توقيع المشائخ نيابة عن المواطنين في وثيقة التحكيم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تسود في المجتمع اليمني اعراف اجتماعية ومن ذلك تمثيل المشائخ للقبيلة
أو القرية أو الحي ...الخ، وبهذه الصفة يقوم الشيخ بالتوقيع على وثيقة التحكيم أو
صاحب أو غيره نيابة عن المواطنين اذا كان الامر متعلقا بمصلحة القبيلة أو القرية
أو الجماعة التي يمثلها الشيخ، وهنا يثور الجدل عن صفة الشيخ في التوقيع على وثيقة
التحكيم أو الصلح والاثر القانوني المترتب على ذلك، وقد تناول هذه المسألة المهمة
الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
19/3/2018م في الطعن رقم (59371) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
اهالي قريتين اختلفوا بشأن حفر بئر في الحد الفاصل بين القريتين حيث اوشك هذا
الخلاف ان يتطور إلى فتنة وقتال بين اهالي القريتين ودرءاً للفتنة توصل الاهالي على
تحكيم مجموعة من اصحاب العقل والصلاح للفصل في هذا النزاع فقام مشائخ القريتين
بالتوقيع على وثيقة التحكيم وبعد ذلك توصلت هيئة التحكيم إلى منع حفر البئر وقررت
بعض الاجراءات والتدابير لاحتواء تداعيات الخلاف حسبما ورد في حكم التحكيم التي
لايتسع المجال لسردها في هذا التعليق الموجز، فقام بعض اهالي القرية المستفيدة من
حفر البئر قاموا بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم امام محكمة الاستىناف مدعيين عدم صفة
المشائخ الموقعين نيابة عنهم على وثيقة التحكيم لان قانون المرافعات ينص صراحة على
عدم جواز ان يقوم شخص بتمثيل غيره من غير وكالة أو انابة ...الخ، إلا أن الشعبة
المدنية توصلت إلى الحكم برفض دعوى البطلان، فلم يقنع المدعون بالبطلان بالحكم
الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض غير أن الدائرة رفضت الطعن وأقرت الحكم
الاستئنافي ،وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فلا يعيب حكم التحكيم ان وثيقة
التحكيم قد تم توقيعها من قبل ممثلي القريتين خاصة اذا كان الاهالي قد سبق ان
اختاروهم ابتداء والملاحظ ان التنصل مما تم الاتفاق عليه يمس قدر ومكانة المعارض
له قضاء وعرفا،ً فيعد خروج على قواعد العرف ومنها قاعدة (من حكم احتكم) كون مخالفة
ذلك ينقص من قدر من عارض ما اتفق عليه المحكمون، فحكم المحكمين المدعى ببطلانه قد
تضمن خطوات عمل يجب اتباعها لمعالجة النزاع واصبحت ملزمة للطرفين فليس في ذلك
مخالفة للشريعة أو القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: الأساس القانوني للمشيخة :
ليس محل تعليقنا الأساس الاجتماعي للمشيخة وإنما سنقتصر على محاولة تلمس الأساس القانوني للشيخ كممثل للقبيلة أو الجماعة أو القرية أو العزلة ...الخ، فقد كان الأساس القانوني للمشيخة هاجساً للدولة والمجتمع حيث كان البيان الثالث لثورة 26 سبتمبر 1962هـ هو انشاء (اللجنة المركزية لشؤن القبائل) بناءً على مشورة الخبراء المصريين الذين ادركوا الفجوة القائمة في المجتمع اليمني نتيجة غياب الدولة عن انحاء واسعة من البلاد وكذا لايجاد قنوات اتصال فيما بين الدولة وعموم المواطنين في مناطقهم المتفرقة،وقد كان قرار انشاء اللجنة المركزية لشئون القبائل اعترافاً بوضعية المشائخ التي كانت قائمة في المجتمع اليمني لقرون طويلة، وقد ظلت لجنة شئون القبائل ثم مصلحة القبائل تقوم بتنظيم شئون المشائخ حتى تطور عملها إلى تسجيل المشائخ لديها ومنحهم بطاقات تفيد نوع المشيخة التي يتمتعون بها (شيخ قرية/ شيخ عزلة/ شيخ ضمان/ شيخ قبيلة) وظلت مصلحة القبائل تمنح بعض هؤلاء المشائخ رواتب لهم ومرافقيهم، وما يعنينا في هذا الأمر ان الجهة الرسمية (مصلحة شئون القبائل) قد أصبغت على المشيخة والشيخ الصفة الرسمية ومنحتهم بطاقات رسمية تفيد ذلك أي ان الشيخ وان لم يكن موظفاً رسمياً يقوم بعمل دائم مستمر في مقر حكومي إلا أنه مكلف بخدمة عامة وهي تمثيل القرية أمام الغير خاصة الجهات الحكومية وتنفيذ توجيهات الجهات الحكومية في اطار الجماعة التي هو شيخ لها وتمثيل المواطنين أمام الجهات الحكومية للمطالبة بالحقوق والمصالح العامة لهم، ولذلك كان يتداخل عمل المشائخ مع عمل مؤسسات الدولة التي عملها أصلاً تحقيق حقوق ومصالح المواطنين من غير حاجة إلى شيخ او وسيط.
الوجه الثاني : موقف القانون من تمثيل الشيخ للجماعة التي اختارته :
اذا كان الشيخ مختاراً من قبل موطني القرية أو العزلة ...الخ بموجب
قاعدة مشيخ وهي وثيقة يتم التوقيع عليها من قبل الاهالي فان الشيخ في هذه الحالة
يكون بمثابة وكيل للجماعة التي اختارته في حدود ما ورد في الوثيقة التي قاموا
بالتوقيع عليها، إلا أن التوكيل هذا له طبيعته الخاصة بعد اعتماد الدولة له والعمل
بموجبه حيث لا يستطيع المواطن الموقع التحلل من هذا التوكيل أو الغاء التوكيل،
ولذلك تجد رجال القانون يرفضون التوقيع على كشوفات اختيار المشائخ اوغيرهم التي
يتم اعتمادها من الجهات الرسمية، غير ان اختيار الشيخ وان صار الزامياً بعد اعتماد
الدولة له يظل توكيلاً عاماً في حدود المواضيع العامة الواردة في وثيقة الاختيار،
ولذلك فان هذا التوكيل لا يخول الشيخ التوقيع نيابة عمن اختاره في صلح أو تحكيم،
حيث يحتاج الشيخ عندما يتصالح نيابة عن الجماعة التي اختارته إلى تفويض خاص من
الجماعة أو أصحاب الشان من الجماعة.
الوجه الثالث : موقف العرف من تمثيل الشيخ للجماعة :
اشار الحكم محل تعليقنا إلى وجوب احترام العرف، حيث يذهب العرف إلى وجهة اخرى غير ما سبق ذكره في الوجه الأول حيث يحق للشيخ ان يقوم بالتصالح والتحكيم نيابة عن الجماعة بصفته شيخاً لها، غير انه في حالات كثيرة ومن خلال استشارة بعض المشائخ لنا اجد انهم يرجعون إلى اصحاب الشان أو المصلحة والصفة من جماعتهم لتفويض هؤلاء المشائخ عند الصلح والتحكيم غير انهم يتعذر عليهم الرجوع إلى كل الجماعة رجالاً ونساءً مثل الحالة التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث قد يبلغ عدد الجماعة الآف الأشخاص رجالاً ونساء بالإضافة إلى تفرقهم في مناطق واماكن كثيرة خارج القرية أو العزلة التي يمثلونها، والله اعلم.