الاعمال التجارية للأوقاف
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
للأوقاف
وظيفة اجتماعية معاصرة تتمثل في استثمار أموال الوقف استثمارًا حسنا مضموناً
لزيادة عائدات الوقف وتنمية الأوقاف والنهوض بودورها في المجتمع الإسلامي الحديث،
ولذلك فان للأوقاف وظيفة معاصرة تشابه النشاط التجاري في بعض الوجوه مما يجعل
القانون يسبغ على عملها في هذا المجال الصبغة التجارية مثل قيام الأوقاف بإنشاء
الأسواق العامة والعمارات والابنية السكنية والمستشفيات والمصحات وغيرها وتأجيرها
واستغلالها، حيث يقرر القانون التجاري ان هذا النشاط نشاط تجاري طالما وهذا النشاط
يستهدف الربح حتى لوكان من ضمن اغراض الاستثمار تقديم خدمات بسعر زهيد، وتبعا
لذلكً ينعقد الاختصاص بنظر النزاعات التي تحدث بسبب هذا النشاط للمحاكم التجارية
ولو كانت دعاوي ايجار، كما النشاط التجاري والاستثماري للأوقاف يحتاج إلى ضوابط طإلى ضوابط شرعية تحكمه حتى يودي دوره
المحمود ،ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/1/2015م في الطعن رقم
(55657) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مكتب الأوقاف تقدم امام
المحكمة التجارية بدعواه ضد صاحب محل تجاري كان مستاجرا لدكان من الاوقاف حيث طلب
مكتب الاوقاف الزام المدعى عليه بإخلاء الدكان لأن المستاجرين للدكاكين قد قاموا
بإخلاء الدكاكين الا المدعى عليه لأن الاوقاف تعتزم النساء مشروع سكني وتجاري
بمساعدة فاعل خير وحتى تتم توسعة المسجد وتحسينه وذكرت الاوقاف في الدعوى أن جميع
المستأجرين للمحال التجارية قد قاموا باخلاء المحلات عدا المدعى عليه الذي ادعى
بدعوى فرعية بأنه قد قام بإعادة بناء المحل وطلب الزام الأوقاف بتعويضه وقد توصلت
المحكمة التجارية الابتدائية إلى الحكم بإلزام المستأجر بإخلاء العين، فلم يقبل
هذا المستأجر بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه وقام بتضمين استئنافه الدفع بان
القضاء التجاري ليس مختصاً بنظر النزاع، لان منازعات الأوقاف المدنية كالإيجار
يختص بنظرها القاضي الشخصي وليس القاضي التجاري، إلا أن الشعبة التجارية رفضت
الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، فلم يقنع المستأجر بالحكم الاستئنافي فقام
بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة التجارية رفضت الطعن وأقٌرت الحكم الاستئنافي،
وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد ذكر الطاعن ان الاختصاص النوعي بنظر
هذه الدعوى لا ينعقد للقضاء التجاري وإنما لقاضي الأحوال الشخصية وذلك بالاستناد
إلى ان قانون الوقف الشرعي قد حدد في المادة (2) من التعريفات بقوله (الحاكم/ رئيس
المحكمة التي يقع في دائرتها الوقف) كما ان القواعد القضائية الصادرة من المحكمة
العليا قد حددت ان القضايا المتعلقة بمال الوقف هي من اختصاص القاضي الشخصي،
والدائرة تجد أن هذا الدفع مردود عليه بالثابت من الأوراق التي توجد ان العلاقة
القائمة بين الطاعن والمطعون ضده مكتب الأوقاف هي علاقة ايجارية قائمة بين مؤجر وتاجر مستأجر ،والعقار المؤجر لصالح المسجد وعقد الإيجار
يحكي أنه عقد ايجار محل تجاري بقصد مزاولة البيع والشراء حسب الثابت في دعوى
المستأجر الفرعية، وحيث ان المادة (21) من القانون التجاري تنص على أن (المعاملات
التجارية التي تقوم بها الدوائر الحكومية تخضع لأحكام قانون التجارة) وحيث ان
العقار محل الدعوى محل تجاري بموجب عقد الايجار
فيما بين مكتب الأوقاف والطاعن لذلك فان المنازعة بشأنه تنعقد للقضاء
التجاري) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : سند الحكم في القضاء بأن النزاع تجاري :
من خلال المطالعة
للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد استند في قضائه بتجارية تأجير الأوقاف للمحلات
التجارية استند في ذلك الى المادة (2) وقف التي عرفت الحاكم أو المحكمة المختصة
بنظر منازعات الأوقاف وهو القاضي المختص مكانياً ونوعياً بحسب ماهو مقرر في القوانين
الاخرى، والقانون التجاري قرر في المادة (8) على أن (الاعمال التجارية هي الاعمال
التي يقوم الشخص بقصد تحقيق الربح ولو كان غير تاجر) فالأوقاف ليست تاجر ولكنها
تهدف إلى تنمية أموال الوقف عند تأجير المحال التجارية علاوة على ان المادة (17)
تجاري قد نصت على أنه (اذا كان العقد تجارياً بالنسبة إلى احد المتعاقدين دون
الاخر سرت أحكام قانون التجارة على التزامات المتعاقد الاخر الناشئة من هذا العقد
مالم يوجد نص يقضي بغير ذلك) وعند تطبيق هذا النص نجد ان مكتب الأوقاف كان هو
المدعي الأصلي الذي تقدم أمام المحكمة التجارية الابتدائية مطالباً المستأجر للمحل
التجاري بإخلاء العين، كما ان الحكم محل تعليقنا استند إلى المادة (21) تجاري التي
نصت على أن الاعمال التجارية التي تجريها الدولة تسري عليها أحكام قانون التجارة
حيث قاس الحكم قيام الأوقاف بتأجير
المحلات التجارية على الاعمال التجارية التي تباشرها جهات الدولة المختلفة.
