جواز الوصية لوارث مقابل الخدمة

 

جواز الوصية لوارث مقابل الخدمة

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

من المقرر شرعا وقانونا عدم جواز الوصية لوارث الا بإجازة الورثة الاخرين, وهذا اصل عام سنده قول النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم (لا وصية لوارث) ولكن هذا الاصل العام ترد عليه استثناءات؛ من ذلك جواز الوصية لاحد الورثة مقابل قيامه  بخدمة مورثه الموصي, ولكن هذه المسألة ليست بهذه البساطة؛ لان بعض الوصايا للورثة تنطوي على حيلة او قد يشعر بعض الورثة بهذا الشعور, ومع هذا وذاك فهناك حالات تكون الوصية للوارث جائزة تدل الدلائل والشواهد على  ان الوارث الموصى له يستحق هذه الوصية لما قام به من عمل وخدمة لمورثه ربما يكون اجرها اكبر من قية الشي  الموصى به فعندئذ لا تنطوي هذه الوصية على حيلة, ولا ريب ان الوصية الصادرة من المورث لوارثه مقابل الخدمة من اهم   الاستثناءات التي ترد على قاعدة الاصل (لا وصية لوارث) والواقع العملي يشهد على ان الوصية لوارث مقابل الخدمة من المسائل الشائعة في اليمن التي يكثر الاحتياج لها ويتسأل الكثير عن حكمها, ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/4/2011م في الطعن الشخصي رقم (42417)؛ وتتلخص وقائع القضية الذي تناولها هذا الحكم ان الاب اوصى لابنتيه اللتين انقطعتا لخدمته عند عجزه اوصى لهما بالدكانين  الواقعين في الطابق  الارضي من احد المنازل التي يمتلكها؛ وبعد موت الاب  الموصي نشب الخلاف بين ورثته بشان وصيته لابنتيه حيث شعر بعض الورثة ان تلك الوصية تنطوي على حيلة لحرمان بقيةالورثة من بعض تركة والدهم وتطور هذه الشعور الى ان قام بعض الورثة برفع دعوى على بعضهم الاخر طلبوا فيها ابطال الوصية لأختيهم مقابل الخدمة وقسمة تركة والدهم المتوفي كاملة بما فيها الدكانين  الموصى بهما  وذلك على جميع التركة بحسب الانصبة الشرعية, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بإخراج ما تضمنته الوصية المؤرخة 18رمضان 1423هـ وقسمة الباقي على الفرائض) وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي (الامر الذي يترجح معه القول بلزوم التوقف على ما جاء في الوصية المحررة من قبل مورث المتداعين بتاريخ رمضان 1423 والعمل بموجبها وتنفيذ جميع بنودها واستكمال اجراءات القسمة) فقام بعض الورثة بالطعن في الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف حيث طلبوا في استئنافهم ببطلان الحكم الاستئنافي فيما قضاء به بصحة الوصية الا ان محكمة الاستئناف رفضت عريضة الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقبل المستأنفون بالحكم الاستئنافي فقاموا   بالطعن بالنقض في ذلك الحكم امام المحكمة العليا التي رفضت طعنهم واقرت الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا (فقد كان الاطلاع على ملف القضية حيث وجدت الدائرة ان الطاعنين قد ذكروا في طعنهم ان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون حينما  ايد الحكم الابتدائي الذي قضى بصحة الوصية مع انها تنطوي على حيلة على بقية الورثة, والدائرة تجد ان هذا النعي مردود عايه  بان الوصية المشار اليها مقابل الخدمة للمتوفي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : ماهية الخدمة التي تجوز الوصية مقابلها :

قرر الحكم محل  تعليقنا جواز الوصية لوارث مقابل خدمة قام بها الوارث لحساب المورث ؛وهذا يقتضي الاشارة الى ماهية هذه الخدمة ومظاهرها, فمن خلال المطالعة للحكم المشار اليه نجد ان الخدمة قد كانت من البنتين اللتين تناوبتا في خدمة والدهما العاجز والخدمة هنا تعني القيام بأمر المورث العاجز من طعام وتنظيف ومساعدته اثناء انتقاله  داخل المنزل للطعام اوقضاء الحاجة بالاضافة الى غسل ملابسه وتقديم الطعام وربما اطعام الوالد بوضع الاكل في فمه ان كان عاجزا على القيام بذلك بنفسه, والقيام بخدمة المورث العاجز او الوالد العاجز اشق واصعب من القيام بأمر الصغير الذي يحتاج الى حضانة؛ ولذلك امر الله سبحانه وتعالى بعدم التبرم من خدمة الوالدين الكبيرين العاجزين فقال (اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما) وتشمل الخدمة ملازمة المورث في المنزل او في المستشفى عند تلقيه العلاج اوالمعاينة, ومثلما تجوز الوصية للوارث اذا قام بخدمة مورثه فإنها جائزة ايضا لمن يقوم من الورثة بأمر العاجز او المحتاج ممن يجب على المورث الانفاق عليه او القيام بأمره مثل ان يوصي الاب لاحد ابنائه او بناته مقابل خدمتها لأبيه أي جدها او يوصي الاب بوصية مقابل قيام احدى بناته بحضانة ورعاية اخيها الصغير الذي ماتت عنه امه وهكذا .

