أثر تصالح احد الورثة

 

أثر تصالح احد الورثة

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية التي يتكرر وقوعها وتكثر الحاجة إلى التوعية بشأنها هي تصالح احد الورثة ومن في حكمهم كالموصى له  اوتنازله ً عن دعوى مورثهم او الموصي لهم  وتاثير ذلك على حقوق الورثة الاخرينً ، لاسيما ولهذه الإشكاليات علاقة وثيقة بالتقاضي الكيدي والتحايل والإضرار بالورثة الاخرين ، ولذلك نجد انه من المناسب تسليط الضوء على هذه الإشكاليات ولفت الأنظار إليها والتوعية بشأنها ، وسيكون ذلك في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/1/2011م في الطعن المدني رقم (41998) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم إن احد الملاك ادعى بان المستأجر منه لبعض المواضع الزراعية قد اغتصب مواضع اخرى مملوكة له  وان هذا المستاجر قد  أهمل المواضع الأخرى المؤجرة له ، وقد حكمت المحكمة الابتدائية بعدم قبول الدعوى فقام المالك باستئناف الحكم الابتدائي وفي أثناء سير إجراءات التقاضي أمام محكمة الاستئناف مات المالك المستأنف وانحصر أرثه في ابنته وأبناء ابنه المتوفى في أثناء حياة مورثه والذين سبق لجدهم ان اقعدهم بعد وفاة ابيهم  حيث يعتبر هولاء موصى لهم وليس ورثة بالمفهوم الشرعي والقانوني؛ وامام محكمة الاستئناف  قام أبناء الابن بتوكيل احدهم لمتابعة سير إجراءات التقاضي في حضور وكيل بنت المتوفي  أمام المحكمة  الذي وعد المحكمة بأنه سوف يقدم الأدلة المؤيدة للاستئناف المقدم من مورث موكلته ولكنه لم يحضر فيما بعد ، وبعدئذ تصالح أبن الابن الموكل من اخوانه تصالح مع المستأنف ضده على ان يقوم المستاجر  بتجديد أجارات المواضع الزراعية التي اقر المستأجر بأنها في ملك مورثهم المتوفي وتكون الاجارات باسم ابن الابن  وتضمن الصلح ايضا ان المواضع المدعى بان المستأجر اغتصبها هي ملك المستأجر وليست ملكا لمورثهم وتم إثبات هذا التصالح في محضر جلسة الشعبة الاستئنافية وبموجب ذلك قضي  الحكم ألاستئنافي بإنهاء القضية على هذا الأساس ، إلا ان البنت الوارثة من أبيها قامت بالطعن بالنقض أمام المحكمة العليا وذكرت في طعنها بأنها لم توكل ابن أخيها الذي تصالح مع المطعون ضده وانها الوارثة لنصف التركة بحكم الشرع والقانون وان أبناء أخيها ليسوا ورثة لان أبيهم مات في أثناء حياة ابيها وان هناك خصومة فيما بينها وبين أبناء أخيها بشأن هذه المسألة ، فقبلت المحكمة العليا الطعن ونقضت الحكم ألاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وتبين للدائرة ان الطاعنة تنعي على الحكم المطعون البطلان لأنه استند في حيثياته على مزعوم وثيقة الصلح فيما بين ابن أخيها وبين غريم أبيها المدعى عليه من قبل أبيها كما ان الطاعنة غير ممثلة في ذلك الصلح إضافة إلى ان هناك خصومة فيما بينها وبين ابن أخيها الذي قام بالتوقيع على ذلك الصلح وانه ليس وكيلها وإنما وكيلها هو الذي حضر أمام المحكمة ووعد بأنه سوف يقدم الأوراق التي تلغي الحكم الابتدائي ...الخ الطعن ، والدائرة تجد انه من المتعين عليها قبول الطعن موضوعاً لأنه تبين ان الحكم المطعون فيه قد بني على مخالفة الشرع والقانون ، حيث استندت الشعبة الاستئنافية إلى وثيقة الصلح وجعلتها الشعبة حجة على الطاعنة فقضى الحكم ألاستئنافي المطعون فيه بوجوب العمل بوثيقة الصلح نصاً وروحاً ، مع ان حجية الصلح قاصرة على طرفيه فقط فقد ثبت عدم صحة تمثيل الطاعنة فيه ، لذلك لزم نقض الحكم وإعادة ملف القضية إلى محكمة الاستئناف لنظر الاستئناف فيما يخص الطاعنة فقط والحكم فيها مجدداً بحسب ما يتقرر لديها ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : التكييف القانوني للصلح :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان الصلح قد تم فيما بين احد الورثة (موص له) وبين المدعى عليه وان هذا التصرف وفقاً للقانون المدني هو عقد وقد نظم القانون المدني عقد الصلح بهذا المسمى واعتبره عقداً من العقود ، وبناءً على ذلك فان حجية عقد الصلح قاصرة على الأطراف المتصالحة التي قامت بالتوقيع على الصلح باعتبارها أطراف العقد فلا يلزم العقد إلا أطرافه فلا يكون ملزماً لبنت المتوفي التي لم تقم بالتوقيع على ذلك العقد كما انه لم يصدر منها توكيل عام أو خاص بالصلح لابن أخيها ، وبالمقابل فان هذا العقد ملزم لابن الابن الذي قام بالتوقيع عليه  بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن اخوانه كما انه ملزم كذلك للمدعى عليه المستاجر  الذي قام أيضا بالتوقيع على عقد الصلح ، ولذلك نجد أن حكم المحكمة العليا لم يقض ببطلان عقد الصلح وإنما قضى بعدم حجيته في مواجهة بنت المورث التي لم توقع عليه ، وارشد حكم المحكمة العليا محكمة الاستئناف بنظر خصومة الاستئناف فيما يخص الطاعنة بنت المتوفي فقط.

