الفرق بين عقد العمل وعقد المقاولة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
نطاق
تبعية العامل مع صاحب العمل هو الذي يحدد نوع العلاقة بين الطرفين وطبيعتها.هذا
المبدا قرره الحكم محل تعليقنا. وتظهر اهمية هذا المبدا ان اطراف تتعامل مع صاحب
العمل فتقوم باعمال او تقدم خدمات لحسابه دون ان تكون تابعة له مثل المقاولين
والمستشارين القانونين والاطباء.كما ان المبدا الذي قرره هذا الحكم يحدد طبيعة
العلاقة بين هذه الاطراف وصاحب العمل هل
تكون تجارية تخضع للقانون التجاري ام انها تكون علاقة عمل ام ان العلاقة علاقة
مدنية تخضع للقانون المدني ، وهل هذه العقود جماعية ام فردية، والقيمة العلمية
والعملية للحكم محل تعليقنا انه حاول الاجابة على تلك التساؤلات باجتهادات رائعة
سواء اتفقنا ام اختلفنا معها .كما ان اهمية هذا الحكم تظهر في ان الاجتهادات الواردة
فيه تلامس التكييف القانوني لعقود الخدمات التي تقدمها مكاتب المحامين والمهندسين
والاستشاريين وعيادات الاطباء ...الخ، ومن
هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/12/2008م في الطعن الاداري رقم (32308) لسنة
1428هـ وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم ان فرقة موسيقية قامت بالتعاقد
مع فندق كبير لتقديم اعمالها الفنية في قاعات الفندق حسبما هو محدد في العقد
المبرم فيما بين الطرفين وقد استمر التعامل بين الطرفين لمدة طويلة وبعدها قام
الفندق بفسخ العقد قبل انتهاء المدة
المحددة بحجة ان الفرقة تتغيب في حالات كثيرة عن اداء العمل المتفق عليه وهو تقديم
اعمالها الفنية فقامت الفرقة برفع دعوى تجارية امام المحكمة التجارية حيث قام
الفندق بالدفع بعدم اختصاص المحكمة التجارية لان العقد ليس عملاً تجارياً فقبلت المحكمة التجارية الدفع واحالت القضية
إلى اللجنة التحكيمية العمالية على اعتبار ان العقد المبرم فيما بين الطرفين هو
عقد عمل وليس عملاً تجاريًا، وان موضوعه هو التزام الفرقة الموسيقية بالعمل
كفنانين يعملون يومياً سبعة أيام في الاسبوع من الساعة 10:30 مساءً حتى الساعة 4
صباحًا في الفندق، وقد قررت اللجنة التحكيمية قبول الدعوى وإلزام الفندق المدعى
عليه بدفع مبلغ سبعمائة الف ريال للمدعية مستحقات نهاية الخدمة ودفع سبعمائة الف
ريال قيمة الاجازة المستحقة ودفع اربعمائة الف أجرة خمسة عشر يوماً بدلاً عن الاشعار
بإنهاء العقد ودفع تسعمائة الف اجر شهرين وهي الفترة المتبقية من عقد العمل ودفع
خمسة الاف ريال اجور المحامي المنصب ودفع عشرين الف ريال غرامة عدم حضور جلسة تدفع إلى الخزينة العامة ، فلم يقبل الفندق
بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن محكمة الاستئناف قضت برفض الاستئناف
وتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (انما ذكره الفندق بان
العقد من عقود المقاولات غير صحيح إذ ان قانون العمل قد اجاز الاتفاق بين طرفي
العمل على ان يكون الاجر باليوم او بالساعة حسبما نصت عليه المادة (38) عمل كما ان
بنود العقد تدل على خضوع وتبعية الفرقة الموسيقية لإشراف ومراقبة صاحب العمل
وتبعيتها له وعدم السماح لهم بالظهور أو تقديم اعمالهم لجهات اخرى إلا بأذن منه
إضافة إلى ان المادة (39) عمل قد اجازت الحكم بأجرة مدة الاشعار وقدرتها بشهر أو
اقل من ذلك وكذا استحقاق الفرقة الحقوق المقررة للعمال وحيث ان الحكم الابتدائي لم
يخالف القانون) فلم يقنع الفندق بالحكم الاستئنافي، فقام بالطعن فيه بالنقض أمام
