المحكمة المختصة بنظر الطعون الضريبية

 

المحكمة المختصة بنظر الطعون الضريبية

أ.د عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الاختصاص القضائي النوعي من النظام العام يترتب على مخالفته بطلان الحكم ، فالاختصاص النوعي من أهم ضمانات ومبادئ المحاكمة العادلة ، فمن حق الخصوم أن يمثلوا أمام قاضي له المعرفة والتخصص الدقيق النوعي ولديه الخبرة الواسعة والمعارف المتراكمة من خلال فصله  في خصومات نوعية معينة لمدة طويلة فتتوفر له الإمكانيات والمهارات والخبرات في معرفة الحقيقة حتى يكون حكمه عنواناً للحقيقة ، ولذلك فان مقتضيات العدالة والإنصاف أن تنظر القضايا لدى قضاة مختصون ومتخصصون ، ولذلك فإن الاختصاص النوعي ليس شاناً خاصاً بالخصوم بل هو من اهم  وسائل تحقيق مقتضيات العدالة بصفة عامة ، وقضايا الضرائب لها خصوصيتها ونوعيتها فضلاً عن أن المحاكم الضريبية حديثة العهد باليمن لم يكتمل تكوينها بعد ولذلك حدد قانون الضرائب المحاكم البديلة التي تتولى النظر في الطعون الضريبية ريثما يكتمل تكوين المحاكم الضريبية ، ومع هذا وذاك فان الأخطاء في اختصاص المحاكم المختصة بنظر الطعون  الضريبية يحدث كثيراً فيترتب على ذلك بطلان الأحكام التي تصدر من محاكم غير مختصة قانوناً بعد أن تقطع القضايا التي صدرت فيها مراحل طويلة من إجراءات التقاضي استغرقت خلالها وقتاً وجهداً ومالاً من الخصوم ومن القضاة ومن العدالة ، وهذا يناقض مبدأ عدم الهدر الإجرائي الذي يقتضي أن يكون القضاة والخصوم في آن واحد على بينة من المحكمة المختصة بنظر الدعوى أو الطعن قبل الشروع في الإجراءات ، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 32/12/2013م في الطعن الجزائي رقم (51550) لسنة 1434هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن أحد التجار قام بالطعن بالقرارين الصادرين عن لجنة الطعون الضريبية بشأن ربط ضريبة الأرباح التجارية والمرتبات على نشاط هذا التاجر خلال الفترة من 1998م وحتى 2001م والفترة 2002م وحتى 2004م حيث تقدم التاجر المشار إليه بطعنه في القرارين إلى محكمة الأموال العامة الابتدائية في المحافظة حيث ورد في طعنه بان القرارين خالفا الفقرة (ب) من المادة (67) من قانون ضرائب الدخل التي تنص على انه أن اذا لم تقم مصلحة الضرائب بإخطار المكلف بعدم قبول إقراره خلال سنة من تاريخ استلام الإقرار من قبل المصلحة يعتبر الإقرار موافقاً عليه ، وحيث أن المصلحة لم تخطر التاجر بعدم القبول فان إقراراته مقبولة قد  اكتسبت حماية قضائية حسبما ورد في طعنه ، إلا أن المحكمة الابتدائية رفضت الطعنين في القرارين وقضت بتأييد القرارين فقام التاجر باستئناف الحكم الابتدائي أمام الشعبة الجزائية الأولى بمحكمة استئناف المحافظة التي قبلت الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي فلم تقبل مصلحة الضرائب بالحكم ألاستئنافي حيث بادرت إلى الطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا وقد تضمن طعن مصلحة الضرائب (أن الحكم ألاستئنافي قد صدر خلافاً للقانون لأنه صدر من شعبة استئنافية غير مختصة وهي شعبة الأموال العامة حيث نصت المادة (161) من القانون رقم (17) لسنة 2010م على أن تتولى بصورة استثنائية محاكم الأموال العامة الابتدائية في المحافظات التي لا توجد فيها محكمة الضرائب والشعب التجارية بمحاكم الاستئناف والدوائر التجارية بالمحكمة العليا النظر والفصل في القضايا الضريبية حتى يتم تشكيل محاكم الضرائب ، وقد قبلت المحكمة العليا طعن الضرائب ونقضت الحكم ألاستئنافي ، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (وبعد التأمل لمحتويات ملف القضية ظهر أن الطاعنة اثارت مسالة عدم اختصاص الشعبة الجزائية في نظر الاستئناف فهذا النعي  في محله لأن القانون رقم (17) لسنة 2010م في المادة (161) قد أناط  الاختصاص بالاستئناف لأحكام محاكم الأموال العامة في المحافظات التي لا يوجد فيها محاكم ضرائب إلى الشعب التجارية في محاكم الاستئناف) أما ما ذكره المطعون ضده في رده على طعن الضرائب من أن الواقعة قد حدثت في ظل القانون القديم رقم 31لسنة 1991م فالواضح أن الأمر قد أختلط على المطعون ضده حيث أن الاختصاص في نظر المنازعة غير مرتبط بالقانون الذي يحكم الواقعة  فأن الواقعة وان كانت محكومة بالقانون رقم (31) لسنة 1991م موضوعاً فان الاختصاص خاضع لزمن نظر المنازعة مما يعني وقوع الشعبة الجزائية في الخطأ بنظر الاستئناف والفصل فيه مع عدم اختصاصها نوعياً مما يستوجب قبول الطعن موضوعاً وإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى الشعبة التجارية بمحكمة الاستئناف للفصل فيها وفقاً للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية :

