المحكمة المختصة بنظر دعوى فسخ الزواج

 

المحكمة المختصة بنظر دعوى فسخ الزواج

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الأصل ان يكون الاختصاص بنظر الدعاوي المختلفة لمحكمة موطن المدعى عليه لاعتبارات كثيرة ليست محل تعليقنا،وتنص القوانين العربية على استثناء قضايا فسخ الزواج والخلع وحضانة  وكفالة الأطفال ورؤيتهم والنفقة من هذا الأصل حيث يكون المدعي مخيرا في رفع الدعوى امام المحكمة في موطنه أو محكمة موطن المدعى عليه،وذلك من قبيل التسهيل والتيسير وسرعة الفصل في هذه القضايا التي لها خصوصيتها الا أن القانون اليمني يقف في هذه المسالة موقفا قاسيا ومتشددا  فلايستثني الا قضايا النفقة فقط، متجاهلا  خصوصية قضايا فسخ الزواج التي تميزها عن الدعاوى المدنية والتجارية والادارية، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/11/2016 في الطعن رقم (58531) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان زوجة قامت برفع دعوى نفقة ضد زوجها في موطنها حيث حضر زوجها إلى المحكمة وطلب اعادتها إلى منزل الزوجية فتقدمت الزوجة بدعوى فرعية مطالبة بفسخ زواجها من المدعى عليه لكراهيتها له، فرد الزوج المدعى عليه لدفع بعدم اختصاصك محكمة موطن الزوجة بنظر دعوى الفسخ  لان المحكمة المختصة بنظر دعوى الفسخ هي محكمة موطنه في المديرية التي يقيم فيها   وليس محكمة موطن الزوجة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم للزوجة بنفقة تسعة أشهر وإحالة دعوى فسخ الزواج إلى محكمة موطن الزوج في المحافظة والمديرية النائية البعيدة عن موطن أهل الزوجة، فقامت الزوجة باستئناف الحكم الابتدائي فيما يتعلق بإحالة دعوى الفسخ الى محكمة موطن الزوج، فقبلت الشعبة الشخصية الاستئناف وقضت بالغاء الفقرة الواردة في منطوق الحكم الابتدائي المتضمنة عدم اختصاص محكمة موطن الزوجة بنظر دعوى الفسخ وقضت الشعبةبإعادة القضية إلى محكمة موطن الزوجة لنظر دعوى الفسخ، فقام الزوج بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، حيث رفضت الدائرة الشخصية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة تفاصيل ما ورد في عريضة الطعن المشار اليه وأوراق ملف القضية حيث وجدت أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه موافق للشرع والقانون فيما قضى به بشأن النفقة للمدة الماضية وإعادة دعوى الفسخ إلى المحكمة الابتدائية لنظرها والفصل فيها على وجه السرعة وفقاً للشرع والقانون وعدم إحالة دعوى الفسخ إلى محكمة موطن المدعى عليه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الموطن بالنسبة لدعوى الفسخ   وإشكالاته في القانون اليمني :

قرر قانون المرافعات اليمني أنه بالنسبة لدعاوى الفسخ يتم رفعها في المحكمة التي يقع ضمن نطاق اختصاصها المكاني موطن الزوج المدعى عليه، وتترتب على ذلك إشكالات كثيرة منها أن هذا النص يتجاهل الظروف الدينية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة اليمنية ويفرض عليها الانتقال من مكان إقامتها بين أهلها إلى المديرية أو المدينة التي يوجد فيها موطن زوجها المدعى عليه، كما انه من غير السهل على الزوجة في حالات كثيرة العثور على موطن الزوج خاصة وان دعاوى الفسخ لا ترفع عادة إلا في مواجهة ازواج غير ملتزمين وغير منظمين، كما أنه من الصعب في حالات كثيرة تحديد موطن هذا النوع من الازواج.

الوجه الثاني : قضاء الحكم محل تعليقنا بجواز رفع الزوجة لدعوى الفسخ في موطنها :

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجوز للزوجة ان ترفع دعوى الفسخ في المحكمة التي يقع موطنها ضمن الاختصاص المكاني لتلك المحكمة حيث فسر الحكم الموطن لصالح الزوجة لانها الطرف الضعيف والأولى بالرعاية حيث نظر إلى ان دعوى الفسخ التي رفعتها الزوجة كانت دعوى فرعية تفرعت من الدعوى الأصلية للزوجة وهي دعوى النفقة التي اجاز قانون المرافعات في المادة (97) رفعها في موطن الزوجة المدعية، وربما ان الزوجة قد رفعت الدعوى الأصلية وهي دعوى النفقة حتى تفرع منها أو تضيف اليها دعوى الفسخ لان موطن الزوج كان في مديرية نائية في محافظة بعيدة في حين ان موطن الزوجة كان في مدينة يمنية كبيرة.

الوجه الثالث : الموطن في دعاوي الفسخ في القوانين  العربية وتوصيتنا للمقنن اليمني :

بإعتبار الزوجة هي الطرف الأولى بالرعاية والطرف الضعيف وتقديراً للظروف الدينية والاجتماعية والاقتصادية للزوجة فقد قررت غالبية القوانين إن لم تكن كلها ان الزوجة مخيرة في رفع دعواها بالفسخ بين محكمة موطنها أو محكمة موطن زوجها، فعلى سبيل المثال  نصت المادة (15) من القانون المصري بشان  إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أن (تختص المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو المدعى عليه بنظر الدعاوي المرفوعة من الأولاد أو الزوجة أو الوالدين أو الحضانة حسب الأحوال في المواد الاتية : 1- الحضانة والرؤية والمسائل المتعلقة بهما -2- المهر والجهاز والدوطة والشبكة وما في حكمها -3- التطليق والخلع والابراء والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها الشرعية) ونوصي المقنن اليمني باستحداث مادة في قانون الاحوال الشخصية على غرار هذه المادة  لتسهيل إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية بمافيها الفسخ التي تحتاج إلى الفصل فيها بسرعة حسبما اشار الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.