المحكمة العليا إلا أن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا قضت برفض الطعن وتأييد
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما بشان ولاية اللجنة
التحكيمية بنظر القضية فان مرجع ذلك هو الطبيعة القانونية للعقد المبرم فيما بين
الطرفين هل هو عقد عمل ام مقاولة؟ فبالرجوع إلى نصوص القانون المدني نجد المادة
(781) مدني تنص على ان عقد العمل يتعهد فيه احد المتعاقدين بان يعمل في خدمة
المتعاقد الأخر وتحت ادارته واشرافه مقابل اجر يتعهد به المتعاقد الاخر .في حين
تنص المادة (875) مدني على ان :المقاولة عقد بين شخص وأخر يلتزم فيه احدهما وهو
المقاول بان يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً في مقابل اجر يلتزم به الاخر وهو رب العمل
وسواء قدم رب العمل المواد اللازمة للعمل من عنده أو التزم المقاول بتقديم العمل
والمواد اللازمة له معاً، فمن خلال التعريفين السابقين فقد تبين ان المقنن اعتمد
عنصر التبعية القانونية كمعيار للتفرقة بين عقدي العمل والمقاولة فأورد هذا العنصر
في عقد العمل عندما ذكر ان احد المتعاقدين يعمل تحت ادارة واشراف المتعاقد الاخر
فيما اغفل عنصر التبعية في تعريفه لعقد المقاولة، فالمقاول ملزم بتفيذ العمل وفقاً
للشروط المتفق عليها من غير ان يكون تابعا لصاحب العمل . وقد انصرف رأي شراح
القانون إلى ان لصاحب العمل في عقد
المقاولة ان يراقب تنفيذ المقاول للشروط المتفق عليها وان يبدي له بعض التوجيهات
العامة، اما اذا تعدى هذا الاشراف إلى شخص المقاول كان يطلب منه الحضور والانصراف
في ساعات معينة فقد تحقق عنصر التبعية وبالتالي نكون امام عقد عمل لا عقد مقاولة،
هذا ومن خلال دراسة النسخة المترجمة من العقد محل الخلاف تجد الدائرة ان البند
الاول منه قد نص على انه قد توافق الفندق والفرقة الموسيقية على ان يعمل اعضاء
الفرقة كفنانين للعمل يومياً سبعة ايام في الاسبوع على ان يبدا العرض الموسيقي
يوميًا من الساعة العاشرة والنصف مساء وحتى الساعة الرابعة صباحًا ويتضمن ذلك البند
ان ادارة الفندق ستقرر ميعاد اقامة
الحفلات ولم يقتصر الامر على ذلك بل تضمن البند (6) من العقد انه يجب ان يوافق
الفندق على غناء الفرقة في أي مكان من الفندق وفقاً لقرار الادارة وكذا وجوب حضور
الفنانين للبروفات لتحسين الاداء وكذا موافقة الفندق على البروفات وكذا النص بانه
لا يحق تغيير موظفي الفرقة بدون موافقة مكتوبة من ادارة الفندق، فكل ذلك يدل على
تبعية الفرقة لإدارة الفندق وما يؤكد ذلك ان العقد قد سخر جهد الفرقة لخدمة الفندق
حسبما ماورد في الفقرة (5) التي نصت على انه لا يحق للفنانين في الفرقة خلال فترة
سريان هذه الاتفاقية الظهور أو العمل في اية حفلة موسيقية أخرى في المدينة بدون
ترخيص من الفندق ولو كان عمل الفرقة بغير اجر. من خلال دراسة كل ذلك يظهر بجلاء ان
العقد المبرم بين طرفي العقد هو عقد عمل مؤقت لا عقد مقاولة كما يزعم الطاعن ومن
ثم فلا إشكال في ولاية لجنة التحكيم العمالية في نظر الخصومة القائمة بين الطرفين)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : نطاق التبعية لصاحب العمل هو الذي يحدد الفرق بين عقد العمل وعقد المقاولة :
صرح الحكم محل
تعليقنا في اسبابه إلى ان نطاق تبعية الشخص لصاحب
العمل هو الذي يحدد نوع العقد او العلاقة القائمة فيما بين الشخص وصاحب
العمل. فاذا كان الشخص ينفذ العمل بناءً على ارشادات وتوجيهات وتعليمات صاحب العمل
