إلتزام صاحب العمل بإثبات الإجراءات المتخذة حيال العامل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يتوسل بعض اصحاب
الاعمال بمبررات مختلفة لإنهاء علاقاتهم ببعض العمال حيث ينسبون إلى العمال الذين
يريدون انهاء علاقاتهم ينسبون لهم افعالاً وتصرفات يقرر القانون انهاء علاقة
العامل اذا ما قام بأي من تلك الافعال والتصرفات مثل الغياب أو مخالفة التعليمات
أو تنقيص العمال وغير ذلك، ولا شك ان تلك الدعاوى التي يتوسل بها صاحب العمل في
مواجهة بعض العمال تثير إشكاليات تحتاج إلى الاشارة اليها في سياق التعليق على
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
23/4/2013م في الطعن رقم (4792) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
عاملاً رفع دعوى أمام اللجنة العمالية مدعياً أن صاحب العمل قد قام بفصله تعسفياً
من العمل وطلب العامل في دعواه الزام صاحب العمل بدفع مبالغ مختلفة منها تعويضه عن
الفصل التعسفي فرد صاحب العمل على الدعوى: بان العامل لم يكن يعمل بصفة دائمة
وإنما في اوقات ومواسم متفاوتة وعارضة ،وبعد ذلك ذكر صاحب العمل ان العامل قد ترك
العمل بإرادته حيث تغيب عن العمل مدة طويلة، وقد توصلت اللجنة التحكيمية إلى الحكم
على صاحب العمل بأن يدفع للعامل ستة رواتب مقابل الفصل التعسفي وراتب مقابل شهر
الإنذار وراتب عن كل سنة خدمة مقابل مكافأة نهاية الخدمة، فقام صاحب العمل
باستئناف قرار اللجنة التحكيمية إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم
الابتدائي، فقام صاحب العمل بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فرفضت الدائرة
المدنية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (حيث
نعى الطاعن على الحكم الاستئنافي المطعون فيه أنه قد اهمل دفاعه بان العامل تغيب
عن العمل إلا أن الدائرة وجدت أن الحكم الاستئنافي قد ناقش ذلك تفصيلاً بالقول
:أنه كان يجب على الشركة الطاعنة إثبات غياب العامل إضافة إلى أن الطاعنة لم توضح
الإجراءات القانونية التي اتخذتها حيال غياب العامل المطعون ضده حسبما ورد في
أسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه ولذلك فان الحكم المطعون فيه قد ناقش هذه
المسألة، فليس صحيحاً ما ذكره الطاعن ان الحكم الاستئنافي قد تجاهل دفاعه) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : التزام صاحب العمل بتقديم كافة البيانات والمستندات التي تدل على أية إجراءات قد يتخذها في مواجهة العامل :
قضى الحكم محل
تعليقنا بأنه يجب على صاحب العمل أن يقدم البيانات والمعلومات عن واقعة غياب
العامل وما يثبت الإجراءات التي قامت بها الشركة التي كان يعمل حيال غياب العامل
،ليس هذا لان الشركة صاحبة العمل هي التي ادعت بان العامل قد انقطع او غاب عن
العمل وإنما لان الشركة صاحبة العمل هي التي يجب عليها وفقاً لقانون العمل
والقوانين والانظمة الاخرى ان تحتفظ بكافة البيانات والمستندات عن العاملين فيها
وان تحتفظ بالملفات والسجلات المتضمنة البيانات والمستندات الخاصة بعمالها ذات
الصلة بالعمل، لأن ذلك من مقتضيات تنظيم اعمالها ، وبناءً على ذلك فانه من الواجب
على صاحب العمل ان يثبت كافة الوقائع التي
ينسبها للعامل كما أنه يجب عليه ان يثبت خلاف ما يدعيه العامل اذا كانت القوانين
والنظم توجب على صاحب العمل الاحتفاظ بالمستندات والبيانات المتعلقة بالواقعة محل
النزاع، فإذا ادعى العامل أنه لم يستلم راتبه فعلى صاحب العمل أن يقدم الكشف
المتضمن استلام العامل للمرتب واذا ادعى العامل أنه لم يحصل على اجازته فعلى صاحب
العمل تقديم المستندات المؤيدة التي تدل على أن العامل قد حصل على اجازته، واذا
ادعى العامل ان صاحب العمل قد قام بفصله
تعسفياً من غير موجب فان دعواه صحيحة إلا اذا قدم صاحب العمل ما يدل على أنه قد
قام بإنهاء علاقة العامل بسبب غياب العامل أو بسبب فعل غير مشروع صادر من العامل
حسبما قرر الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : اساس الزام صاحب العمل بتقديم ما يثبت الإجراءات التي اتخذها في مواجهة العامل :
يتأسس هذا الالتزام
على أساسين راسخين الأول :أن صاحب العمل قد يكون المدعي بحدوث الواقعة مثل واقعة
الغياب في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فالواجب عليه بصفته المدعي أن
يثبت ذلك، والاساس الثاني: ان القوانين والنظم توجب على صاحب العمل الاحتفاظ في
مقر عمله بالمستندات والوثائق مثل كشوفات او ما يثبت حضور العامل وانصرافه وسندات
استلامه لحقوقه باعتبار ذلك من مقتضيات تنظيم صاحب العمل لعمله.
الوجه الثالث : جزاء عدم قيام صاحب العمل بتقديم ما يثبت الواقعة التي يدعيها صاحب العمل نفسه أو ما يثبت خلاف الواقعة التي يدعيها العامل :
من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نلاحظ ان الحكم قد قضى للعامل بالتعويض عن الفصل التعسفي مع أن العامل لم يثبت أنه تم فصله تعسفياً، فالحكم قد استند في قضائه إلى أن صاحب العمل قد عجز عن إثبات ان فصل العامل كان بسبب غيابه علاوة على أن صاحب العمل لم يثبت الاجراءات التي اتخذها في مواجهة غياب العامل مثل حوافظ الحضور والانصراف ومدة الغياب والجزاءات التي آخذها صاحب العمل بالتدريج التنبيه والانذار والفصل بعد ذلك وكذا تقديم ما يثبت مدة الغياب، ولذلك فان الجزاء المقرر على عدم تقديم صاحب العمل للأدلة هو الحكم عليه في الواقعة التي يدعيها العامل اذا كان القانون والانظمة المتعارف عليها تحتم على صاحب العمل الاحتفاظ بمستنداتها وبياناتها، والله أعلم.