الوجه الأول : المحاكم المختصة بنظر الطعون الضريبية :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد أن التاجر المكلف بدفع الضريبة قد رد على الطعن بالنقض بان الفترة التي تم احتساب الضريبة عنها سابقة لصدور القانون رقم (17) لسنة 2010م وتبعا لذلك ً فان الشعبة المختصة بنظر الطعن الضريبي ليست الشعبة التجارية ، فالشعبة المختصة بذلك هي الشعبة المحددة في القانون القديم رقم (31) لسنة 1991م وعند الرجوع إلى هذا القانون نجد أنه لم يحدد مسمى المحكمة أو الشعبة التي تنظر الطعون الضريبية حيث نصت المادة (81) من ذلك القانون على أنه (يحق لكل من المكلف ومصلحة الضرائب استئناف أحكام محكمة قضايا ضرائب الدخل أمام شعبة نوعية من شعب الاستئناف بعواصم المحافظات ويكون حكم المحكمة الاستئنافية نهائياً غير قابل للطعن بأي طريقة من طرق الطعن على أن تتم إجراءاتها بالاستعجال) ومن استقراء هذا النص يظهر أن النص لم يحدد الشعبة الاستئنافية المختصة بنظر الطعون الضريبية هل هي  الشعبة التجارية أو شعبة الأموال العامة كما أن حكم هذه الشعبة كان نهائياً لا يجوز الطعن فيه بالطعن بالنقض كما هو الحال في القانون النافذ (ق17 لسنة 2010م) ومن خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد رفض تمسك التاجر المكلف بالنص القانوني القديم وقبل طعن مصلحة الضرائب ونقض الحكم ألاستئنافي عملاً بالنص القانوني الجديد النافذ الوارد ضمن القانون رقم (17) لسنة 2010م الذي قرر في المادة (161) أن الاختصاص بنظر الطعون في الأحكام الضريبية الصادرة عن المحاكم الابتدائية معقود  بالشعب التجارية بالنسبة للمحافظات التي لا توجد بها محاكم ضرائب ، ولا شك أن قضاء المحكمة العليا موافق للقانون ولمبدأ عدم رجعية القانون لان قواعد الاختصاص لها أحكامها المستثناة من مبدأ عدم رجعية القانون وهذا ما سنبينه في الوجه الثاني.

الوجه الثاني : سريان قانون ضرائب الدخل النافذ على القضايا السابقة قبل صدوره بالنسبة لاختصاص محكمة الطعن الضريبي :

قرر الحكم محل تعليقنا أنه فيما يتعلق باختصاص محكمة الطعن الضريبي فان قانون ضرائب الدخل النافذ يسري على القضايا والحالات السابقة على صدوره  وذكرنا أن اجتهاد المحكمة العليا سديد ؛ فالقانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون النافذ  في اثناء نظر القضية طالما أنه لم يتم حجزها للحكم فيها في ظل نفاذ القانون القديم وهذا ما لم يحصل بالنسبة للقضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، فمن غير المقبول أن تكون هناك محكمتان مختلفتان في تشكيلهما واختصاصاتهما تفصلاً في طعون ضريبية أو غيرها (التعليق على قانون المرافعات لأستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء صـ175).

الوجه الثالث :  محام الضرائب والتقاضي الكيدي.

من خلال المطالعة لوقائع القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن محامي الضرائب قد سكت حينما رفع التاجر المكلف طعنه أمام شعبة الأموال العامة الاستئنافية فلم يدفع المحامي بعدم  اختصاص الشعبة في ذلك الوقت مع ان محامي الضرائب يعلم علم اليقين أنها غير مختصة لان وظيفته وعمله تطبيق القانون رقم (17) لسنة 2010م بما في ذلك المادة (161) التي عقدت الاختصاص بنظر الطعن للشعبة التجارية ، فكان الواجب على محام الضرائب عند قيام التاجر بتقديم الطعن امام شعبة الاموال العامة أن يدفع بعدم قبول الطعن لعدم اختصاص شعبة الأموال العامة التي كانت ستحيل الطعن إلى الشعبة التجارية توفيراً للجهد والوقت والمال وتحقيقاً لمبدأ الاقتصاد في إجراءات التقاضي ومبدأ عدم الهدر الإجرائي ، وهذا التقاضي الكيدي يؤكد دعواتنا المتكررة في كل تعليقاتنا على ضرورة معالجة هذه الظاهرة التي تتسبب في مشاكل أخرى يعاني منها القضاء اليمني وهي مشكلة إطالة إجراءات التقاضي وتعقيدها.

الوجه الرابع : توصية للمقنن اليمني :

احسن صنعا قانون ضرائب الدخل النافذ  حينما اسند الاختصاص بنظر الطعون الضريبية الى الشعب والدوائرالتجارية في محاكم  الاستئناف والمحكمة العليا حتي يتم انشاء شعب ودوائر ضريبية باعتبار الشعب والدوائر التجارية هي الاقرب من حيث تخصصها وقدراتها الى قضايا الضرائب ولكن القانون النافذ جانب الصواب حينما اسند الى محاكم الاموال العامة الابتدائية نظر الطعون الضرببية لان هذه المحاكم جزائية يمثل امامها المتهمون  في جرائم الاموال العامة كالاختلاس وارشوة والفساد وغيرها فهذا الامر يضر معنويا ونفسيا بسمعة التجار والتجارة ؛ولذلك فاننا : نوصي المقنن اليمني بتعديل النص القانوني االمشار اليه لاسناد الاختصاص بنظر الطعون الضريبية الى المحاكم التجارية الابتدائية بدلا من محاكم الاموال العامة الابتدائية؛حتي يكون النص منسجما مع بعضه حيث تتولي الشعب والدوائر التجارية النظر في الطعون في احكام المحاكم التجارية وليس النظر في طعون محاكم الاموال العامة، والله اعلم.