الفرق بين دعوى بطلان الحكم واستئنافه

 

الفرق بين دعوى بطلان الحكم واستئنافه

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من خلال مطالعتنا لكثير من الأحكام نجد أن البعض يخلط فيما يتعلق بوظيفة محكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى بطلان حكم التحكيم والطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي حيث يتم التعامل مع الأمرين كما لو أنهما  شيء واحد وان وظيفة محكمة الاستئناف في الحالتين تكون واحدة، في حين ان دعوى بطلان حكم التحكيم تختلف تمامًا عن الطعن بالاستئناف في الحكم القضائي، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5/10/2010م في الطعن المدني رقم (35402) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أنه اختلف شخصان على بئر ومضخة لبيع الماء للسقي فقاما بتحكيم محكم للفصل في الخلاف حيث توصل المحكم إلى الحكم بأن يحلف الولد  بأن شراكته في ربع المشروع لا زالت باقية فان حلف  ثبتت شراكته وعند ذلك  يقدم المدعى عليه كشف حساب المشروع ويحلف اليمين بصحة مفردات الحساب وبموجب ذلك يتحمل كل شريك من هذه التكاليف على قدر حصته في المشروع وأن يكون المشروع بإدارة المدعى عليه وان يلتزم بالمحافظة على المشروع  وتقديم حسابات ارباح وخسائر المشروع أولاً بأول، فلم يقبل المدعى عليه بحكم التحكيم فقام بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف التي قامت بتحليف الطرفين كما قامت بالاستماع إلى شهود إثبات الشراكة فيما بين الطرفين وبموجبه قضت الشعبة الاستئنافية بتأييد حكم التحكيم وسببت الشعبة حكمها بأنه قد ثبت لديها من خلال سماعها للشهود والمحررات ومن خلال استيفائها لليمين المحكوم بها في حكم التحكيم ثبت للشعبة عدم صحة دعوى البطلان، أما ما اثارة المدعي بالبطلان بشأن الحكم، فلم يقبل المدعي بالبطلان بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وقد تبين للدائرة أن ما اثاره الطاعن من بطلان الحكم الاستئنافي لمخالفته للمادتين (15 و 53) تحكيم، فمن خلال ذلك ظهر للدائرة أن الشعبة جاوزت صلاحيتها المقررة لها قانونا حين نظرها دعوى البطلان المقررة في المادتين (15 و 53) تحكيم وذلك حينما قامت الشعبة بالفصل في موضوع النزاع محل التحكيم واستمعت الشهود  وقبلت  الادلة اضافة الى انه قد تضمن منطوق حكمها أنها قضت  بتاييد حكم التحكيم خلافا للقانون الذذي يوجب عليها ان تقبل دعوى البطلان وتلغي الحكم او ترفض الدعوى وتقرر صحة الحكم  اضافة الى ان الشعبة لم تتعرض لحالة البطلان الظاهرة في حكم التحكيم من حيث تعليق منطوق على اداء اليمين فتلك المناعي في محلها لان الحكم المطعون فيه قد استند الى المادة (288) مرافعات في حين أن تلك المادة لا تنطبق على دعوى بطلان حكم التحكيم حين نظر الشعبة لها فتلك المادة يتم تطبيقها بالنسبة للطعن بالاستئناف في أحكام المحكمة الابتدائية الأمر الذي أوقع الحكم الاستئنافي المطعون فيه في الخطأ في تطبيق القانون عندما التفت الحكم عن تطبيق المادة (53) تحكيم مع ان هذا النص هو الواجب التطبيق على دعاوى البطلان باعتبار محكمة الاستئناف محكمة رقابة قانونية تقرر اذا توفرت لديها حالة أو اكثر من حالات طلب بطلان حكم التحكيم ابطاله أو ترفض دعوى البطلان أن تحقق لديها خلاف ذلك دون أن يكون لها الحق في تعديل حكم التحكيم مع ان ذلك جائز لها حينما تنظر في استئناف الحكم  الابتدائي ، وعليه فأن الحكم المطعون فيه  قد خالف القانون واخطأ في تطبيقه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : صلاحيات محكمة الاستئناف بالنسبة لأحكام محاكم الدرجة الأولى :

صرح الحكم محل تعليقنا بأن الحكم الاستئنافي قد اخطأ في تطبيق القانون حينما استند إلى المادة (288) مرافعات وهو ينظر في دعوى بطلان حكم تحكيم لان المادة (288) لا تنطبق الا حينما تفصل محكمة الاستئناف بالاحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الابتدائية، فالمادة (288) تقرر صراحة بأن الاستئناف يطرح القضية المحكوم فيها بالحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد، وبموجب هذا النص فان محكمة الاستئناف تكون محكمة موضوع تنظر في كل ما تم تقديمه أمام محكمة أول درجة كما أن محكمة الاستئناف في هذه الحالة تستقبل الأدلة الجديدة كما يحق لها الفصل في الدفوع والطلبات المقدمة أمام محكمة أول درجة، وفي هذا الشأن فان محكمة الاستئناف تحكم اما بتأييد الحكم الابتدائي أو الغائه أو تعديله او بإعادة القضية الى محكمة أول درجة للفصل فيها ، واذا كانت المادة (288) قد حددت نطاق صلاحيات محكمة الاستئناف فيما يتعلق باستئناف أحكام وقرارات المحكمة الابتدائية فانه لا يجوز تطبيق هذه المادة على دعاوى بطلان حكم المحكمين.