الوجه الثاني : خطورة الصلح وتأثيره على حقوق الورثة :

من المؤكد ان الصلح يتضمن الإسقاط والتنازل ولذلك اشترط القانون ان يكون المصالح مالكا للمال الذي يتنازل عنه بموجب عقد الصلح وكذلك أيضا اشترط القانون ضرورة صدور توكيل خاص للوكيل الذي سيتولى التوقيع على عقد الصلح نيابة عن غيره ، وكذلك نجد ان ابن الابن الذي قام بالتوقيع على عقد الصلح قد تنازل عن الدعوى والاستئناف الذي رفعه جدهم الموصي عليهم وتبعاً لذلك فقد  تنازل ابن الابن  عن المواضع الزراعية التي كان يدعي ملكيتها جده الموصي لهم ، ولان الصلح يمس بحقوق ومصالح الورثة الاخرين فقد قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم ألاستئنافي فيما يخص الوارثة بنت المتوفي.

الوجه الثالث : الآثار المترتبة على اعادة القضية لنظر خصومة الاستئناف فيما يخص الطاعنة فقط التي لم تقم بالموافقة أو التوقيع على عقد الصلح :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أن الطاعنة المشار إليها قد أكدت ان لديها المستندات والأدلة القاطعة على ملكية مورثها للمواضع التي ادعى بها على المدعى عليه والتي تصالح على إسقاطها حفيده الموصى له ولاخوانه ومع ان الملكية في تلك المواضع شائعة فيما بين الطاعنة وأبناء أخيها إلا انه إذا نجحت الطاعنة في إثبات ملكية مورثها لتلك المواضع فسوف يقتصر الحكم عن الحكم لها بنصيبها فقط في تلك المواضع اما نصيب أبناء الابن فقد سبق لهم التنازل عنه بموجب عقد الصلح ، ولذلك نجد الحكم محل تعليقنا قد قضى بان تقتصر محكمة الاستئناف على نظر خصومة الاستئناف فيما يخص الطاعنة فقط.

الوجه الرابع : الوضعية الشرعية والقانونية لأبناء الابن في هذه القضية :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان المورث قد مات في اثناء مرحلة الاستئناف وان ورثته قد انحصروا في ابنته الوارثة وأبناء ابنه الذي توفى في أثناء حياة أبيه  حيث اقعد الجد أبناء ابنه عند وفاة ابيهم  ووفقاً لأحكام الشرع والقانون فان أبناء الابن ليسوا من الورثة وإنما موص لهم لان الإقعاد هو وصية تكون في حدود الثلث ، ومن وجهة نظر الطاعنة فان أبناء الابن أي أبناء أخيها ليس لهم صفة في التصالح لأنهم ليسوا من الورثة الذين يرثون خصومة الاستئناف والحقوق المتعلقة بها فهم مجرد أصحاب وصية ، تكون لهم المصلحة في الخصومة أو الدعوى ولكن لا تثبت لهم الصفة لأنهم ليسوا من الورثة طبقاً لأحكام الشرع والقانون ، فالظاهر أن الطاعنة كانت تشعر بان هناك تواطوء وحيلة فيما بين أبناء أخيها والمدعى عليه الغاصب للمواضع التي كان يدعي بها أبوها مورثها حيث قام المدعى عليه بالاستئجار من ابن الابن الموصى له!!!؛ والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717