصحراوية والمنحدرات الجبلية وغيرها الا عن طريق الخرائط والصور الجوية الرسمية، وقد اشارت إلى ذلك المادتان (163 و 164) في اللائحة التنفيذية لقانون أراضي وعقارات الدولة، وفي السياق ذاته تنص المادة (4) من قانون السجل العقاري على ان السجل العقاري يستند إلى (الصور الجوية للمناطق غير الممسوحة تحفظ بالمركز الرئيسي ويستعان بها في تهيئة الخرائط العامة وتنظم الخرائط العامة والخاصة وفق أسس فنية تحدد مقاييسها حسب طبيعة المنطقة) وهناك نصوص أخرى في قانون السجل العقاري تؤكد على ان إجراءات السجل العقاري تعتمد على الصور الجوية والخرائط المستفادة منها، كما ينص قرار انشاء هيئة الأراضي في المادة (6) على ان الهيئة تهدف إلى تحقيق الاغراض الأتية (3- إنشاء قاعدة اساسية علمية فنية لكافة الأعمال المساحية والتصوير الجوي واعداد الخرائط للجمهورية بكافة انواعها ومقاييسها) وإضافة إلى ذلك نجد ان غالب اعمال هيئة الأراضي تستند إلى الصور والخرائط الجوية، وكذلك الحال بالنسبة لقانون التخطيط الحضري الذي تناول انواع المخططات التي تعتمد على الخرائط والصور الجوية حسبما ورد في المواد (14) وما بعدها التي ذكرت انواع المخططات وإجراءات اعدادها، ومن خلال ذلك يظهر ان عماد ذلك هو الصور الجوية، ونخلص من هذا الوجه إلى القول : بان الصور الجوية هي عماد وأساس السجل العقاري وحصر أراضي وعقارات الدولة واعداد المخططات والخرائط العمرانية المختلفة وبموجب هذه القوانين فان الصور والخرائط لها حجيتها القاطعة وهذه القوانين قوانين خاصة مقدمة في التطبيق على القانون العام وهو قانون الاثبات الذي يعتبر الصور الجوية من القرائن.

الوجه الثالث : حجية الصور الجوية الصادرة عن الجهة الرسمية

الصور الجوية من اسمها هي: عبارة عن تصوير وإثبات وتوثيق لحالة الأرض محل النزاع كما هي في الوقت الذي تم اخذ الصورة فيه وتبين الاستحداثات التي تتم لاحقا على الارض بيانا دقيقا كما لو ان القاضي يعاين الأرض بعينه ، ولذلك فهي دليل قاطع وحاسم لان القوانين في الدول المختلفة تنص على اعتبارها كذلك طالما أنها صادرة من الجهة الرسمية المختصة قانونا ً فتعد محررا رسميا له حجيته الرسمية الثبوتية وفقاً للقانون فلا يجوز الطعن فيها إلا بالطريق المقرر قانوناً وهي دعوى التزوير كأن يدعى بان الصورة الجوية لمكان آخر.

الوجه الرابع : حجية الصور الجوية المستخرجة من (قوقل)

بعد البحث والتواصل مع محامين وقضاة وباحثين خارج اليمن فقد تأكد لي ان القضاء في كل من العراق وسوريا ولبنان والأردن وكردستان وفلسطين ومصر والجزائر يأخذ بالصور الجوية كدليل وحيد وقاطع ولو كانت مستخرجة من (قوقل) إلا اذا شكك فيها الخصم فتتم احالتها إلى الجهة الوطنية المعنية بإصدار الصور والخرائط الجوية للتحقق من صحتها والمصادقة عليها ثم يتم العمل بموجبها، والله اعلم.

حجية الصورة الجوية في النزاعات العقارية