الوجه الثاني : الحكمة من جواز الوصية لوارث مقابل الخدمة :

ذكرنا فيما سبق ان الوصية لوارث مقابل الخدمة جائزة على سبيل الاستثناء من قاعدة (لا وصية لوارث) ولا شك ان هناك مبررات شرعية وقانونية لهذا الاستثناء اهمها ما يأتي :

1-القيام بخدمة العاجز او المحتاج للخدمة تستدعي ممن يقوم بالخدمة وقتا وجهدا ومشقة وعنتا وصبرا, ولذلك فهو يستحق اجرا نظير ذلك لان الاب او الجد له مال مازال في ملكه وتحت تصرفه والمورث في هذه الحالة اولى بالتصرف بماله لمن يقوم بخدمته, والوارث الذي يخدم  مورثه احق بتقاضي اجرته عن الخدمة التي قام بها .

2؛-القيام بخدمة المورث واجب على جميع ورثته, فاذا تفرغ لها او قام بها احد الورثة فانه يستحق اجرا نظير ذلك, لان الورثة الاخرين يقومون بأعمالهم المعتادة التي تدر عليهم عائدا نظير الاعمال التي يقومون بها لحساب الغير, فلذلك فان من يقوم بخدمة مورثه احق بتقاضي اجر نظير خدمته .

3؛-جواز الوصية للوارث الذي يقوم بخدمة مورثه يشجع الورثة على خدمة مورثيهم العاجزين  والمحتاجين للخدمة لا سيما والواقع يشهد بان غالبية الورثة ينفرون من خدمة ورعاية مورثيهم العاجزين لمشقة ذلك على النحو السابق بيانه .

4؛-خدمة المورث العاجز او المحتاج واجبةشرعا وقانونا على جميع ورثته , لان عدم القيام بها سيؤدي حتما الى هلاك المورث العاجز او تلف اعضائه, وحفظ النفس في الشريعة مقدم على حفظ المال وهو التركة ؛ولذلك يجوز التضحية ببعض مال التركة حفظا لنفس المورث .

الوجه الثالث : مدى جواز تقاضي مقابل الخدمة طالما والخدمة واجبة :

من المقرر شرعا وقانونا انه يجب على الورثة جميعا خدمة مورثهم العاجز لأنه يترتب على عدم القيام بهذا الواجب هلاك المورث او تلف اعضائه, فحفظ النفس في الشريعة واجب وما يؤدي الى الواجب فهو واجب؛ وهذا الوجوب يقع على عاتق جميع الورثة فان لم يقوموا به جميعا فانهم آثمون, ولكن اذا قام به احدهم فقط سقط التكليف عن البقية وتحقق المقصود بقيام احدهم بهذا الواجب, وهذه المسألة تثير مسألة اخرى وهي مدى جواز تقاضي من يقوم بواجب الخدمة والرعاية والمحافظة على مورثه لمقابل ذلك, وبمعنى اخر هل يجوز لمن يفعل الواجب ان يتقاضى اجرا في الحياة الدنيا؟ لا ريب ان الاجابة الشرعية على هذا التساؤل تختلف باختلاف حالتين هما:

الحالة الاولى : قيام الورثة بالتناوب في القيام بخدمة المورث حيث يقوم الورثة بذلك جميعا وهذا يحدث في اليمن كثيرا, ففي هذه الحالة لا يجوز لأي من الورثة تقاضي اجرا مقابل قيامه بواجب خدمة مورثه او المطالبة به لان ما قام به هو واجب شرعي .

الحالة الثانية : اذا انفرد احد الورثة او بعضهم للقيام بهذا الواجب اصالة عن نفسه ونيابة عن بقية الورثة فانه لا يستحق اجرا عن الواجب الاصلي المناط به هو نفسه, ولكنه يستحق اجرا يخصم عن نيابته للورثة الباقين فهو قد قام بالواجب المترتب عليهم وبذلك فهو يستحق اجرا يخصم من حقهم في الميراث عن طريق الوصية لوارث مقابل الخدمة, وهذا هو التأصيل الشرعي الصحيح للوصية لوارث مقابل خدمة المورث .

الوجه الرابع : التناسب بين الخدمة ومقابل الخدمة :

حتى لا تكون الوصية لوارث مقابل الخدمة وليجة للحيلة على بقية الورثة فانه ينبغي المقابلة بين الخدمة التي قام بها الوارث وبين قيمة او قدر المال الذي اوصى به المورث مقابل الخدمة فاذا كان هناك تناسب تقريبي بينهما فالوصية في هذه الحالة جائزة اما اذا كلم يكن هناك تناسب بين الخدمة وقيمة الوصية فان الوصية في هذه الحالة حيلة على الورثة يحق للورثة الاخرين المطالبة بإبطالهما ويحق للقاضي ان يحكم بذلك, وهناك معايير ومقاييس يتم استعمالها لمعرفة التناسب بين الخدمة ومقابلها, ومن ذلك وقت الخدمة أي المدة التي امضاها الوارث في خدمة مورثه وكذا نوع الخدمة مثل الاطعام والملازمة الدائمة للعاجز ونوع العجز الذي كان يعانيه المورث المخدوم ....وغير ذلك .

الوجه الخامس : موقف القانون اليمني من الوصية لوارث مقابل الخدمة وتوصيتنا للمشرع اليمني :

من خلال المطالعة لقانون الاحوال الشخصية اليمني نجد انه لم ينظم هذه المسألة على اهميتها وكثرة الاحتياج لها, ولذلك فإننا نوصي المشرع اليمني بتنظيم هذه المسألة في قانون الاحوال الشخصية بنص قانوني يبين ماهية الخدمة الضرورية للمورث واحوال استحقاق الوارث لها, وان يسترشد المشرع اليمني من الاحكام المشار اليها في هذا التعليق عند تنظيمه لهذه المسألة, اما في القضاء اليمني فيحمد له انه اجتهد عند عدم  وجود النص؛ فقد كان للقضاءالسبق والفضل  في هذه المسألة؛ والله اعلم.