الوجه الثاني : التكييف الشرعي والقانوني للأوقاف واعمالها :
الأوقاف شخص اعتباري
،فالأوقاف هي أول تجسيد في الشريعة الإسلامية للشخصية الاعتبارية التي ابتكرها
الفقه الإسلامي لرعاية أموال الوقف وحفظها، لان ملكية الرقبة في أموال الوقف لله
سبحانه وتعالى، فكان من الواجب إيجاد شخصية اعتبارية افتراضية تتولى الادارة
لأموال الوقف والاشراف عليها وتنميتها والمحافظة عليها، وبناءً على ذلك فان هيئة
الأوقاف او وزارة الأوقاف ليست هي المالك لأموال الوقف فليس لها الا حق الادارة، فلا
يجوز لها بيع الوقف أو التصرف الناقل له الا في حالات استثنائية محددة على سبيل
الحصر، ومن هذا المنطلق فإن وزارة الأوقاف
أو هيئة الأوقاف ليست تاجراً بالمفهوم الشرعي، اما في القانون فان الوضع يتغير حيث
يجيز القانون بصفة عامة للممثل القانوني للشخص الاعتباري ان يباشر التصرفات نيابة
عن الشخص الاعتباري، والواقع ان هيئة الاوقاف او وزارة الأوقاف تباشر بعض الاعمال
التجارية وانها تسعى في نشاطات استثمارية إلى تنمية الأوقاف وزيادة عائداتها، فذلك
يعد من قبيل الاعمال التجارية، ولكن هذا الوضع لا يعني ان الأوقاف قد تخلت عن
وظيفتها الاصلية في القيام بتحقيق اغراض الواقفين وتلبية احتياجات الاعمال الخيرية
التي ارادها الواقفون بل على العكس من ذلك فان قيام الأوقاف ببعض الاعمال التجارية
الاستثمارية وان كان هدفها تحقيق الربح الا انها تهدف أصلاً إلى تنمية أموال
الواقفين وتعظيمها وزيادة عائداتها حتى تحقق اغراض الواقفين، ومن هذا المنطلقة فان
قيام الأوقاف باستثمار أموال الوقف وعائداتها في مشاريع تجارية استثمارية مرتفعة
العائد لا يخالف الشريعة وفي الوقت ذاته لا يخالف اغراض الواقفين بل ان استثمارات
أموال الوقف في المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية يحقق الوظيفة الاجتماعية للوقف
في العصر الحاضر.
الوجه الثالث : ضوابط النشاط التجاري للأوقاف :
اذا كان من الجائز
للأوقاف المتاجرة والاستثمار بأموال الوقف لتنميتها وزيادة عائداتها إلا أن هناك
ضوابط شرعية ينبغي الالتزام بها عند استثمار أموال الوقف، ويمكن الاشارة إلى أهم
هذه الضوابط وتلخيصها كما يأتي :
1- أموال الوقف التي
انقطع مصرفها يجوز استثمار اعيانها وعائداتها في مشاريع استثمارية مضمونة العائد
الجيد الذي يزيد عائداتها وزيادة قيمة اعيانها في مشاريع استثمارية تحقق عائدات
اكبر.
2- يجوز استثمار الفائض
من عائدات أموال التي تفيض عن الأغراض التي حددها الواقفون، لان ذلك يحقق غرض
الواقف في حفظ وزيادة منفعتها.
5- يجوز استثمار اعيان
الوقف وعائداتها اذا كانت من الأوقاف التي لا يعلم الواقفون لها أو لا يعلم
مصارفها، لان ذلك يحفظ هذه الاوقاف المجهول الواقفين عليها كما ان استثمارها يحقق
عائدات اكبر، فيكون اجر الواقفين اكبر.
6- يجب
ان يكون استثمار أموال الوقف في مشاريع مضمونة العوائد ولابترتب عليها التفريط في
عين الموقف أو ضياعها ، فلا يجوز استثمارها في مشاريع تدور بين الربح والخسارة،
لان الأوقاف وظيفتها ادارة أموال الوقف وحفظها وتنميتها، فالأوقاف مثلها في ذلك
مثل ولي القاصرين الذي لا يجوز ان يباشر التصرفات الدائرة بين النفع والضرر فلا
يجوز له ان يباشر من التصرفات الا ما فيه نفع محض.
7- ينبغي
ان تكون المشاريع الاستثمارية لأموال الوقف ذات نفع عام أو تتضمن معنى القربات مثل
المستشفيات والجامعات والمدارس ومراكز التدريب الاهلية وغيرها من المشاريع وان
كانت استثمارية الا انها تتضمن معنى المبرات والقربات فتلبي احتياجات المجتمع
المختلفة، فتلك هو الوظيفة الاجتماعية للوقف في الوقت الحاضر.