الحكم بموجب النكول عن اليمين

 

الحكم بموجب النكول عن اليمين

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

إمتناع الخصم الذي تتوجه اليه  اليمين عن حلفها أو النكول عنها وسيلة من وسائل الإثبات وحسم الخلافات،  ولذلك يتم الحكم بموجبها، وقد قضى بذلك الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2015م في الطعن رقم (56343) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم:  ان المدعي ذكر في دعواه بان المدعى عليها لم تسلمه المبلغ الذي بذمتها وهو قيمة الأرض التي سبق له ان قام ببيعهااو تناول بها للمدعى عليها فأجابت المدعى عليها ان محرر البيع للأرض قد تضمن ان المدعي قد استلم المبلغ كاملاً فطلب المدعي من المحكمة توجيه اليمين الحاسمة للمدعى عليها بانها قد سلمت له المبلغ فقامت المحكمة بتوجيه اليمين الحاسمة للمدعى عليها إلا أنها طلبت من المحكمة منحها مهلة التقرير المضي في اليمين أو ردها على المدعي إلا انها بعد ذلك نكلت عن اليمين ولم تردها على المدعي  فقضت المحكمة الابتدائية بإلزام المدعى عليها بسداد المبلغ إلى المدعي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فانه لما كان الثابت قانوناً وفقهاً وقضاءً انه اذا تضمن المستند الايفاء بما احتواه ثم وجدت قرينة تدل على عدم الوفاء فلا اعتبار لما اشتمل عليه المستند من  القول  بالوفاء بما احتواه، فلما كان الأمر كذلك فان نكول المدعى عليها عن اليمين الحاسمة وعدم ردها يعد قرينة قاطعة على عدم الايفاء بما تضمنه المحرر) فقامت المدعى عليها باستئناف الحكم الابتدائي إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم تيأس المستأنفة حيث قامت بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما ما اثارته الطاعنة في طعنها من نعي بان محرر التنازل او البيع قد تضمن استلام المطعون ضده للمبلغ وقول الطاعنة بان دعوى المطعون ضده غير مقبولة    غير  من أساسها لسبق وجود ما يكذبها لثبوت تسليمها المبلغ في وثيقة التنازل عن المبيع، وحيث ان ذلك النعي قد سبق للطاعنة اثارته أمام محكمتي الموضوع حيث تمت مناقشتها والرد عليها ،فمحكمة الموضوع هي المعنية بتقدير الدليل) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الوجوه الأتية :

الوجه الأول : ماهية النكول عن اليمين :

النكول عن اليمين الامتناع عن حلف اليمين عند توجيهها إلى الشخص بمقتضى القانون في مجلس القضاء، والنكول قد يكون صريحا كما قد يكون ضمنيا فالنكول  الصىريح هو ان يجيب من وجهت اليه اليمين من القاضي بأنه لن يحلف والنكول الضمني هو تأخر من وجه اليه القاضي اليمين تاخره عن الحلف في الوقت الذي يطلبه القاضي من غير عذر، ويعرف الفقه الإسلامي النكول عن اليمين بأنه الامتناع عن حلف اليمين أو التأخر عن اداء اليمين الواجبة، ويعرف النكول الشيخ الزرقا بانه (امتناع الخصم عن حلف اليمين الموجهة اليه من القاضي، ويتحقق النكول بتصريح الخصم بانه لن يحلف او سكوته مع سماعه لتوجيه القاضي (المدخل الفقهي للزرقا، 2/1065).

الوجه الثاني : مدى جواز منح الخصم مهلة قبل اعتباره ناكلاً :

اختلف الفقه الاسلامي في ذلك حيث ذهب جماعة من الفقهاء إلى ان الخصم لا يمهل فعليه اداء اليمين عند توجيهها إليه في المجلس وإلا تم اعتباره ناكلا ،في حين تذهب جماعة اخرى من الفقهاء إلى جواز امهال الخصم كأن يتأكد من حساب او أوراق (البحر الزخار4/410) وقد اخذ قانون الإثبات بقول من ذهب إلى جواز الامهال حيث نصت المادة (149) إثبات على أنه (اذا لم ينازع من وجهت اليه اليمين لا في جوازها ولا في تعلقها بالدعوى وجب عليه إن كان حاضراً بنفسه ان يحلفها فوراً او يردها على خصمه اذا كان ردها جائزاً وإلا  اعتبر ناكلاً ويجوز للمحكمة ان تعطيه ميعاداً للحلف اذا رآت لذلك وجهاً فان لم يحضر ويحلف في الميعاد بغير عذر أو حضر  وامتنع اعتبر ناكلاً) وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد منح المدعى عليها مهلة لحلف اليمين إلا انها امتنعت عن الحلف بعد ذلك.

الوجه الثالث : حكم النكول عن اليمين :

بينت حكم النكول المادة (143) إثبات التي نصت على أن (كل من وجهت اليه اليمين فنكل عنها دون ان يردها على خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر الدعوى) فبناءً على ما ورد في هذا النص فاذا امتنع المدعى عليه عن  اداء اليمين الموجهة اليه فيحكم عليه القاضي بالحق الذي تعلقت به اليمين وكذلك الحال بالنسبة للمدعي اذا نكل عن اليمين، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بإلزام المدعى عليها بدفع المبلغ المدعى به عندما نكلت عن الحلف بانها قد دفعت ذلك المبلغ إلى المدعي.

الوجه الرابع : جواز توجيه اليمين مع وجود محرر يثبت الوفاء بالحق المدعى به :

من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بجواز توجيه اليمين الحاسمة إلى المدعى عليها مع وجود محرر البيع او التنازل الذي تضمن ان المتنازل او البائع قد استلم الثمن، وقد علل الحكم الابتدائي لذلك بان المحرر لايكون دليلاً كافياً الا في حالة عدم وجود قرينة تدل على عدم الوفاء  اما اذا وجدت قرينة على عدم الوفاء  فلايكون المحرر في هذه دليلاً كافياً  كما لو وجدت قرينة تدل على أن المحرر صوريً كما لو وجدت ورقة ضد تثبت خلاف ما ورد في المحرر الصوري، وكذا في حالة توجيه اليمين الحاسمة إلى المتمسك بالمحرر فان ذلك يكون قرينة على عدم الوفاء بالحق الثابت في المحرر فاذا نكل من وجهت اليه اليمين الحاسمة فان ذلك قرينة  على عدم صحة ما ورد في المحرر، ولذلك فانه يتم الحكم بموجب النكول وليس بموجب ما ورد في المحرر، لان المحرر ذاته قرينة بحسب الشرع والقانون الذي يعرف المحررات بانها من قبيل القرائن، والله اعلم.