وينفذ العمل بإشراف صاحب العمل ومتابعته المستمرة
فان هذا الشخص يكون عاملاً تابعاً لصاحب العمل ينظم العلاقة بينما عقد
العمل وقانون العمل وبموجب ذلك ينعقد الاختصاص بنظر المنازعات التي تحدث بينهما
للجنة التحكيمية العمالية، اما اذا كان الشخص يقوم بالعمل لحساب صاحب العمل ولكنه
لا ينفذه بشخصه وانما بواسطة اشخاص أخرين تابعين لهذا الشخص وتحت إشرافه ومتابعته
حتى وان صدرت بعض التوجيهات أو الملاحظات أو التصويبات ولكنه لا يخضع للإشراف
والمتابعة والتوجيهات المستمرة من صاحب العمل فهذا هو المقاول إضافة إلى أن
المقاول لا يتقاضى اجراً بالساعة أو باليوم أو في نصف الشهر أو اخره وإنما بحسب
الاعمال المنجزة 30% أو 50% كما ان المقاول يتقاضى مقابل العمل وليس مقابل امام
العمل وساعاته، كما ان المقاول يقوم بأعمال المقاولات لحساب صاحب العمل وغيره من
اصحاب الاعمال الاخرين لانه ليس عاملاً أو تابعاً لصاحب العمل، ومع هذه الفروق
الجوهرية بين عقدي العمل والمقاولة إلا ان الجامع بينهما هو ان عمل المقاول يكون
لحساب المستفيد منه وهو رب العمل حقيقة أو حكماً ، وقد قررت المادة (10) تجاري ان
مقاولات بناء العقارات وتعديلها وترميمها وهدمها متى تعهد المقاول بتقديم المواد
الأولية أو توريد العمال تعد اعمالاً تجارية بصرف النظر عن صفة القائم بها أو نيته
.ولذلك فان اعمال المقاولات تختص أصلاً بنظرها المحاكم التجارية غير أن اعمال الفنانين مستثناة من الخضوع
للمحاكم التجارية لان المادة (15) تجاري قد نصت على ان (صنع الفنان عملاً فنياً
بنفسه أو باستئجار عمالاً وبيعه اياها لا يعد عملاً تجارياً وكذلك لا يعد عملاً
تجارياً طبع المؤلف وبيعه اياه) ولذلك نجد ان المحكمة التجارية قررت عدم الاختصاص
بنظر قضية الفرقة الموسيقية وقررت إحالتها إلى اللجنة العمالية لنظرها، فلما تمت
إحالة القضية إلى اللجنة العمالية بناء على دفع الفندق قام الفندق بالدفع مرة اخرى
بعدم اختصاص اللجنة التحكيمية بنظر القضية لان العقد من عقود المقاولة وهذا كله من قبيل التقاضي الكيدي
الذي ينخر في القضاء اليمني، ولو فرضنا ان القضية احيلت إلى المحكمة المدنية لقام
الفندق بدفعها ايضا.
الوجه الثاني : عقود الخدمات القانونية والخدمات الطبية وما في حكمها :
من خلال ما تقدم في
الوجه الأول نستطيع القول بان عقود الخدمات القانونية والخدمات الطبية وما في
حكمها ليست من قبيل عقود العمل لان المستشارين القانونين والمحامين والاطباء وما
في حكمهم اصحاب اعمال ومهن حرة يقدمون خدماتهم للكافة بمن فيهم اصحاب الاعمال من
الشركات والمؤسسات التي يتعاقدون معهم لتقديم خدماتهم لها، كما ان المستشارين
والمحامين والاطباء يقدمون خدماتهم
للشركات والمؤسسات باستقلالية عنها وبدون ان يكونوا تابعين لها. ولذلك فان
قانون العمل لا ينطبق على هؤلاء، كما ان اعمال هولاء لاتعد اعمالا تجارية لان
الخدمات القانونية والطبية لا تندرج ضمن الاعمال التجارية المنصوص عليها في
القانون التجاري.
الوجه الثالث : عقد العمل الجماعي يكفي ان يوقعه ممثل العمال :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد ان الخصومة كانت فيما بين الفرقة الموسيقية والفندق وقد تمت اجراءات التقاضي في مواجهة رئيس الفرقة
حيث تعامل الحكم مع رئيس الفرقة على انه ممثل لبقية فناني الفرقة فلم يتم التعامل
معه على اساس انه الممثل القانوني للفرقة، والله اعلم.