الوجه الثاني : صلاحيات محكمة الاستئناف بالنسبة لدعاوى البطلان :

تقرر المادة (53) تحكيم صراحة عدم جواز الطعن في أحكام التحكيم بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وهذا يعني عدم جواز الطعن بالاستئناف في حكم التحكيم وتبعاً لذلك عدم جواز تطبيق (288) مرافعات على دعاوى البطلان، لانها ليست استئناف أو طعن بالاستئناف حيث يجب على محكمة الاستئناف بدلاً من ذلك تطبيق القانون الخاص والنص الخاص في قانون التحكيم وهو المادة (53) تحكيم الني تنص على أنه (مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب أبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الاتية -أ- اذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو انتهت مهمته أو كان باطلاً وفقاً للقانون –ب- اذا كان أحد اطراف التحكيم فاقد الأهلية – ج- اذا كانت الإجراءات غير صحيحة –د- اذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها – هـ- اذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم –و- اذا لم يكن حكم التحكيم مسبباً – ز- اذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الاسلامية والنظام العام وفيما عدا هذه الأحوال والأحوال المبنية في هذا القانون فان أحكام التحكيم التي تصدر وفقاً لهذا القانون لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية) حيث يتحدد اختصاص محكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى البطلان في بحث حالة البطلان المدعى بها من قبل المدعي بالبطلان في ضوء حالات البطلان المذكورة على سبيل الحصر في المادة (53) تحكيم السابق ذكرها، حيث تكون محكمة الاستئناف في هذه الحالة محكمة قانون مثلها في ذلك مثل المحكمة العليا فاذا تأكدت من تحقق حالة البطلان المدعى بها قضت ببطلان حكم التحكيم واحالت القضية الى المحكمة الابتدائية المختصة أصلاً بنظر النزاع وان ثبت لمحكمة الاستئناف عدم تحقق حالة البطلان المدعى بها فانها حينئذ تحكم برفض الدعوى ، فليس لها أن تحكم بتأييد حكم التحكيم اذا وجدت عدم صحة حالة أو حالات البطلان المدعى بها وانما تحكم برفض الدعوى  حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا وهو تخريج سديد موافق لطبيعة الحكم الاستئنافي في دعوى بطلان حكم التحكيم التي تختلف عن طبيعة الحكم الاستئنافي في الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، وبناءً على ما تقدم فلا يجوز لمحكمة الاستئناف وهي تنظر في دعوى بطلان حكم التحكيم أن تنظر في موضوع النزاع الذي كان مثاراً أمام المحكم أو هيئة التحكيم لان دعوى البطلان لا تعيد طرح النزاع كما أن اختصاص محكمة الاستئناف في هذه الحالة مقتصر لاعلى الجانب القانوني وليس الموضوعي باعتبارها محكمة قانون وليس محكمة موضوع، فدورها يقتصر على التحقق من مدى قانونية حالات البطلان المدعى بها ومدى توافقها مع حالات البطلان المحددة في المادة (53) على سبيل الحصر، فلا يجوز لمحكمة الاستئناف الاستماع الى شهود أو ادلة أو البت في طلبات كما أنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف وهي تنظر في دعوى البطلان تعديل حكم التحكيم فهي لا تملك الا الحكم بصحته أو بطلانه فقط دون تعديل بخلاف الطعن بالاستئناف في الحكم القضائي الذي تملك محكمة الاستئناف أن تقضي بتعديله.

الوجه الثالث : تعرض محكمة الاستئناف لحالات البطلان غير المثارة في دعوى البطلان :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أنه كان يجب على محكمة الاستئناف وهي تنظر في دعوى البطلان أن تتعرض إلى التعليق الظاهر في منطوق حكم التحكيم حيث علّق الشراكة واثارها على اليمين من المدعي وبعد ذلك علّق الغرامات التي يجب على المدعي القضاء بها الى المدعى عليه على يمين المدعى عليه على قدر مبالغ تلك الغرامات وقد استقر قضاء المحكة العليا في اليمن على أن التعليق والارجاء مبطل للأحكام، وكأن الحكم محل تعليقنا قد المح الى أن التعليق والارجاء متعلق بالنظام العام الذي يجب على محكمة الاستئناف التصدي له من تلقاء ذاتها باعتبارها من النظام العام، لان التعليق والارجاء يفقد الحكم سواء أكان حكم القضاء أو حكم التحكيم أهم عناصره وهو الجزم والحسم للنزاع، والله اعلم.